أصدرت مكتبة الإسكندرية طبعة جديدة من كتاب مشكلات الحضارة وشروط النهضة للمفكر الإسلامي الكبير مالك بن نبي, وذلك في إطار مشروع إعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/التاسع عشر والعشرين الميلاديين. المشروع- الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية- نبعت فكرته من الرؤية التي تتبناها المكتبة بشأن ضرورة المحافظة علي التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة, والمساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيدا لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري, وذلك كما أوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين في تقديمه لسلسلة إصدارات المشروع. ويضيف سراج الدين لقد وجدنا أن من أوجب مهماتنا ومن أولي مسئولياتنا في مكتبة الإسكندرية أن نسهم في توعية الأجيال الجديدة من الشباب في مصر, وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية, وغيرهم من الشباب المسلم في البلاد غير الإسلامية بالعطاء الحضاري للعلماء المسلمين في العصر الحديث, خلال القرنين المشار إليهما علي وجه التحديد. ويعد اختيار القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/التاسع عشر والعشرين الميلاديين علي وجه الخصوص رغبة من المكتبة في تصحيح الانطباع السائد بأن الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة, ولم تتجاوزها. وحيث الحقائق الموثقة تشير إلي غير ذلك, وتؤكد أن عطاء المفكرين المسلمين في الفكر النهضوي التنويري إنما هو تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة, بما في ذلك الحقبة الحديثة والمعاصرة التي تشمل القرنين الأخيرين. مالك بن نبي هو أحد أنبغ المفكرين العرب والمسلمين, ولد عام1905 في مدينة قسنطينة شرق الجزائر, واجه في طفولته ظروفا صعبة للغاية, منها ضعف بصره الذي عاني بسببه طوال فترة تعليمه في المدرسة, سافر إلي فرنسا في تجربة غير موفقة بمجرد حصوله علي شهادة الثانوية العامة, فعاد واشتغل متطوعا في المحكمة الشرعية, وبعد أربع سنوات عاد إلي فرنسا لاستكمال دراسته, وتخرج مهندسا كهربائيا من معهد البوليتيكنيك عام1935 وفشل في الحصول علي عمل ملائم في فرنسا فتوجه إلي مصر. كان هاجس الدراسة الأزهرية يسكن مالك بن نبي, وقد تعمق فيها, وكانت البداية في ذلك عند استقباله في باريس وفدا من علماء الأزهر جاء إلي جامعة السوربون لإعداد شهادات الدكتوراه, وكان من بينهم الشيخ محمد عبدالله دراز. وكان مالك بن نبي يطلع من خلالهم علي أحوال الشرق الفكرية والسياسية, كما كان يعلمهم الفرنسية. ويعتبر مالك بن نبي نفسه أحد أعضاء حركة الإصلاح, وكان أيضا قريبا جدا من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان يرأسها الإمام عبدالحميد بن باديس رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر. يلخص كتاب شروط النهضة المشروع الفكري لمالك بن نبي, هذا المشروع الذي ينظر إلي ظاهرة الاستعمار كمعوق للنهضة من منطلق ذاتي شجاع يحمل النفس مسئوليتها, فيقول مالك لكي لا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار, إذ يؤمن بأن تصحيح الذات وبناءها هو المدخل الرئيسي لأي نهضة. ويشير في مقدمة كتابه إلي محورية الفكرة الدينية في صناعة التاريخ وفي التغيير الاجتماعي حيث يتضح لقارئ الكتاب أن مالك بن نبي يبدو فيه كعالم اجتماع متملكا لأدوات التحليل الاجتماعي, وعلي دراية واسعة بتفاصيل العلاقات الاجتماعية والمعرفة التاريخية في جزئياتها وكلياتها. قسم مالك بن نبي كتابه إلي بابين رئيسيين: الباب الأول بعنوان الحاضر والتاريخ, والثاني بعنوان المستقبل, واستهل الباب الأول بأنشودة رمزية عبارة عن رسالة إلي صديق يؤكد فيها أن طريق النهضة يكون بانتصار الأفكار والتحرر من مشاكل التخلف والجهل. وفي الباب الثاني من الكتاب يرسم مالك بن نبي طريقا للمستقبل, وتصحيح المسار من أجل النهضة واليقظة والإصلاح. ويذكر أن مصطلح الحضارة هو أكثر المفاهيم رواجا في مشروع مالك بن نبي حتي أصبح يعرف به من دون غيره من المفاهيم المتداولة في ذلك الوقت. حيث اهتم مالك بالحضارة ومشكلاتها, إذ يري أن تقدم أي مجتمع مرتبط بفهم العوامل التي تبني الحضارة أو التي تهدمها.