يظل كمال أبو عيطة الوزير السابق والمناضل العمالي الأشهر, واحدا من أبرز الرموز السياسية التي لعبت دورا كبيرا في ثورة25 يناير, بدءا من انخراطه منذ سنوات بعيدة في الأوساط العمالية والنقابية, وليس انتهاء بتأسيسه لأول نقابة مستقلة للعاملين بالضرائب العقارية, كانت من أوائل التنظيمات العمالية التي نزلت إلي ميدان التحرير عندما لاحت بشائر الثورة في الأفق. علي مدار السنوات الخمس الأخيرة من عمر نظام مبارك, ومن قبلها بكثير, ومشهد أبو عيطة محمولا علي أعناق الثوار في ميادين الحرية, والدفاع عن مطالب الطبقة العاملة, لا يغادر ذاكرة التاريخ الحديث, حتي استحق عن جدارة لقب مؤذن الثورة وهو اللقب الذي يعتز به كثيرا, ويقول إنه لا يزال عنده أغلي من ألف وزارة, مؤكدا أن قبوله وزارة القوي العاملة, كان حدثا استثنائيا في ظرف تاريخي, لم يكن يتعين عليه الهروب من مواجهته, لأنه يري نفسه أولا وأخيرا في صورة ذلك النقابي العتيد الذي يتصدر الصفوف المطالبة بحقوق العمال, ومن خلفه تاريخ طويل من النضال في مختلف التنظيمات والحركات الناصرية, وأن النقابي الحقيقي, لا يستوزر. قلت ل أبو عيطة بعد فاصل من الأسئلة الساخنة طالت فترة وزارته: هل تقبل دعوات بعض القوي للنزول إلي ميدان التحرير في الذكري الرابعة للثورة؟, ودهشت كثيرا عندما وجدت أبو عيطة الذي أعرفه يقول في حسم: لا لن أشارك, قبل أن يضيف: النزول إلي الميدان اليوم فتنة كبيرة يجب أن يحذرها كل من يحب هذا الوطن. * في الذكري الرابعة لثورة يناير, هل تري أن الثورة حققت أهدافها ؟ ثورة يناير لم تحقق أهدافها بعد, وأنا والمصريون جميعا ننتظر تحقيقها, فهذه الثورة العظيمة التي تجسدت في تحالف وطني واسع يضم قوي سياسية واجتماعية مختلفة, يشرفني أنني كنت واحدا من المشاركين فيها, ممثلا لقطاع من القوي الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية فيها, وهذه القوي لازالت تنتظر تحقيق أهدافها. * ما الذي تحتاجه الثورة برأيك حتي تحقق أهدافها وتعدل مسارها ؟ ** ما نحتاجه هو تنفيذ شعاراتها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, وأنا أعرف أن هذا المطلب لن يتحقق بين عشية وضحاها, لأنه من الصعب إعادة بناء ما هدمه نظام فاسد جثم علي قلب مصر طيلة40 عاما بسرعة, لكن لابد من الإنصات جيدا لأدوات الثورة وأقصد بها الشباب, إلي جانب باقي القوي الاجتماعية التي شاركت فيها, فإذا كانت الأرض قد ملئت ظلما خلال سنوات حكم مبارك, فعلينا البحث فورا عن القوي التي أضيرت خلال تلك السنوات ورد المظالم إلي أهلها, أنا أعلم جيدا أنه لا توجد لدينا إمكانيات بعد للقيام بتلك الخطوة, وقد لمست ذلك بنفسي, لكني أؤمن بأن أول الغيث قطرة و أنا أنتظر هذه القطرة. * هل تري أن ما شهده الميدان من أخلاقيات يعكس طبيعة المصريين الحقيقية ؟. ** بل إنني أزيد أن المصريين لو عاشوا بأخلاقيات الميدان في الثمانية عشر يوما التي استبقت تنحي مبارك, لكانت مصر أحسن دولة في العالم, ففي الميدان لم يسأل أحد آخر عن دينه, ولم نفرق بين رجل وإمرأة, وكنا نتقاسم الخبز سويا, لا فرق بين يميني ويساري, و هذه اللحظات العظيمة لا يمكن نسيانها, لأنها عكست الأخلاق الكامنة داخل شخصية كل مصري. * كيف استقبلت خبر تنحي مبارك عن الحكم ؟ ** وقت إذاعة خبر التنحي اشتعل الميدان بالرقص والغناء, وتوافد الجميع للاحتفال, أما أنا فقد أصبت بحالة من الذهول للحظات, فلم أدرك أن اللحظة التي كنت أحلم بها, وكافحت كثيرا من أجل الوصول إليها قد تحققت, لقد شعرت بخوف شديد, عندما وجدت من يقول في الميدان يللا نروح بقي, وقد طالبت من كانوا يجلسون حولي بعدم الرحيل, بل إنني صرخت فيهم محدش يسيب الميدان, لأنني كنت أشعر أن هناك من يتربص بالثورة, وجاهز للانقضاض عليها. * قلت في غير مناسبة إن هناك أخطاء وقعت فيها قوي الثورة, فهل كان ذلك يرجع إلي عدم وجود قيادة, وهل كان وجود هذه القيادة كفيلا بتجنب تلك الأخطاء ؟ ** نعم, وأنا عندما قلت قيادة لم أكن أعني القائد الزعيم, لكني كنت أقصد التنظيم الذي ينظم حركة الثورة واتجاهات سيرها, ومشكلة القوي الثورية الحقيقية أنها قررت مغادرة الميدان بعد إسقاط مبارك, وتركت الأمر للنخب السياسية, وهذه آفة مصرية بامتياز, والمشكلة الثانية أن قوي الثورة لم تدرك حقيقة الفراغ السياسي الذي يحدث عقب اسقاط الرؤساء, وهو فراغ لم يكن يستطيع أحدا في البلد أن يملأه, وقد كان ذلك سببا في قفز الإخوان, لأنهم كانوا القوة الأكثر جاهزية علي ملئ هذا الفراغ. * هل سرقت ثوره يناير إذن, ومن الذي سرقها؟ ** الثورة سرقت من الثوار الحقيقيين, والسبب في ذلك يرجع إلي انشقاق القوي السياسية علي بعضها, فقد تركت هذه القوي الوطن وانشغلت بمشاكل جزئية, وفي رأيي أن الذي ساهم علي سرقة الثورة, هي نظرية مليء الفراغ, و كل ما أخشاه أن تؤدي تلك النظرية أيضا إلي سرقة30 يونيو, وهو احتمال وارد ما لم تجتمع القوي السياسية علي قلب رجل واحد, عبر حلف وطني واسع, يضم مختلف المكونات السياسية, من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار, وبخاصة القوي المنحازة للثورة, وفي مقدمتها الحلف الطبقي الواسع العمال والفلاحين والفقراء, هذا الحلف الوطني هو وحده القادر علي الانتصار للدولة الوطنية المصرية. * باعتبارك أحد النقابيين العماليين البارزين في الحركة النقابية المصرية, هل تري أن الثورة حققت للعمال بعض ما كانوا يطالبون به من مكاسب ؟. ** أنا اعتبر إقرار الحد الأدني والأقصي للأجور مكسبا للعمال, شريطة أن يمتد إلي القطاع الخاص, والمشكلة أن المجلس القومي للأجور لم يجتمع منذ حل حكومة الببلاوي ولا مرة, وهو المجلس المنوط به تنظيم حوار اجتماعي للوصول لحد أدني للأجور. * كنت أول من أسس نقابة مستقلة لعمال الضرائب العقارية, فلماذا اختفت النقابات المستقلة أثناء فترة وزارتك للقوي العاملة ؟ ** لأن النقابات المستقلة تسربت لها العيوب الموجودة في القطاع النقابي الرسمي, وأصبح جل اهتمام القائمين عليها, هو الحصول علي المواقع والمناصب, وتحقيق المصالح الخاصة, علي حساب مطالب العمال, وقد قلت من قبل إن النقابي لا يستوزر, فاستوزار النقابي واختياره وزيرا, يجعله يفشل في الأمرين معا, لقد قلت دة وأنا نقابي وأكرره الآن. * إذن لماذا قبلت منصب وزير قوي عاملة بعد30 يونيو رغم رفضك لنفس المنصب عقب ثورة يناير ؟ ** لأن البلد كان في حالة ظرف استثنائي, وكان هناك انقسام كبير في المجتمع, بينما كانت هناك قوي أخري أسقطها الشعب تحاول أن تعود من جديد, لقد رفضت منصب الوزير بعد25 يناير, لأنه لم تكن هناك مقاومة تذكر لرجال مبارك ورموز عصره, كان الجميع قد فضل الاختباء, أما في30 يونيو فقد كان النظام يجلس في الشارع رافعا شعار يا نقتلكم يا نحكمكم, وكانت ميليشياته تمشي علي الأرض, وقد رفضت قبول الوزراة قائلا: إن النقابي لا يستوزر, ويسأل في ذلك الدكتور حازم الببلاوي, بل إنني قدمت له أسماء بديلة, ووضعت له عدة نقاط تشمل ما أري أن البلد يحتاجه علي محور العمل, منها الحد الأدني والأقصي للعاملين بأجر, وللمعاشات وطرق تشغيل المصانع المتوقفة كليا وجزئيا, وعودة العمال المفصولين و إصدار قانون الحريات النقابية, لكن الطريقة التي كلمني بها الببلاوي أشعرتني بأن التخلف عن القيام بهذه المهمة مثل الهروب من الميدان. لقد كان تولي المنصب الوزاري أصعب علي من الخروج في مظاهرة نتيجتها السجن أو القتل. * أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الإفراج عن مجموعة من الشباب في ذكري الثورة فكيف تري هذه الخطوة ؟ ** الإفراج عن المعتقلين السياسيين واجب, وكل من لم يستخدم العنف مكانه خارج السجون, لأنهم في النهاية سوف يشاركون في بناء البلد, ومن حق النظام الحالي أن يفعل بعض الأشياء التي تساهم في دعمه شعبيا, ومن بينها إطلاق سراح كل من سجن ظلما, وقد فعلها من قبل الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما تولي حكم البلاد. * كيف تري التزام مصر بالشرعية الدستورية عن الشرعية الثورية في محاكمة نظام مبارك ؟ **لدينا قوانين قائمة كانت تسمح بالمحاكمة الثورية لمبارك ورموز نظامه, منها قانون الغدر, وقد طالبنا أكثر من مرة في برلمان2012 بتطبيق قانون الغدر, لكن الأغلبية وقتها وكانت ممثلة في جماعة الإخوان رفضت تطبيق هذا القانون, وفي رأيي نحن بحاجة لمحاكمات ثورية وليست دستورية, مع احترامي الكامل للدستور, إذ كيف يعقل اختزال فساد40 سنة في قضية القصور الرئاسية, نحن لا نتحدث عن واحد خالف إشارة مرور, وإنما نتحدث عن دولة سرقت ونهبت خيراتها, وأصبحت تعيش علي دعم المستثمرين الأجانب. * ماذا يعمل أبو عيطة الآن ؟ ** تخلصت من كافة ارتباطاتي التنظيمية سياسية ونقابية, فأنا لست عضوا في حزب ولا جماعة, ولم أنضم إلي تحالف أو قائمة, ولن أخوض انتخابات البرلمان المقبل, وأعمل حاليا مستشارا لاتحاد الفلاحين. *ماذا تقول عن الاتهامات التي توجه دائما لثورة يناير علي أنها مؤامرة ؟ ** من يتهم ثورة يناير بأنها مؤامرة هو نفسه مؤامرة. * وهل ستشارك في النزول للميدان في ذكري25 يناير الرابعة ؟ ** لن أشارك في هذا الباطل, وأدعوا كل شريف في الوطن أن يحتفل بهذا اليوم في بيته, لأن النزول إلي الميدان في تلك الأجواء الملتهبة والملتبسة فتنة كبري فاحذروه.