النفوذ الإيراني يتمدد إلي باب المندب وراء كل مصائب المشرق العربي.. فتش عن الولاياتالمتحدةالأمريكية, واشنطن لا تمل من لعب الدور نفسه وإن اختلفت الظروف السياسية والأماكن والأشخاص. إدارة أوباما لا تخجل من ممارسة لعبة تقسيم المقسم وتجزئ المجزأ في هدوء وفي وضح النهار بمنتهي العلانية من أجل الوصول إلي الشرق الأوسط الممزق الذي كانت ومازالت تحلم به والذي كشفتها خطتها المعلنة والمسماة بالفوضي الخلاقة تلك الترجمة المغلوطة لمصطلحcreativedistruction والذي لا يعني إلا التدمير الخلاق في أبسط ترجمة لغوية له, وما فشلت في تحقيقه في مصر في ثورة25 يناير2011 من وراء اتصالاتها ومباحثاتها المكشوفة مع الجماعة الإرهابية والسلفيين وكل القوي الثورية التي كانت موجودة في ميادين مصرمن خلال لقاءات سفيرتها بالقاهرة وقتها آن باترسون, تمارسه الآن في اليمن الذي سقط في أيدي الميليشات الشيعية المدعومة من إيران والتي لا تشكل30% من مجموع السكان في اليمن. الحوثيون- رغم كونهم أقلية لا تعبر عن جموع الشعب اليمني- حلوا البرلمان اليمني أمس وأعلنوا عن تشكيل مجلس تشريعي مؤقت, ومجلس رئاسي من خمسة أعضاء ينتخبهم المجلس الوطني وتصادق علي انتخاباتهم اللجنة الثورية علي أن يتولي هذا المجلس رئاسة الجمهورية خلال الفترة الانتقالية ويكلف مجلس الرئاسة من يراه من أعضاء المجلس الوطني أو من خارجه بتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية. لم تحرك الولاياتالمتحدة ساكنا إزاء هذا التطور الدراماتيكي علي الأرض- من استيلاء أقلية مذهبية علي الحكم بالقوة المسلحة من الأغلبية السنية, وسقوط ضحايا من المدنيين قتلي وجرحي, الذي من شأنه الإخلال بأمن واستقرار اليمن ودول الجوار والمنطقة بأكملها, إلا بالتنديد الشكلي في صورة اتهام الحوثيين بالانقلاب علي السلطة الشرعية, رغم اعتياد البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكيين أن تملأ الدنيا صراخا وعويلا علي حقوق الإنسان المهدرة, وانتهاك الحقوق المشروعة للأغلبية في مثل هذه الأوضاع, ورغم ما يعنيه استيلاء الجماعة المسلحة المسماة بأنصار الله علي الحكم في هذا البلد من تمهيد الطريق لتمدد النفوذ الإيرانيجنوب الجزيرة العربية وتهديد مصالح العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من دون استثناء- إلا أن واشنطن تبدو راضية تماما عن هذه الخطوة لأنها تصب في صالح مخططاتها المشار إليها. الأغرب من هذا أن الإدارة الأمريكية أعلنت من جانبها أنها تواجه صعوبات متزايدة في تنفيذ حملتها علي تنظيم القاعدة في اليمن تتمثل في عدم قدرتها علي الحصول علي المعلومات الاستخبارية الضرورية لتشغيل برامج طائرات الشبح بدون طيار لشن هجماتها علي القاعدة شبه الجزيرة العربية بعد سيطرة المسلحين الحوثيين علي أجزاء من أجهزة الأمن في اليمن!! وبعيدا عن كون أغلب ضحايا الهجمات الأمريكية علي القاعدة في اليمن( وفق مزاعم واشنطن) من المدنيين اليمنيين وليس من عناصر التنظيم الإرهابي( القاعدة), فمن البديهي أن تتغير السياسية الأمريكية في ضوء المستجدات الخطيرة الجديدة, إذ كان يتعين علي الأمريكيين بدلا من استهداف القاعدة أن يعملوا علي وقف الحوثيين عند حدودهم ولو بالقوة أو بالطائرات الشبحية- انتصارا للقانون الدولي والشرعية- باعتبارهم ميليشيا مسلحة فرضت أمرا واقعا بالقوة يتعارض مع كل المواثيق والأعراف الدولية. التطورات الأخيرة في هذا البلد المنكوب لم تدفع الأمريكيين إلا إلي إعلان تخفيض العاملين والأنشطة في سفارتها في صنعاء, وتعليق بعض عمليات ما تسميه بمكافحة الإرهاب في اليمن ضد القاعدة, بما يعني أن واشنطن لا تري فيما فعله الحوثيون من انقلاب علي السلطة والاستيلاء علي الحكم بالقوة ليس إرهابا, وأنها راضية تمام الرضي عما حدث, متجاهلة بذلك تورط إيران- عدوة أمريكا اللدود في العلن وحليفتها وراء الكواليس- في تقديم الدعم المالي والعسكري واللوجيستي للحوثيين والذي يفيد وصول وتحكم النفوذ الإيراني في الممر الملاحي الاستراتيجي في باب المندب فضلا عن تحكمها في مضيق هرمز. ليس هذا فقط ولكن واشنطن لم تكتف بمراقبتها السلبية للأحداث الخطيرة في اليمن ولكنها أعلنت انها تجري محادثات مع ممثلين عن المتمردين الحوثيين تركزت علي الوضع السياسي المتقلب وليس علي تقاسم معلومات استخباراتية بشأن تنظيم القاعدة هناك الذي سبق واعتبرته الاستخبارات الامريكية أكثر فروع التنظيم خطرا علي الإطلاق, مؤكدة أنه نظرا للفوضي السياسية فإن من الصواب القول إن مسئولين حكوميين أمريكيين علي اتصال مع مختلف الأطراف في اليمن حيث الوضع السياسي متحرك جدا ومعقد جدا. وأوضح مسئول في البنتاجون أنه من الصحيح القول أيضا إن الحوثيين سيكون لهم بالتأكيد أسباب للتحدث مع الشركاء الدوليين ومع الأسرة الدولية عن نواياهم والطريقة التي ستتم فيها العملية. ماذا يسمي هذا في أعراف وقوانين السياسة الدولية إذا لم يعد تواطئا أمريكيا لتمزيق اليمن بالتحالف مع متمردين إنقلابيين استولوا علي الحكم بليل بمساعدة أطراف خارجية بقوة السلاح ومن دون سند ولا مبرر قانوني؟ السيناريو الأمريكي الذي فشل في تمكين الجماعة الإرهابية من الحكم في مصر, نجح بكل أسف في تسليم اليمن لميليشيات شيعية مسلحة بمباركة أمريكية وتواطؤ غربي لإغراق المنطقة بأكملها في مستنقع الصراعات العسكرية المذهبية, وتمكين طهران من التمدد لهذه المنطقة الحيوية من العالم, ليصبح باب المندب تحت رحمة ملالي طهران. عبدالخالق صبحي