لم يفعل الشاب المصري المتهم بالتجسس لصالح الموساد( طارق عبدالرازق) إلا أن كتب رسالة بالبريد الإلكتروني وأرسلها بضغطة زر إلي الموساد.. هكذا ألغت الإنترنت المسافات وطوت الجغرافيا كأن العالم أصبح غرفة واحدة يمكن لأي طرف أن يتبادل الرسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية علي الهواء مباشرة مع طرف آخر في آخر العالم.. وفي صدارة الشبكة الدولية يأتي موقع الفيس بوك الذي صممه شاب للتواصل مع صديقته, ولم يفكر أنه سيصبح الموقع الأكثر شهرة حتي إن الخبراء يقدرون مستخدميه في مصر بنحو ثلاثة ملايين.. ولكن الخبراء يحذرون الشبان والمراهقين وغيرهم بالطبع من أن يقعوا في مصيدة الفيس بوك والتي تشمل أعمال التحايل والنصب والابتزاز إضافة إلي أنشطة ذات طابع استخباراتي مغلف بكلام جميل عن تبادل الثقافات والمعلومات ودعوات الهجرة إلي بلدان ذات بريق أو إغراء لضعاف النفوس. وقد قامت الدكتورة داليا الشيمي أستاذة علم النفس بإجراء دراسة حديثة عن الفيس بوك علي عينة من207 شباب في المرحلة العمرية بين19 و34 رصدت وجود نسبة تزيد علي87% من الشباب يرسلون دعوات دينية لأصدقائهم لجمع توقيعات ضد الصفحات المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم وفي نفس الوقت فان64% من هؤلاء يضعون روابط لفيديوهات وأمور جنسية وصور مثيرة ومقاطع للرقص الشرقي, وأوضحت هذه النتائج ثقافة انعزال الشباب في المجتمع عن الأفكار والسلوكيات التي يدعون لها مؤكدة أن الخطورة تكمن في أننا نعلن أنفسنا ملائكة ومصلحين في نفس الوقت الذي نقوم بعكس ما ندعو اليه. ويري الدكتور إمام حسين أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن اتجاه3 ملايين شاب وطفل إلي استخدام الفيس بوك ظاهرة ايحابية ولكن تتخلله بعض الاستخدامات السلبية مثل تكوين جماعات غير مشروعة وبث دعاوي للتحريض من خلاله واستخدامه للتجسس علي أسرار الغير, بل ويعتبره البعض وسيلة حديثة لارتكاب الجرائم مثل جرائم غسيل الأموال والاتجار بالبشر ورغم هذه المساوئ إلا أن هناك استخدامات ايجابية فالبعض يستخدم هذا الموقع في الحصول علي ابحاث علمية أو وظائف وذلك من خلال التواصل مع اصحاب شركات خارج مصر أو داخلها. ويؤكد أن لجوء عدد كبير جدا من الشباب إلي استخدام هذا الموقع بشكل أصبح يمثل ظاهرة اجتماعية أمر يستحق الانتباه, نظرا لأن الشباب يعتبرون هذا الموقع العالم السري لهم يظن أنه لا يستطيع أحد الاطلاع عليه فيستطيع التواصل مع من يحب دون أن يعرف أحد من أسرته. ويضيف أن الشباب يعتبرون هذا الموقع عبارة عن فضاء واسع غير مرئي أو مخفي وهذا يدفعهم لاستخدام ذلك العالم السري بإفراط وهنا تكمن الخطورة وتجب توعية الشباب نحو خطورة هذه المواقع بالإضافة إلي إنشاء مؤسسات لتعليم كيفية التعامل مع مواقع الانترنت. علاقات اجتماعية ويقول المهندس محمود صبرة الباحث في مجال تكنولوجيا المعلومات.. إن الفيس بوك الموقع الأول تصنيفا بين المواقع المشابهة مثل Xonge,Hi.5Myspace وقد اسسه مارك زوكر برج أحد طلاب جامعة هارفارد الأمريكية عام2008 بغرض بناء شبكة علاقات اجتماعية لطلاب جامعة هارفارد ولكن فكرة مارك أصبحت ما هي عليه الآن في غضون أربع سنوات. ويصنف الفيس بوك كأحد المواقع الاجتماعية رفيعة المستوي وقد حازت مصر علي الترتيب الرابع لزوار هذا الموقع حيث يبلغ عدد زواره من مصر قرابة3 ملايين من أصل نحو15 مليون مستخدم للانترنت داخل مصر. وللفيس بوك اشكال في الاستخدام فهو يتيح بناء حسابات مجانية أو مجموعات وأيضا صفحات مدفوعة الأجر وتختلف هذه الأوجه فيما تقدمه من سقف للصدااقات والعضوية أو إمكانية للدعاية والإعلان. ومن أهم مميزات هذا الموقع أنه بوابة اجتماعية تعيد بناء علاقات الصداقة القديمة وتدعم بناء شبكات علاقات اجتماعية جديدة ولا يمكن أن نغفل انه بوابة لإبداء آراء شخصية غير محددة السقف ولا تخضع لتقنيات الفلترة أو الرقابة وله دور في مجال التسويق الالكتروني حتي انه يعتبر من أكبر منافسي جوجل ويوتيوب في هذا المنحي نظرا لسهولة استخدامه حتي بالنسبة لغير المحترف. لكنه سلاح ذو حدين حيث يعاب علي مستخدمي الموقع عدم الالتزام بحدود اللياقة في أوقات كثيرة خصوصا علي مستوي الفئات العمرية الصغيرة وسوء استخدامه في أعمال خارجة عن القانون أو حتي في بناء علاقات سلبية وقد يتعرض المستخدم إلي بعض أعمال التحايل أو النصب حتي في حالة عدم إدراكه للبيئة الافتراضية المتمثلة في فضاء الانترنت عموما, ورغم ذلك فلا يمكن الاستغناء عن أدوات التقنيات الحديثة في عصر العولمة الذي تضاءلت فيه المسافات والأزمنة إلي حدود الفمتوثانية. خدمات إلكترونية ويقول اللواء دكتور محمود الرشيدي مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة للتوثيق والمعلومات إن موقع الفيس بوك يتيح استخدامات يفترض أن تكون إيجابية حتي يتحقق التواصل الايجابي بين المترددين علي هذا الموقع في إطار تبادل المعرفة والمعلومات والثقافات والخبرات المختلفة. ويضيف ان المتابعة الأمنية تمكنت من رصد حالات كثيرة لمن يستخدمون الموقع كمصيدة الكترونية للشباب باستغلالهم في عمليات غير مشروعة والاحتيال عليه ثم ابتزازهم أو استهدافهم بتدمير وتخريب ثقافتهم الشرقية ومعتقداتهم الدينية لإحداث زعزعة وعدم استقرار في العلاقات الاجتماعية. ويقول إن كثيرا من أجهزة المخابرات تستخدم الفيس بوك في جمع معلومات عن البلاد والمجتمعات التي تستهدفها بنشاطها المخابراتي وذلك عن طريق الصداقات والعلاقات الالكترونية بين الشباب من الجنسين حيث يقدمون إغراءات معينة للشباب لخلق تواصل إلكتروني بينهم مثل المنح الدراسية وعروض الهجرة والزواج أو دعوات للزيارة أو منح الهدايا مقابل الحصول علي معلومات خاصة لا يدرك من يعطيها مدي أهميتها وخطورتها علي نفسه وعلي بلده. ويستشهد مدير الإدارة العامة للتوثيق والمعلومات بأن الإدارة تلقت بلاغا من شاب ارتاب في محاولة لاصطياده عندما تردد علي موقع الفيس بوك وتعرف علي فتاة وشاهدها من خلال كاميرا الكمبيوتر الخاص به وبعد فترة من التواصل الإلكتروني معها طلبت منه معلومات خاصة عن عمله وعدد العاملين والمواقع التي يعملون بها في البلاد ونوعيتها. ويؤكد أن للفيس بوك مساوئ كثيرة منها تخريب وتدمير العقول فهناك جماعات ذات أفكار هدامة لا تتفق مع تقاليدنا الشرقية والدينية تتخذ منه محطة إلكترونية لتجميع عناصرها وتبادل المعلومات بينهم والأحاديث من خلال غرف المحادثة ومن أهم الأمثلة علي ذلك جماعة تطلق علي نفسها اسم الإيموز وهي تتخذ من هذا الموقع وسيلة لاستقطاب عناصر جديدة وقد تلقيت بلاغا في الإدارة العامة للتوثيق والمعلومات من طبيب بتغيب ابنته وحدد في بلاغه أن عمرها14 عاما وأنه يفتقدها منذ3 أيام وأن آخر مشاهدة لها في المنزل كانت أثناء ترددها علي صفحة الفيس بوك. كما تلقي بلاغا آخر من مهندس عن اختفاء ابنته في نفس التوقيت وبنفس الملابسات ومن خلال الفحص الفني والتحريات تبين أن الطالبتين المتغيبتين في المرحلة الاعدادية ودائمتا استخدام هذا الموقع وبالتتبع الفني لاتصالاتهما علي الانترنت تبين أنهما علي اتصال بجماعة الإيموز وتتواعدان علي لقاءات أسبوعية بأحد المراكز التجارية الشهيرة بمدينة نصر وأثناء الفحص والتحري أفادنا الطبيب بعودة ابنته إلي المنزل وبمناقشتها قررت أنها تعرفت علي مجموعة من الشبان والفتيات في الفيس بوك يطلقون علي أنفسهم جماعة إيموز وقالت إنها اقتنعت بأفكارهم التي تنادي بالحرية المطلقة دون أي قيود وقالت انها قررت التخلص من القيود الأسرية التي تكبل حياتها مثل طاعة والديها في الأمور الانضباطية وقالت إن أصدقاءها في الجماعة أقنعوها بأن أموال والدها أموالها ومن حقها أن تأخذ منها كل ما تريد دون أن تخبره لأنها في حاجة للمال للإنفاق علي نفسها بحرية وحتي يمكنها أن تقضي معهم في المراكز التجارية التي يجتمعون فيها وقتا تنال فيه حظها من الترفيه, وقد سرقت5 آلاف جنيه من والدها وذهبت إلي أصدقائها وبعد أن قضت معهم وقتا كل ما فيه مباح بحرية وبلا قيود أقنعوها بعدم العودة إلي المنزل حتي لا تتعرض للعقاب من والدها.. وقالت إنها سافرت مع أحدهم إلي الاسكندرية ومكثت معه المدة التي تغيبت فيها عن البيت وبعد أن نفد المبلغ لم تجد مفرا من العودة. ويضيف اللواء الرشيدي إن هناك متطرفين يستخدمون الفيس بوك في تدريب المخربين علي كيفية صناعة المتفجرات والشراك الخداعية وينصح مستخدمي الموقع بأهمية استخدام برامج الحماية وأن يكون للآباء دور أكثر فاعلية في متابعة أولادهم والتواصل معهم اجتماعيا ونفسيا بدلا من أن ينفصلوا عنهم شعوريا رغم أنهم يعيشون معهم في مكان واحد. ويقول الدكتور محمد سالم رئيس معهد تكنولوجيا المعلومات إن الفيس بوك لا يتناسب مع عاداتنا الشرقية وتقاليدنا المصرية فالهدف من انشائه هو التواصل الاجتماعي بين المجموعات وهذا من إيجابيات الاستخدام ولكن هناك استخدامات سلبية يقع فيها الشباب لا تتناسب مع مجتمعاتنا فمجرد دخولك علي الموقع تجد نفسك أنت ومعلوماتك الشخصية وصورك وكل ما يتعلق بك مكشوفا للآخرين علي الهواء وهذا يجعلك لو لم تتخذ احتياطاتك وكأنك عار في مكان مكشوف ملتقي الشباب الأول ويقول الدكتور محسن رشوان أستاذ الالكترونيات والاتصالات بكلية الهندسة جامعة القاهرة إن من المميزات التي تشد انتباه الشباب إلي الفيس بوك انك في لحظة تكون مع الآخرين علي اتصال مباشر ولذلك أصبح هذا الموقع ملتقي الشباب الأول هذه الأيام خاصة أن الايميل العادي جامد ليس فيه عنصر المشاركة ولا يستهلك الوقت مثل الفيس بوك الذي يتيح لك تبادل المعلومات ووجهات النظر مع أصدقاء كثيرين منهم من كنت تعرفهم في الماضي وانقطعت الصلات بهم وأتاح الفيس بوك اتصالك بهم مرة أخري ومنهم من تعرفت عليه حديثا واعتقد أن هذا من الايجابيات الخطيرة لهذا الموقع ولكن يجب علي الآباء متابعة أبنائهم في سن المراهقة حتي لا يقعوا ضحايا لمن يسيئون استغلال هذه المواقع. ويقول خالد أبو عقرب( محاسب) انه أحد محترفي الفيس بوك لأنه موقع اجتماعي يستخدمه معظم شباب العالم ومن خلاله يتواصل مع كل الثقافات المختلفة علي مستوي العالم كما أنه يتخطي به كل الحواجز الزمنية والمكانية ويحصل علي معلومات وصور وتعلم أشياء جديدة. ولكنه يعترف بأن من مساوئ الفيس بوك انه جعله يدمن الدخول عليه مما يستهلك وقتا كبيرا وأن كثيرا من الشباب يقضون فيه أكثر من20 ساعة في اليوم وقال انه قرأ يوما عن إنشاء مصحات نفسية في الصين وأمريكا لمعالجة الشباب من إدمان المواقع الإلكترونية بالشكل الذي يعود عليهم بالضرر الاجتماعي والصحي مثل أمراض انحناء العمود الفقري أو الاكتئاب أو القلق. تسويق إلكتروني ويقول ثابت مغازي مدير تسويق بإحدي الشركات إن الفيس بوك أفاده كثيرا فهو يستخدمه في تسويق بعض السلع ويتعرف علي الجديد في عالم التسويق وإن مردود هذه التعاملات الإلكترونية سريع وفعال ومربح أيضا كما استطاع تسويق سلع وتصديرها إلي هولندا وتركيا واليونان وألمانيا وعدة دول أخري من خلال تواصله مع مرتادي الفيس بوك. أما عمر محمد طالب بكلية الآداب جامعة القاهرة فيري أن الانترنت عموما له سلبيات مثل استغلاله في ارتكاب جرائم وسلوكيات تتناقض مع عاداتنا وتقاليدنا كابتزاز بعض الفتيات والتشهير بهن أو الإيقاع بالضحايا من الشباب عموما في شراك خداعية والنصب عليهم ولكن لا يعني هذا عدم جدوي الفيس بوك لأنه أصبح واقعا مثل أي شيء في الحياة يمكن استغلاله فيما يفيد وفيما يضر أيضا.