ظلت نظرة الحكومات المتعاقبة طيلة العقود الخمسة الماضية للموارد البشرية المصرية نظرة سلبية تقوم علي اعتبار هذه الموارد أزمة وليست ثروة, والفشل في استثمار طاقات المصريين وتوجيهها نحو مشروعات قومية وصياغة إطار مجتمعي يقوم علي سياسات تعليم وتوظيف رشيدة, وركنت هذه الحكومات إلي التركيز علي الزيادة السكانية وخطورة الانفجار السكاني وروج لذلك أبواق إعلامية هوجاء, ولعل إطلاق مشروع قناة السويس بقناته الجديدة وتنمية الإقليم يمثل بداية لتغيير نظرة الدولة وسياساتها نحو الموارد البشرية المصرية والتوجه نحو تحويلها إلي ثروة حقيقية وتوظيف قدراتها في مشروعات قومية تحقق تغييرا جوهريا في حاضر مصر ونقلة نوعية عصرية لمستقبل مصري مشرق. يحتاج مشروع تنمية إقليم قناة السويس لجميع التخصصات والمهن الفنية والإدارية والخبرات التسويقية والمحللين الاقتصاديين والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات وخبراء الخدمات اللوجستية والخبرات المصرفية والباحثين والعمالة المعاونة وأصحاب الأعمال الحرفية, وهذه المهن والمهارات سوف تجد فرصا للعمل في مشروعات تجميع السيارات ومجمعات البتروكيمياويات وخدمات السفن والأعمال اللوجستية المرتبطة بها من خدمات المطاعم والفنادق والنقل والتأمين والترفيه والتي تمتص مئات الألوف من العاطلين وفائض الخريجين وبالتالي تخفيض معدلات البطالة التي تصل الي14% طيقا لتقدير الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في مارس2014, بينما يقدر الخبراء معدل البطالة ب25% وتزيد النسبة بين المتعلمين ويعتبر مشروع تنمية إقليم قناة السويس فرصة لتخفيض بطالة المتعلمين التي وصلت الي40%. ويمكن تحويل إقليم قناة السويس إلي أكبر مركز تدريب وتأهيل القوي العاملة المصرية الذي يغطي احتياجات القطاعات الإنتاجية والخدمية في مصر, وهذا يحتاج تضافر الوزارات والأجهزة الحكومية وأهمها وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والقوي العاملة والإنتاج الحربي والصناعة والتجارة ومراكز إعداد القادة, ويمكن انتهاز فرصة البدء في تنفيذ مشروع قناة السويس كخطوة لتجميع طاقات الموارد الشبرية واستثمار قدراتها في مشروع تنموي يمتد علي مسافة176 كيلومترا ويستهدف إقامة إقليم متكامل اقتصاديا وعمرانيا ومكانيا ولوجستيا, ما بين ميناء شرق التفريعة في الشمال, وميناءي العين السخنة والسويس في الجنوب, ليمثل مركزا عالميا في الخدمات اللوجيستية والصناعة. ونستطيع أن نقرر أن مشروع تنمية إقليم قناة السويس سيعمل علي الاستخدام الأمثل للموارد البشرية المصرية وزيادة قيمتها المضافة للاقتصاد المصري من خلال مايلي: -تحديث القدرات المهنية للقوي العاملة المصرية باكتساب تقنيات ومهارات جديدة من خبرات المؤسسات العالمية -زيادة نسبة المساهمة في قوة العمل من49% إلي60% - تخفيض حجم البطالة وخاصة بين المتعلمين إلي أقل من10% - زيادة متوسط انتاجية الفرد في مصر والخلاصة أن هناك فرصة تاريخية لتعظيم عوائد الموارد البشرية كثروة, وهذا يستلزم تطوير وتحديث التعليم وذلك بالتركيز علي إكساب الطلاب المعارف والمهارات العصرية وإصلاح التشوهات في البرامج والمقررات وتحديث أساليب التدريس ومصادر التعليم والتعلم, وإعداد المعلم ليكون ميسرا وليس ملقنا للمعارف, كما يلزم علاج تشوهات سوق العمل وهيكل الأجور في مصر كي يستوعب سوق العمل المصري عدد الخريجين السنوي بما يحقق معدل نمو اقتصاديا لا يقل عن7% سنويا, في حين أن المعدل الحالي لا يزيد علي3%, وبالتالي فلا يستوعب سوق العمل أكثر من300 ألف فرصة عمل سنوية, وهكذا فإن إصلاح التعليم وسوق العمل متطلبان سابقان من أجل تحويل الموارد البشرية من أزمة إلي ثروة, واستغلال الزخم الشعبي والالتفاف الوطني حول المشروعات القومية وأهمها مشروع قناة السويس, وحينئذ ستكون الزيادة الإنتاجية أهم من الزيادة الإنجابية, ولنأخذ من تجربة الصين درسا حيث حولت آلاف المريين من السكان الي منتجين ومصدرين, بل إن الصين تستخدم المساجين في مشروعات إنتاجية حتي خارج حدودها بما يدر نقدا أجنبيا ويرتقي بمستوي معيشة أهل السجين ويحوله من إنسان عالة إلي منتج, وختاما أكرر نحن نحتاج استثمار مواردنا البشرية الغنية وتحرير طاقاتها ومضاعفة الناتج القومي الإجمالي وعندئذ سيكون اثر الزيادة الإنجابية محدودا, وتحيا مصر.