تراجع ملحوظ.. تعرف على سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الجمعة 10 مايو    أسعار السيارات الكهربائية تواصل الانخفاض.. تعرف على السبب    بلينكن سيقدم للكونجرس تقريرا "شديد الانتقاد" لإسرائيل    «القاهرة الإخبارية»: سقوط شهيد في قصف مدفعي غرب رفح الفلسطينية    ظاهرة غير متوقعة.. الأرصاد الجوية تحذر من طقس اليوم الجمعة    محامي: مصر تحتل المركز الخامس عالميا في المراهنات الإلكترونية    مرض ووفيات وعمليات جراحية.. أحداث الوسط الفني في أسبوع    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 10 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«الميزان» ومشاكل صحية ل«القوس»    دعاء يوم الجمعة مكتوب مستجاب PDF.. أدعية من القرآن الكريم للرحمة وجلب الرزق    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 10 مايو    أسعار اللحوم الحمراء في منافذ «الزراعة» ومحلات الجزارة.. البلدي بكام    القاهرة الإخبارية: «حماس» تٌخبر الفصائل الفلسطينية برفض الاحتلال مقترح الوسطاء    نجم الأهلي يطمئن جماهير الزمالك قبل موقعة نهضة بركان    محامي حسين الشحات يعلن مقاضاة بيراميدز بسبب بيان قضية محمد الشيبي    عمرو يوسف ويسرا وكريم السبكي يكشفون كواليس «شقو»    أعداء الأسرة والحياة l صرخات نساء «تجار الدين» أمام محكمة الأسرة    أعداء الأسرة والحياة l خبراء وائمة فرنسيون : الإخوان والسلفيين.. شوهوا صورة الإسلام فى أوروبا    أحمد العوضي يحسم أمره بشأن العودة لياسمين عبدالعزيز.. ماذا قال؟    يحطم مخطط التهجير ويهدف لوحدة الصف| «القبائل العربية».. كيان وطني وتنموي داعم للدولة    اليوم| قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الحوامدية.. تعرف على الموعد    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس المتوقعة اليوم الجمعة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    أسرار «قلق» مُدربي الأندية من حسام حسن    أتالانتا يتأهل لنهائي الدوري الأوروبي بثلاثية أمام مارسيليا    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    أشرف صبحي يناقش استعدادات منتخب مصر لأولمبياد باريس 2024    مصطفى بكري: مصر تكبدت 90 مليون جنيها للقضاء على الإرهاب    هل قول زمزم بعد الوضوء بدعة.. الإفتاء تجيب    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية عسكرية ل"حزب الله" بجنوب لبنان    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    هدية السكة الحديد للمصيفين.. قطارات نوم مكيفة لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح    التنمية المحلية: 9 آلاف طلب تصالح على مخالفات البناء خلال يومين    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    إصابة شرطيين اثنين إثر إطلاق نار بقسم شرطة في باريس    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    الافضل | جائزة جديدة ل بيرسي تاو قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا    بالأغاني الروسية وتكريم فلسطين.. مهرجان بردية للسينما يختتم أعماله    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    ضبط المتهم بالشروع في قتل زوجته طعنًا بالعمرانية    البابا تواضروس يستقبل رئيسي الكنيستين السريانية والأرمينية    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    مسؤول أوروبي كبير يدين هجوم مستوطنين على "الأونروا" بالقدس الشرقية    عادل خطاب: فيروس كورونا أصبح مثل الأنفلونزا خلاص ده موجود معانا    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    مزاجه عالي، ضبط نصف فرش حشيش بحوزة راكب بمطار الغردقة (صور)    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    بشرى للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر للقطاعين العام والخاص    تعرف على سعر الخوخ والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 10 مايو 2024    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    هيئة الدواء تعلن انتهاء تدريب دراسة الملف الفني للمستلزمات الطبية والكواشف المعمليّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب جديد يرصد ما جري في ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية(3-3)
11 فبراير.. عندما هتف التحرير: انتصرنا

ربما لم يكن يدور في مخيلة الآلاف الذين خرجوا في نهايات يناير2011, أن يأتي عليهم ذلك اليوم الذي يشاهدون فيه ثورتهم وقد بدأت تؤتي ثمارها, علي الرغم مما شهدته علي مدي عام من تحولات كبري, وتجاذبات بلغت حد العواصف في كثير من الأحيان. حتي هؤلاء الذين خرجوا في25 يناير إلي الشوارع والميادين الكبري- استجابة لدعوة وجهتها حركات احتجاجية عدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي, باعتباره يوما للغضب علي ممارسات نظام مبارك, وفي القلب منها توحش جهازه الأمني الممثل في وزارة الداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة.
لم يكن يتخيل أحدهم أن تؤدي تلك الخطوة إلي نهاية نظام ظل مسيطرا علي مقاليد الأمور في البلاد طيلة ثلاثين عاما, إذ لم يبرح الخروج في هذا اليوم مكانه كحركة احتجاجية محدودة, قبل أن يلقي استجابة واسعة من قبل العديد من القوي والحركات السياسية الشابة حينذاك, وينفجر طوفان الغضب, بعدما تعاملت أجهزة الأمن مع هؤلاء الشبان المطالبين بالتغيير بكل هذه الوحشية, مما أدي إلي انفجار الأحداث بصورة غير مسبوقة تاليا, بعد تواتر الأنباء عن سقوط قتلي في مدينة السويس, وهو ما دفع أعدادا كبيرة من الشبان المحتجين إلي إعلان الاعتصام في ميدان التحرير, لترد قوات الشرطة باعتقال المئات منهم بعد اشتباكات خلفت عددا من المصابين.
في أوساط النخب السياسية, ظل السؤال حاضرا بقوة: هل كتب مبارك هذا البيان, وكلف نائبه بتلاوته علي الجماهير الغاضبة, أم أن الجيش هو من تدخل وأجبره علي التنحي؟ وإذا كان مبارك قد تنحي عن الحكم, فما الداعي إذن لاستخدام كلمة تخلي التي لا تعكس المعني ولا توضحه.. وهل وقع الرئيس وثيقة تتضمن هذا التخلي؟ ثم من قبل ذلك ومن بعده, هل هناك نص في الدستور يسمح بذلك التخلي عن سلطات رئيس الدولة, وما دستورية تكليف القوات المسلحة بالمهمة؟
ما جري في تلك الأثناء, كان خارجا عن كل السياقات الدستورية والقانونية, فلا مبارك وقع علي وثيقة التخلي, ولا الجيش هو الذي أجبره علي شيء, بل إن البيان الذي ألقاه سليمان, كان هو الذي كتبه بخط يده, في مكتب وزير الدفاع الأسبق, المشير محمد حسين طنطاوي, وقد علم به مبارك عبر الهاتف, بعدما كان قد غادر القاهرة علي متن طائرة مروحية إلي شرم الشيخ, وقد وافق مبارك علي البيان باستثناء كلمة واحدة طلب تعديلها, وطلب من سليمان تأجيل إذاعة البيان, لحين مغادرة نجليه علاء وجمال مطار ألماظة ليلحقا به.
مكالمة قصيرة لم تستغرق بضع دقائق جرت بين سليمان ومبارك, قام بعدها الأول بالتوجه فورا إلي مقر وزارة الدفاع لتسجيل البيان, وإرسال الشريط إلي ماسبيرو, مع تعليمات بإذاعته فور إبلاغهم بذلك.
ينظم دستور1971 غياب رئيس الجمهورية لسبب طارئ سواء كان مرضا أو سفرا, فينيب الرئيس نائب رئيس الجمهورية, لكن دون أن يستطيع النائب طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو إقالة الوزارة, أما في حالة خلو منصب الرئيس بالاستقالة أو العجز الدائم أو الوفاة, فيتولي الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية; إذا كان مجلس الشعب منحلا.
أحسن مبارك بعدم اتباعه الطريق الدستوري, فلم يكن متصورا أن يتولي فتحي سرور, رئيس مجلس الشعب حينذاك مسؤولية رئاسة البلاد, التي كانت ستواجه حربا طاحنة لو تولي سرور الرئاسة, وكان لا بد أن ينتهي الأمر إلي الجيش, لكن بعد أحداث وأحداث, إلا أنه علي حد تعبير فقيه دستوري فإنه حتي آخر دقيقة في منصبه, لم يحترم مبارك الدستور الذي أقسم اليمين علي احترامه, واخترع أسلوبا جديدا غير مسبوق في إنهاء رئاسته لا علاقة له بالدستور, ما يعني أنه قبل أن يرحل أسقط بتصرفه هذا الدستور, ما يستوجب عدم محاولة ترقيعه والعمل فورا علي إصدار دستور جديد.
حاول مبارك يوم السبت,29 يناير, المناورة, وتعيين المشير طنطاوي نائبا لرئيس الجمهورية, ورغم إلحاح مبارك عليه فقد أصر المشير علي الاعتذار, فكان أن عين سليمان في المنصب الذي ظل خاليا30 سنة, كما عين أحمد شفيق رئيسا للوزراء, وظل المشير طنطاوي وزيرا.
وفي الوقت الذي جرت فيه هذه المناورة التي حاول بها مبارك استرضاء الشعب, شهدت البلاد في اليوم نفسه أسوأ عمليات انفلات أمني في تاريخ مصر, لقد فتحت السجون وأحرقت أقسام الشرطة وانسحب رجال الشرطة من الشارع, الذي ترك للصوص والمجرمين وخريجي السجون, ونهبت وسرقت ودمرت عشرات المحال والبيوت والمرافق بصورة غير مسبوقة. فكان قرار فرض حظر التجوال اعتبارا من الرابعة عصرا وهو ما لم يحدث في تاريخ مصر.
في حديث لجريدة الشروق في7 مارس2011, قال اللواء رءوف المناوي, الرجل الثاني والقوي في عهد وزير الداخلية حسن الألفي: إن خطة فتح السجون هي خطة محكمة جدا, كانت موضوعة في الأساس من أجل حماية توريث الحكم لجمال مبارك, لأن كل قراءات الشارع كانت توضح أن الناس ترفض جمال, فوضعت خطة بين وزير الداخلية وبعض قيادات الحزب الوطني, لتشكيل ميليشيات تضم عصابات وبلطجية لترويع الناس, وبالتالي حينما سيتولي جمال الحكم ستقبل به الناس, لأن الخطة وضعت علي أساس أن يتمني الناس الأمان.
والواضح أنه بسبب تطورات الأحداث تم استدعاء خطة فتح السجون, التي كانت معدة للابن لحماية الأب, وبعد ذلك جاءت موقعة الجمل يوم2 فبراير لتحسم شعور كل مصري ضد النظام, ما جعل البعض يقترح, بعد محاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة ومعاقبتهم, منحهم أوسمة خاصة لأنهم بسبب جريمتهم اجتمع ملايين المصريين علي إسقاط حسني مبارك.
لكن قمة الدراما كانت عندما جرت مواجهة الرئيس صباح يوم الأربعاء9 فبراير بحقيقة نبض الشارع, ومشاعره تجاهه في لقاء مغلق بينه وبين الدكتور حسام بدراوي, الذي كان الرئيس قد لجأ إليه يوم5 فبراير لينقذ الحزب الوطني, ويروي الكاتب الصحفي, صلاح منتصر, وقائع ما جري في هذا اللقاء الذي استمع فيه مبارك لأول مرة من بدراوي, أنه يواجه باحتمال السيناريو الذي جري للرئيس الروماني, الديكتاتور نيقولا تشاوشيسكو, الذي ثار عليه الشعب وقبضوا عليه هو وزوجته وحاكموهما أمام عدسات التليفزيون في جلسة واحدة انتهت بإعدامهما.
وبرغم تفهم الرئيس الموقف, وموافقته علي قبول التنحي في نفس اليوم, الأربعاء9 فبراير, فإن دائرة الشر التي أحاطت به أقنعته برفض التنحي, وبينما كانت قرارات وخطب مبارك تركب الحنطور, كانت الثورة تتحرك بسرعة فيسبوك وتويتر.
تسونامي الثورة.. يكنس حزب الوريث
بدأت شمس الحزب الوطني الحاكم( سابقا) تتجه بخطوات حثيثة نحو أفول اضطراري, مع نهايات شهر يناير, وقبل تخلي مبارك عن الحكم بأيام, انتهي سريعا حزب هيمن علي الحياة السياسية في مصر, وعلي نحو خاطف, أذهل حتي المنتسبين إليه من هول السقوط السريع, بعد ما يزيد علي ثلاثين عاما, ظل خلالها مسيطرا علي المشهد السياسي, من دون أن يمنح فرصة حقيقية لنحو24 حزبا سياسيا تشكلت تباعا, في العمل داخل الملعب السياسي في مصر.
تداعت حصون الحزب الذي تأسس عام1981 علي يد الرئيس الأسبق أنور السادات في امتداد طبيعي لفكرة المنابر التي طرحها عام1977, علي نحو مثير للدهشة, بعدما بدأ العديد من قياداته في القفز من المركب الغارقة, بعد أيام قليلة من إعلان مبارك تخليه عن السلطة في البلاد, ليتحول في غضون أسابيع قليلة إلي كيان يشبه إلي حد كبير عشرات من الأحزاب الصغيرة, تلك التي ظلت علي مدي العقود الماضية تلعب دور السنيد في فيلم سينمائي, لا يعرف سوي البطولة المطلقة للنجم الأوحد.
لم يمض سوي شهور معدودة حتي حسمت محكمة القضاء الإداري صراعا قضائيا دفع الحزب الوطني ثمنه فادحا, ممثلا في242 مقرا كانت تشغلها لجانه بجميع المحافظات, وهي مقرات سعي حزب مصر العربي الاشتراكي لاستعادتها باعتبارها من مخصصاته, وكانت محكمة استئناف القاهرة قد قضت عام1991 بحق حزب مصر العربي في مقاره وممتلكاته وأمواله التي استولي عليها الحزب الوطني, بما تحتويه من منقولات وغيرها, ما دعا الحزب الوطني إلي التصالح معه بموجب عقد اتفاق أبرم عام1992, وتم تعليقه علي شرط مفاده قيام لجنة شؤون الأحزاب بالتحكيم بين الحزبين لإنهاء النزاع القائم بينهما حول هذه المقار والمخصصات, غير أن لجنة شؤون الأحزاب التي كان يرأسها أمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف, بصفته رئيسا لمجلس الشوري, لم تتخذ موقفا واضحا من ذلك النزاع.
مثلت قصة الحزب الحاكم نموذج حالة للانحراف السياسي في السلطة الحاكمة, وهو انحراف يرجع إلي بداية السبعينيات مع صدور دستور عام1971, وما صاحبه من إعادة مبدأ التعددية السياسية في البلاد, بعد توقفها في أعقاب ثورة23 يوليو1952, التي قررت حل الأحزاب القديمة كإجراء ثوري يستهدف تصحيح المسار, وما صاحب ذلك من اعتماد فكرة التنظيم السياسي الواحد التي استمرت حتي1976, العام الذي أعلن فيه السادات قيام التعددية الحزبية عبر إنشاء المنابر الثلاثة داخل التنظيم السياسي القائم.
وظهرت التعددية الحزبية في مصر بصدور قانون الأحزاب السياسية الذي يحمل رقم40 لسنة1977 والخاص بتنظيم إنشاء وتكوين الأحزاب السياسية, غير أن هذا الإعلان ولد مشوها منذ بدايته, حيث منح الاتحاد الاشتراكي صلاحيات واسعة في الموافقة علي تشكيل الأحزاب, وقد اشترط هذا القانون جملة من الشروط العامة لتأسيس الأحزاب السياسية بدت في مجملهما معوقة لعملية التأسيس, ومن بينها ألا تتعارض مبادئ هذه الأحزاب الجديدة مثلا مع مبادئ معاهدة كامب ديفيد عام1979 بين مصر ودولة الكيان الصهيويني!
ويكاد يتفق كثير من المراقبين علي أن مرحلة التعدد الحزبي في عصر السادات(19811977) شهدت العديد من التحولات السياسية التي أدت بدورها إلي تعثر التجربة الحزبية في مراحلها الأولي, ومن أهمها ما شهدته تلك الفترة من تضييق لقنوات المشاركة السياسية, عبر سلسلة من القوانين التي استهدفت بالأساس التضييق علي المعارضة ومن أشهرها قانون العيب وقانون ما يسمي حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي, وكلها أدت إلي محاصرة النشاط السياسي للأحزاب, وأدت في بعض الفترات إلي تعقب الآراء المخالفة بل ومثول عدد غير قليل من السياسيين أمام المدعي العام الاشتراكي لمساءلتهم سياسيا. الثابت أن الحزب الوطني, لم يواجه علي امتداد تاريخه الذي يزيد علي ثلاثين عاما بقليل جدا, أي مشكلات تتعلق ببنيته الأساسية, أو الصراع علي مواقعه القيادية مثلما هو الحال في مختلف الأحزاب التقليدية في البلاد, فقد ظل الرئيس هو القيادة العليا لهذا الحزب, بدءا من السادات ومن بعده مبارك, وهو ما كان يعكس استمر الطابع الخاص للحزب المتمثل في ارتباط رئاسته برئاسة الدولة المصرية, بل ونخبتها الحاكمة أيضا, فالمادة رقم4 من النظام الأساسي للحزب تحدد تشكيله من الرئيس وعضوية كل من نواب الرئيس وهم رئيس مجلس الوزراء ورئيسا مجلسي الشعب والشوري والأمين العام للحزب, إضافة إلي ثمانية أعضاء آخرين يختارهم المؤتمر العام بناء علي ترشيح من رئيس الحزب نفسه. بدأت سيطرة الحزب الوطني علي الحياة السياسية في مصر عمليا خلال انعقاد مؤتمره العام الثامن في سبتمبر2002, وهي الانتخابات التي شهدت الميلاد الحقيقي لعملية التوريث, بتدشين نجل الرئيس السابق رئيسا لما يسمي لجنة السياسات, التي كانت قد تشكلت في وقت سابق, واعتبرها كثيرون من قيادات الحزب الوطني- ومن بينهم صفوت الشريف, الأمين العام- قلب الحزب النابض, وقد بدا حينذاك أن الخطوات تتسارع نحو هذا الهدف, إذ لم يشهد هذا المؤتمر إجراء انتخابات بالترشيح والتصويت للأمانة العامة أو المكتب السياسي, وكل ما جري هو أنه تم اختيار أشخاص بعينهم وسط دعاية كبيرة, وشائعات حول وجود صراعات بين جيل الشباب وما يسمي الحرس القديم داخل الحزب.
لم يشغل جمال مبارك, أي منصب تنفيذي في حكومتي عاطف عبيد ومن بعده أحمد نظيف, وقد بدا منذ البداية أنه تعمد ألا يتولي أي سلطة ظاهرة في البلاد, غير أن حقيقة الأمور كانت تسير باتجاه أن يلعب الابن دورا متناميا عبر ما يسمي لجنة السياسات التي ترأسها داخل الحزب الوطني, والتي تجاوزت- في غضون سنوات قليلة- دورها في رسم السياسات العامة للحزب, ومراجعة مشروعات القوانين التي تقترحها الحكومة قبل إحالتها للبرلمان, إلي حد اختيار الحكومة نفسها وتسمية وزراء بعينهم فيها, وهو ما اعتبر مقدمة عملية لتصعيد جمال كخليفة لوالده, رغم نفي الاثنين في غير مناسبة حدوث ذلك. لعب الحزب الوطني دورا كبيرا في الدفع باتجاه تعديل المادة76 علي النحو الذي جري في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية عام2005, بهدف فتح الطريق أمام تنصيب جمال مبارك رئيسا للبلاد خلفا لأبيه في التوقيت المناسب, وبطريقة تبدو شرعية من ناحية الشكل والقانون, وقد تزامن هذا التعديل الدستوري مع تشكيل حكومي جديد, اختارت لجنة السياسات معظم الوزراء فيه, باستثناء الوزارات السيادية التي ظلت من اختصاص رئيس الجمهورية حتي الساعات الأخيرة التي استبقت تنحيه عن السلطة في البلاد.
علي مدي السنوات الخمس الأخيرة قبل الثورة, تنامي دور الحزب الوطني في الحياة السياسية في مصر, وأحكم قبضته علي البلاد عبر مؤسسات الدولة الأمنية, وبدأت بعض الصحف القومية الكبري تروج لفكرة حكومة الحزب في الوقت الذي كانت موجات من الغضب تجتاح قطاعات واسعة من المصريين الذين لم يلمسوا شيئا حقيقيا مما يروج له الحزب في وسائل الإعلام, بسبب سيطرة لوبي المصالح داخل لجنة السياسات علي القرار السياسي, في مقابل تهميش دور غالبية أعضاء اللجنة, واقتصارها علي عدد من رجال الأعمال المقربين من نجل الرئيس, والمثير أن هؤلاء- سواء الذين شاركوا جمال مبارك في لجنته, والذين اختارهم لتولي حقائب وزارية في حكومة الدكتور نظيف ومن بعده حكومة أحمد شفيق- قبعوا في زنازين سجن طرة علي ذمة التحقيق في قضايا فساد مروعة وتكوين ثروات حرام عبر استغلال نفوذهم السياسي.
بدت الإجراءات التي أعلن عنها الحزب الوطني أقرب ما تكون لمحاولة أخيرة للبقاء أمام تسونامي الثورة, وقد عبر عن ذلك ما تبقي من شباب الحزب في بيان نشر علي صفحة الحزب الرئيسية علي شبكة الإنترنت, عندما أكدوا أن حزبهم يشهد ثورة جديدة تعبر به من مرحلة التأسيس الأولي, في أغسطس1978 ومن فترة التطوير وما يسمي الفكر الجديد عام2002, إلي مرحلة مختلفة تماما في السياسات والأشخاص والبيئة السياسية الحاكمة, مرحلة تأمل ما تبقي من قوي داخل الحزب الذي كان حاكما, أن تكون مرحلة للعمل, تمكن الحزب من المشاركة بفاعلية في إدارة عملية الحوار الوطني حول مستقبل البلاد, بعد إعادة بناء الحزب بمؤسساته وشخوصه, انطلاقا من الإيمان بأن مستقبل مصر لن يصنعه حزب منفرد أو أشخاص متحكمون, بل حزب يؤمن بالحوار والتواصل مع الآخرين المختلفين في الرأي, بالحجة والبرهان, وهو البيان الذي علق عليه أحد السياسيين المعارضين بقوله: الحزب الذي كان حاكما يستعطف الشعب المصري لمجرد البقاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.