جولة بالأقدام فى شارع الصحافة ستشاهد سيارات النقل العملاقة المحملة بورق الطباعة وبقايا من ورق "دشت" على الأرض، وعلى الجانب الأيسر من الشارع بيوت قديمة تشعر أن شرفاتها توشك على الانتحار وقد سبقتها شرفات ومنازل أخرى لترى أطلال بيوت وأكوام من مخلفات المباني. وجوه بشر أرهقها الفقر. أطفال يلهون وسط أكواما من الخردة التى تشتهر المنطقة بالاتجار فيها. وأطفال اختاروا اللعب بأوراق نقدية فئة العشرة والخمسة جنيهات وهى أوراق مطبوعة للعب ومنتشرة وغالبا ما تنتهى اللعبة بمشاجرة وهى لعبة تكرس قيم سلبية، ولكن طبيعة المكان لا يمنح الأطفال فرصا أخرى للعب. منطقة شارع الصحافة بما تحمله من مشكلات تحمل سؤالا حول مسئولية الصحافة ودورها تجاه المجتمع؟ فهذا الشارع يمر به يوميا آلاف الصحفيين ومع ذلك مشكلاته وهموم ناسه ليست مطروحة على صفحات الصحف. ولم تبادر أى من المؤسستين بوضع مبادرة للنهوض بالشارع الذى يمثل "صرة" وسط البلد. مبادرة تنطلق من الناس باستطلاع رأيهم فى أهم المشكلات وكيف يمكن مواجهتها؟ مبادرة تؤمن بحق كل إنسان فى حياة كريمة وآمنة. عندما قرر مصطفى وعلى أمين نقل مقر "أخبار اليوم"من شارع قصر النيل إلى مكانها الحالى 11 نوفمبر 1945 لم يكن اسمه شارع الصحافة كان طريقا مهملا تطل على جانبيه الخرائب والعشش وصناديق القمامة. ولم يكن هناك شارع الجلاء، وإنما شارع ضيق يسير فيه خط سكة حديد. وكان شارع فؤاد - 26 يوليو الآن - به مزلقان - وكان اختيار المكان مثار استغراب واستنكار، لماذا اختار التوأم على ومصطفى أمين هذه الجيرة المعدمة؟ وكان الرد هو سعر الأرض الأرخص وقتها والآن هى الأعلى سعرا. إضافة إلى "التحدى" لدور الصحافة فى تحويل القبح إلى جمال، وبالفعل قادت أخبار اليوم حملة لرفع تلال القمامة وهدم البيوت المتهالكة وإقامة عمارات ورصف الشارع، وتقدم مصطفى أمين بطلب لتغير اسم الشارع من شارع "وأبور النور" إلى شارع الصحافة إلى وزير الأشغال العامة وكان وقتها عبدالمجيد صالح ووافق الوزير وكان ذلك ميلاد لشارع الصحافة. وكانت مقولة مصطفى أمين التى يجب أن تكون دستور عمل للصحفيين "إن الصحفى يستطيع أن يحول قلمه إلى مكنسة تنظف الحى. وإلى نور يضئ الشوارع المظلمة. وإلى "دى دى تي" يقضى على الحشرات. والى مواسير تسير فيها المياه والمجارى". التحدى الذى يواجه الصحافة الآن هو تحويل مساحات القبح الذى يخنقنا إلى مساحات جمال نتنفسه.