لله الرحمن الرحيم الحكمة من عدم عصمة العلماء وجهل الأتباع وبعد أربع مقالات سابقة في هذا الموضوع وفي ختامه يجب علينا جميعا أن نعلم أن مجرد الظن بعصمة أي عالم هو ضرب من ضروب الجنون بل إنه أمر يعد نقصا في الدين لأن البشر بعد الأنبياء لا عصمة لهم مهما تكن منزلتهم ومهما يكن قدرهم فهم بشر يعتريهم الخطأ والنسيان وإن من أعظم مصائب المسلم أن يكون له عالم لا يستمع إلا له أو تكون له جماعة لا يؤمن إلا بفكرهم ولا يعيش إلا بنهجها ويظن أن هذا الدين والدين منه براء وليعلم الناس جميعا أن الإسلام ليس دين العالم الواحد أو الجماعة الواحدة أو الفكر بل هو دين يتباري فيه العلماء بالبحث والدراسة وعلي كل مسلم أن يأخذ من كل عالم بما فيه يسر له ومحبة وازدهار لمجتمعه الذي يعيش فيه.. وعلي الناس أن تعلم أن كلام العالم مهما تكن منزلته ليس قرآنا منزلا من عند الله عز وجل بل هو رأي يحتمل الصواب والخطأ فالقاعدة أن الكل من العلماء يؤخذ منه ويرد عليه عدا النبي صلي الله عليه وسلم فيؤخذ منه ولا يرد عليه ومن الثابت أن كبار الصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يعلمون كل شرع الله عز وجل رغم طول ملازمتهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم ومن ذلك: أن الجدة جاءت إلي الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء, ولا أعلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قضي لك بشيء, ثم سأل رضي الله عنه الصحابة فشهد عنده بعضهم بأن النبي صلي الله عليه وسلم أعطي الجدة السدس فقضي لها بذلك. وفي الاستئذان كان عمر رضي الله عنه لا يعلم الحكم فيمن استأذن ثلاثا فلم يجبه صاحب البيت حتي أخبره أبو موسي الأشعري وغيره من الصحابة بأن ذلك ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم: ومن هنا كان منهج الصديق رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله, إن وجد فيه ما يقضي بينهم قضي به, وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله في ذلك الأمر سنة قضي به, فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قضي في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم, فإذا اجتمع رأيهم علي أمر قضي به فهاهو الصديق رضي الله عنه كان يسأل غيره من الصحابة في أمور الدين ولا ينفرد برأيه وهو من هو منزلة وعلما وقدرا والغريب في الأمر أننا أصبحنا نعيش في زمن يظن بعض جهال العلماء أن الحق فيما يقولون وأن الإيمان فيما يفعلون وأن غيرهم من الناس والعلماء إما كافر فيما يقولون وأن الإيمان فيما يفعلون وأن غيرهم من الناس والعلماء إما كافر أو فاسق والأكثر غرابة أن أتباعهم من الجهال آمنوا بذلك ومن هنا خاطب الله عز وجل هؤلاء الجهال وأتباعهم في القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالي في سورة الكهف:( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا(103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(104) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا(105) وقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم أن ينفرد الناس برأي عالم في كل أمر لأن العالم قد زل فيما يقول ومن ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم:( اتقوا زلة العالم, وانتظروا فيئته) ولذا قال عمر بن الخطاب فيما رواه زياد بن حدير قال: قال عمر بن الخطاب ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم, وجدال منافق بالقرآن, وأئمة مضلون. ولذا قال سعيد بن المسيب رحمه الله: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب, وقال غيره: ولا يسلم العالم من الخطأ, وقد شبه العلماء زلة العالم بانكسار السفينة, لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير, وقد قيل قديما: إذا زل العالم, زل العالم وقد وردت آثار كثيرة تحذر من زلة العالم وتبين خطورتها, فمن ذلك: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ويل للأتباع من عثرات العالم, قيل: وكيف ذاك؟ قال: يقول العالم برأيه, فيبلغه الشيء عن النبي خلافه, فيرجع ويمضي الأتباع بما سمعوا وختاما ليس أمامي إلا أن احتسب الله عز وجل في علماء تلك الجماعات وأشباههم الذين انفردوا بآرائهم وفرقوا الناس والمجتمع إلي جماعات وفرق وظنوا ضلالا وإضلالا أن الحق معهم ومن تبعهم وأن الكفر والفسوق لكل من خالفهم فلله أشكوهم والحمد له رب العالمين.