وضع مواطنو سوهاج المهندس إبراهيم محلب خلال الزيارة التي قام بها للمحافظة أمس, في اختبار صعب, يفرض العديد من علامات الاستفهام علي الصورة التي تتعامل بها الحكومة الحالية كمثيلاتها من الحكومات السابقة فيما يتعلق بتنمية الصعيد, والعمل علي حل مشاكله تنفيذا للخطط التي قيل إن الدولة وضعتها لإخراج الوجه القبلي من عزلة الخدمات والمرافق التي أجبرتها عليها ظروف متتالية تحالفت فيها رواسب الفساد القديمة مع الوجه القبيح للعب السياسي غير النظيف. فبينما كان رئيس الوزراء يترك جولته بسوهاج تتخذ ملامحها من إجراءات التأمين غير المسبوقة, وإغلاق شوارع, ومنع المارة من دخول أخري, وقصر اللقاء علي فئات محددة, كان المواطن البسيط يتخذ قراره بعدم الخضوع لبلاتوه استمرار تهميش الصعايدة والإبقاء عليهم في تلك العزلة. خرج مواطن ليقول لرئيس الوزراء: إحنا ما شفناش رغيف العيش إلا النهاردة في إشارة إلي أن أصحاب المخابز وأبعديات التحكم في أقوات الشعب في عكس الاتجاه الذي تظهره جولات رئيس الحكومة ومعالي وزير التموين الدكتور خالد حنفي, ودونما تنسيق كان صوت خمسيني يعبر من خلف ملامح تظهر وجها عجز عن التعايش مع المتاعب, ولكنه لم يفقد الأمل فرفع أصبعه في وجه رئيس الحكومة: لا بنزين ولا كهرباء ولا تشغيل ولا خدمات وبردو مصرين علي أنكم بتعملوا تنمية للصعيد طيب إزاي. هذان الصوتان وصلا إلي رئيس الوزراء دونما الحاجة إلي قلم وورقة لا لون لها يمكن أن تكون إحدي شكاوي الفلاح الفصيح, ولا حتي المشاركة في المذكرة التي استقبل بها عدد من المواطنين رئيس الوزراء وتضمنت المطالبة بإقالة المحافظ اللواء محمود عتيق الذي لا يختلف كثيرا عن باقي محافظي محافظات الصعيد من الفيوم وحتي أسوان, ودون هذين الصوتين كان آلاف المواطنين يتعاملون مع محلب وسط الصعايدة كتعاملهم معه علي شاشة التليفزيون ووراء ميكروفون الأحلام التي لا تتحقق في الصعيد. من بين تلك الأحلام حينما حاول رئيس الحكومة أن يبدي غضبه من توقف الجمعية الزراعية في قرية ميت خلاف وكأنه لا يعلم أن تلك الجمعيات قد ماتت إكلينيكيا إثر تعرضها لفشل تعاوني مزمن جراء توالي مجالس إدارات وأمناء ومهندسين زراعيين لا يعرفون إلا الاتجار في السوق السوداء للأسمدة والتحكم في الحصص حسب العائلات والقبليات وليس وفق المساحة والحيازة الزراعية, رغم تلقيه تقريرا من وزير الزراعة بتراجع دور تلك الجمعيات, وبعد أن لاحظ رئيس الوزراء أن ذلك الأمر لم يحرك ساكنا لدي المواطنين, عاد إلي الطريقة الحكومية المجربة سلفا والمتوقعة خلفا كلف الوزراء المرافقين له في زيارته لسوهاج والتي تغير مضمونها وبرنامجها بفعل غضب المواطنين وملاحظاتهم وهم الدكتورة ليلي راشد إسكندر وزيرة التطوير الحضري, والدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان, والدكتور عادل عدوي وزير الصحة, والدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي, والمهندس هاني ضاحي وزير النقل, بتفقد المشروعات الخدمية الخاصة بكل وزارة بالمحافظة, وكأن هؤلاء لا يدركون أن هناك محافظات في مصر بعد الجيزة وأهراماتها. ولم يكن كلام رئيس الوزراء للمواطنين في حي الكوثر ليختلف عن كلامه في ميت خلاف ولا قرية السماكين ولا غيرها من القري الأكثر احتياجا إلي ما سبق وأعلنه مجلس الوزراء وكرره في زيارته أمس, وخاصة, اهتمام الدولة بمحافظات الصعيد وتعويض ابنائها الذين تعرضوا لنصيب من الاهمال والتهميش وانه ان الاوان ان يأخذوا حظهم من التنمية وتحويل محافظاتهم الطاردة الي محافظات جاذبة بتنفيذ برامج وخطط تنمية شاملة واعطاء دفعة للمشروعات التنموية والخدمية ومعالجة السلبيات القديمة والاهتمام بالاستثمار والمناطق الصناعية لتوفير المزيد من فرص العمل. وزاد الوزير في جرعة المخدر في مواجهة سنوات طوال من الإهمال الحكومي للصعيد فلجأ إلي الاسطوانة المشروخة التي لم يكل أو يمل مسئول مصري سابق عن ترديدها وهي ارادة سياسية حقيقية لتنمية الصعيد وحينما بحث رئيس الوزراء عن أي شئ يحلل به تلك الإرادة أخذ ينظر حوله ويفتش في أوراقه وذاكرته فلم يجد سوي أن تقسيم المحافظات إنما استهدف مصلحة الصعيد. والذي كان الصعايدة ينتظرونه من رئيس الوزراء بدلا من الافتتاحات الديكورية أن يقدم المهندس ابراهيم محلب برنامجا تنفيذيا لمشروع تنمية المثلث الذهبي بصعيد مصر( سفاجا/ القصير/ قنا), والذي تبلغ مساحته6000 كيلومتر مربع, ويعلق كثير من الخبراء عليه الآمال في تنمية الصعيد من خلال انشاء مناطق صناعية ومحجرية وزراعية وسياحية وتجارية, ويقدم لهم مبررا لعدم عرض تصوره حتي الآن علي بيوت الخبرة العالمية, أو تقديم حزمة من المشاريع الجديدة التي يمكن أن تضخ فرصا للتشغيل توقف هجرة الشتاء والصيف من محافظات الصعيد التي باتت الأكثر احتياجا لمن يصدق القول في نموها المستدام وتنميتها الحقيقية. وببرنامج المهندس إبراهيم محلب أمس في زيارته لسوهاج, استمر التعامل الحكومي مع أمراض الصعيد المزمنة بلا أمل حقيقي في الشفاء, إذ استمر بالمسكنات ونفس وطريقة التخدير ذاتها ودون خشية لمضاعفات المرض أو الإدمان أو الإهمال, لأنها بدت كزيارة شبيهة لزيارات رؤساء الوزراء السابقين لمحافظات الصعيد قبيل الانتخابات, وهو ما فتح شهية المهندس إبراهيم محلب إلي التحدث مع الصعايدة عن قانون تقسيم الدوائر وصلاحيات المحافظين وأشياء أخري لا يهتم بها أبناء الصعيد.