الذوق إحساس واعتياد.. والجمال هو الأساس لتكوين الذوق الخاص والعام.. فإذا غاب الجمال وشاع القبح وأصبح الشارع معرضا مفتوحا له.. يراه العابر ليل نهار انتقل ما هو مادي الي معنوي ففسدت بدورها الطبائع والأخلاق.. فرؤية تلال الزبالة مثلا كل يوم تسد الشوارع وتشوه الأمكنة اعتادت العين عليها وأصبح القبح مقبولا.. وقس علي ذلك تكدس الناس في الميكروباصات ومحطاتها العشوائية وصولا الي ذلك العنكبوت الذي يتخبط عشوائيا في الطرقات حاملا اسم التوك توك. الشارع يا سادة المفروض أنه معرض تشكيلي مفتوح مجانا.. بمناظره وأزيائه وتنسيق منازله ومحلاته وبناياته وأرصفته.. فإذا كان الشارع قد تشوه فلا يجب أن يمتد هذا التشويه الي جدران المدارس الحكومية حيث تشخبط أيادي التلاميذ وغير الدارسين علي السور الخارجي لجدرانها تحت اسم تجميل الأسوار فهل ما يحدث تجميل فعلي؟ الحقيقة.. أنني لاحظت غير ذلك تماما.. فأنا أسكن في شارع رئيسي بحي العجوزة.. وهذا الشارع الممتد مع تقاطعاته يشمل ست مدارس حكومية للبنين والبنات في مراحل الإعدادي والثانوي.. وكل أسوار تلك المدارس عليها رسومات المفروض أنها جمالية تشكيلية لكن الحقيقة أنها ليست كذلك وانما هي لمجرد ملء مساحات فارغة.. هذا أولا.. وثانيا كل تلك الرسومات تخلو من الوجوه البشرية.. فهي لأشجار أو أزهار أو بيوت..الخ, أي لأشياء جامدة وإن كانت لذلك دلالة فهي أن السلفيين ربما من مدرسي اللغة العربية قد أبدوا ملاحظاتهم ومنعوا رسم الوجوه بعدا عن الشبهات, وخوفا من التشبه بالأصنام! وثالثا وهذا هو المهم.. إن لكل علم متخصصين ولكل فن العارفين به.. وفي مصر المئات بل الآلاف من الفنانين التشكيليين الدارسين الذين سيلبون النداء إن طلب منهم تجميل أسوار المدارس.. علي الأقل سيري العابرون في الشارع فنا حقيقيا جميلا.. يهذب من ذوقهم.. ويعودهم علي رؤية والاستمتاع بالجمال.وأخيرا فليس من حق أي أحد.. لا مديري المدارس ولا غيرهم فرض تلك الرسومات علي جدران المدارس علي عيون العابرين.. فحريتهم في رسم الجدران من الداخل فقط.. أما من الخارج فليس هذا من حقهم.. ولا من مجال حريتهم. * في اعتقادي أن السبب الرئيسي في تغير طباع الناس وأخلاقياتهم في مصر.. هو انتشار القبح في الشارع.. وغياب الجمال.. فكما قلت إن ما هو مادي يتحول بالاعتياد الي معنوي.. ثم يترسخ بعد ذلك ليستقر في صميم الطباع والأخلاق.. فهل تكون للجمال عودة؟! [email protected]