يصعب أن تنسي ذاكرة بريطانيا المصريين البسطاء وهم يرفعون الإبهام والأكف ويرحبون بالإنجليزية برئيس وزرائها في ميدان التحرير يوم21 فبراير2011 بعد10 أيام من تخلي حسني مبارك عن الحكم, تحت ضغط الميدان. حينها فاخر البريطانيون, رسميا,بأن ديفيد كاميرون كان أول زعيم غربي يزور مهد ثورة مصر أثناء مخاض ولادتها الجديدة. وحينها أيضا قيل إن زيارة كاميرون للميدان أضيفت, في اللحظات الأخيرة, إلي جولته التي كانت مقررة في منطقة الخليج للترويج للسلاح البريطاني. كان ذلك إيذانا بعودة المملكة المتحدة العجوز إلي الشرق الأوسط حيث نطاق النفوذ والمستعمرات القديمة. بعد أربع سنوات من بداية الثورات العربية, ومن البحرين, أعلنت بريطانيا مشروعها في الشرق الأوسط للقرن الحادي والعشرين. لم يكن الإعلان سوي تدشين لمرحلة أولي من المشروع الذي اشتغل عليه البريطانيون قبل عقد من الزمن ووضعت أولي لبناته في العاصمة البحرينية. ففي المنامة أسس المركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية أي أي إس إس, البريطاني ذو الصلات الوثيقة بالحكومتين الأمريكية والبريطانية وأجهزة الاستخبارات, ويضم عددا من العسكريين السابقين حوار المنامة الأمني. وفي دورته العاشرة, الشهر الماضي, أعلن فيليب هاموند وزير خارجية بريطانيا ووزير دفعها مايكل فالون عن قاعدة عسكرية بحرية ضخمة دائمة الخليج. في عام2004 عقدت أول دورة لحوار المنامة, بمشاركة سير نايجل شينوالد, مستشار السياسة الخارجية للحكومة ورئيس إدارة الدفاع والشئون الخارجية بوزارة شئون مجلس الوزراء البريطاني. وفي كلمته حينها, دعا سير نايجل إلي مكافحة الإرهاب في الخارج, كما حذر من صعود جيل جديد من الإرهابيين. ونظمت الدورة بعد ثلاث سنوات من غزو التحالف الدولي بقيادة أمريكا لأفغانستان, وعامين تقريبا من غزو العراق, بقيادة أمريكا أيضا, وهي الحرب التي أيدها وبررها المركز البريطاني الشهير, وظهور بوادر واضحة علي توابع فشل الحملتين.. الإرهاب. الآن وبعد عقد بالتمام, خرج جيل الإرهابيين الذي بشر به سير نايجل إلي العلن. وتحت جناح الحرب العالمية والإقليمية عليه, أعلنت بريطانيا العودة إلي الشرق الأوسط عسكريا وأمنيا واستخباراتيا. وبفضل هذا الإرهاب عبد طريق عودة بريطانيا للمنطقة, هكذا تكشف مداولات حوار المنامة. فرغم اجتهاد الخليجيين في إقناع هاموند بأن إيران هي التهديد الخارجي الداهم لمنطقتهم والشرق الأوسط, رد عليهم الوزير بوضوح قاطع يشغلني تهديد الإرهاب, وأفاض في شرح هم بلاده بالأمن والاستقرار, ولم يذكر حقوق الإنسان أو الإصلاح السياسي أو التغيير أو تداول السلطة سلميا في الشرق الأوسط. رسالة بريطانيا لشركائها في الخليج كما بعث بها هاموند تقول منذ جاءت الحكومة البريطانية الحالية إلي السلطة في عام2010 وهي عاقدة العزم علي تطوير صداقاتنا التاريخية العميقة في هذه المنطقة إلي شراكات تلائم القرن الحادي والعشرين. وسائل هذا التطوير, ومشروع العودة, هو القوة العسكرية البريطانية التي كان حوار المنامة فرصة لإنهاء الصمت المحيط بوجودها, مقابل التركيز السياسي والإعلامي علي القوة الأمريكية في المنطقة. تقول بريطانيا إن قاعدتها العسكرية الموسعة الجديدة في البحرين هي أحد الأمثلة علي شراكتنا المتنامية مع شركائنا في الخليج لمواجهة التهديدات الاستراتيجية والإقليمية المشتركة. يقول الجيش البريطاني إن قاعدة ميناء سلمان توفر للبحرية الملكية البريطانية قاعدة للعمليات,ومقرا للتخطيط وتخزين المعدات وإسكان أفرادالبحرية. وهذا الإعلان ليس سوي تتويج لعمل عسكري مشترك دؤوب بين بريطانيا وشركائها في الخليج وخاصة البحرين. فمنذ عام2001 أنشأت قيادة المكونات البحرية الملكية البريطانية((UKMCC مقرا دائما لها في البحرين, ثم عملت علي إنشاء مقر جديد أكبر في شهر أبريل من العام الماضي. وجاء توقيع اتفاق المنامة العسكري, في الخامس من ديسمبر الماضي, ليكشف علنا عن وجود عسكري دائم لبريطانيا في المنطقة. تقول المعلومات المتاحة إن استعادة النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط جزء من مشروع أوروبي- أمريكي أوسع يعيد رسم حدود النفوذ الاستراتيجي. هدف المشروع هو تقسيم المسئوليات بين قوي العالم الكبري. فالاتفاق, كما تكشف المعلومات, هو أن تتولي أوروبا بقيادة المملكة المتحدة وفرنسا إدارة الشرق الأوسط بملفاته الملتهبة, وتنقل الولاياتالمتحدة60% من قوتها العسكرية الصلبة, نحو الشرق بحلول2020 لمجابهة النفوذ الصيني والروسي. وعندما سئل هاموند عن الدور الأوروبي في المشروع, أجاب: سوف يتوقع منا وشركائنا الأوروبيين أن نتحمل نصيبا أكبر من العبء في الشرق الأوسط. والظاهر هو أن دور بريطانيا, أقرب الحلفاء إلي أمريكا في أوروبا, سيكون أعظم من غيرها. فإلي جانب توسيع وجود فوج الاستطلاع التابع للسلاح الجوي البريطاني في قاعدة المنهاد الجوية الإماراتية, جنوبدبي, عام2012, ستكون قاعدة ميناء سلمان مركز التوسع البريطاني في المستقبل. وحسب المشروع البريطاني, فإن القاعدة ستكون المقر المختار الذي من أجله يجري تطوير حاملتي طائرات مدمرة من طراز45, ستدخلان الخدمة في نهاية العقد الحالي. تفخر بريطانيا بأن النسخة المطورة من هذه التحفة العسكرية هي أحدث مدمرة تحمل طائرات مقاتلة في العالم. يقول هاموند لا أعتقد أن هناك دولة تنبي حاملتي طائرات قادرتين علي حمل65 ألف طائرة في الوضع الأمن الراهن الذي يمر به العالم دون توقع نشرهما في هذه المنطقة حسبما تملي الحاجة.