نائب محافظ الأقصر يشهد الاحتفال باليوم العالمي لذوي الهمم (صور)    الإدارية العليا تحدد مصير 48 طعنا على نتيجة 30 دائرة ملغاة بالنواب غدا    مدبولي ل ياسمين فؤاد: وجود سيدة مصرية في منصب أممي رفيع يعكس كفاءة الكوادر الوطنية    «مدبولي» يشهد توقيع 3 مشروعات صناعية بقناة السويس قيمتها 1.15 مليار دولار    البورصة المصرية تربح 16.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 23 ديسمبر 2025    محافظة سوهاج: إزالة 3 حالات بناء مخالف بقرى البلينا    رئيس الوزراء يستقبل الدكتورة ياسمين فؤاد الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    الترتيب لزيارة أردوغان إلى مصر، تفاصيل اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره التركي    الهلال الأحمر: توزيع أكثر من 7.8 مليون سلة غذائية لغزة بقافلة «زاد العزة»    اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعلن استعدادها لدعم عملية إطلاق سراح المحتجزين في اليمن    انطلاق مباراة سيراميكا وأبو قير في كأس مصر    كأس الأمم الأفريقية| انطلاق مباراة الكونغو الديمقراطية وبنين    فيديو| لحظة إنقاذ 4 مصابين في انهيار عقار سكني بإمبابة    ننشر جداول امتحانات الصفوف الإبتدائية وأولى وثانية إعدادى في مدارس الأقصر    خدعه بالمال وأنهى حياته.. تأجيل محاكمة قاتل صديقه طعنًا بشبرا الخيمة    ضبط المتهم بإصابة شقيقه بطلق نارى فى قنا    نقابة السينمائيين تنعى الماكيير محمد عبدالحميد    "السينما ضد التاريخ.. أم كلثوم في مواجهة السرد الزائف" بالعدد الجديد من مصر المحروسة    محمد منير بخير.. مصادر مقربة تكشف حقيقة شائعة تعرضه لوعكة صحية    لافروف: فوز المدير الجديد لليونسكو العنانى بمنصب المدير العام مؤشر مشجع    20 صورة ل كريم محمود عبد العزيز ودينا الشربيني من عرض فيلم "طلقني"    محمد سلماوى: باكثير كان أديبًا صاحب رسالة وتميّز بجرأة فكرية نادرة    وزارة الصحة تشارك في فعاليات جمعية شريان العطاء لتعزيز ثقافة التبرع بالدم    محافظ بنى سويف يفتتح قسم العلاج الطبيعي بوحدة طب الأسرة بقرية ميانة    إتاحة خدمة التصديق على المستندات عبر مكاتب البريد بمحافظة أسوان    لاعب نيجيريا: صلاح أسطورة ليفربول.. وأحترم ما قاله في أزمته الأخيرة    مدرب الجزائر: ما حدث سابقا ليس مهما.. ونثق في الفوز ضد السودان    عرض عسكري شعبي احتفالًا بعيد النصر في بورسعيد    وزير الأوقاف: مشاهدات دولة التلاوة تجاوزت المليار مشاهدة على الصفحات الرسمية للوزارة    الخميس.. أبطال وصُناع «ميد تيرم» ضيوف منى الشاذلي على قناة ON    أمم إفريقيا – مؤتمر لاعب السودان: الوضع كارثي في البلاد.. وسنقدم الأفضل لشعبنا الصامد    وزيرا التعليم العالي والتنمية المحلية يشهدان احتفالية انضمام 3 مدن مصرية إلى اليونسكو    فاضل 57 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يُحدد فلكيًا    الأرصاد تحذر من انخفاض الحرارة.. وهذه المنطقة الأكثر برودة فى مصر    مدبولي يفتتح تشغيل محطة مياه الشرب بأرض المشتل بالصف ضمن مشروعات "حياة كريمة"    لو لقيت فلوس في الشارع تعمل إيه؟.. أمين الفتوى يُجيب    أمريكا ترفع مكافأة الترحيل الذاتي للمهاجرين إلى 3 آلاف دولار    قرار عاجل من النيابة الإدارية ضد قيادات مدرسة لذوي الإعاقة بسبب واقعة هتك طالبين جسد تلميذة    رئيس الوزراء يجرى حوارا مع المواطنين بمركز طب الأسرة فى قرية الفهميين    وزير الكهرباء يلتقي مع رئيس "نورينكو" لبحث التعاون المشترك في مجالات الاستكشاف والتعدين    ارتفاع حصيلة اشتباكات حلب إلى 4 قتلى و9 جرحى    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    البابا تواضروس يستقبل الأنبا باخوميوس بالمقر البابوي بوادي النطرون    بالفيديو.. الحمصاني: منظومة التأمين الصحي الشامل وحياة كريمة تمسان الخدمات الأساسية للمواطنين    4 وزراء ومحافظين يشهدون احتفالية انضمام 3 مدن مصرية جديدة لشبكة اليونسكو    قرار جمهوري بتشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة حسن عبد الله    وزارة التعليم: أحقية المعلمين المحالين للمعاش وباقون في الخدمة بحافز التدريس    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية الصحية بملف الصحة النفسية    بداية مثيرة لمنتخب الفراعنة في أمم أفريقيا    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    الجيش الأمريكي: مقتل شخص في ضربة جديدة لقارب تهريب مخدرات    أمم إفريقيا – إبراهيم حسن ل في الجول: كشف طبي لمصطفى وحمدي.. وصلاح سليم    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    محمد هاني: فوز مصر على زيمبابوي دافع معنوي قبل مواجهة جنوب أفريقيا    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العملية كورال سى
نشر في الأهرام المسائي يوم 08 - 09 - 2014

النداء الأخير للرحلة 716 المتجهة إلى عدن، صوت صادح قوى بلمسة أنثوية لبنانية، كان الموظف المسئول عن البوردينج يوشك على أن يأخذ استراحة حين تملكته الدهشة لذلك الراكب البطىء الذى يتجه نحوه، ماله لا يهرول للحاق بالطائرة،
سمح لنفسه أن يلقى نظرة خاطفة على جواز سفره، طبيب فى منتصف الأربعينيات، تابع برودة المستفز، وما أن غاب وراء الحاجز حتى تتابعت التحركات بسرعة، وكأنها كانت فى انتظاره وسرعان ما أخذت الطائرة خطواتها على المدرج، لحظات كانت طائرة الجمهورية العربية المتحدة تحلق فى سماء بيروت متجهة مباشرة إلى الرياض، ومنها إلى عدن، انشغل الطبيب بالنظر من النافذة كل شىء يسير بطريقة طبيعية تماما، شىء يكسر المشهد لم يلتفت إليه أحد تلك الحقيبة التى إلى جواره فى الكرسى بدلا من أن توضع فى المكان المخصص، لم تكن كبيرة بالمقارنة بالهاندباج التى يحملها الركاب الآخرون إلا أنها تسبب ضيقا لكرسيه على أى حال، استجاب ليد الرجل الذى إلى شماله الذى قال بالإنجليزية: بوريس دبلوماسى المانى، صافحة وقدم نفسه: إسماعيل، طبيب مصرى (قال اسمه بالإنجليزية مترجما معناه) اتسعت حدقتا بوريس غير أنه أكمل التساؤل: جراح على ما أظن؟ إجابة: نعم مخ وأعصاب وأستاذ بجامعة القاهرة هل ستنزل فى الرياض أم عدن؟ حول بوريس لغته إلى العربية وابتسم مستعرضا: أنا قنصل عام سأزور عدن وأعود للرياض، هز الدكتور رأسه قليلا فى حين قدم الدبلوماسى بطاقته سارع بإخراج بطاقته هو الآخر مع عدد من كلمات المجاملة عن الأمة الألمانية العظيمة، طرب الألمانى كثيرا ثم انشغلا بالحديث عن السياسة وإضرابات المنطقة كان الألمانى يحفظ الكثير من المعلومات التاريخية لكنه لم يردد الدعايات الصهيونية، فى مطار عدن تحرك الألمانى بسرعة شديدة بحكم وضعه الدبلوماسى بينما علق الدكتور إسماعيل مع موظف الجوازات الذى حاول التخفيف من ملل الانتظار بالحديث باللهجة المصرية متعللاً بأن أوضاع البلاد بعد حركة تمرد 1969 مازالت غير مستقرة استقرت عيناه على صورة الرئيس اليمنى سالم ربيع لم يتغير كثيرا عن أيام معسكرات الجوالة الرئيس صديق شخصى للدكتور، بل وأكثر فقد حضرا دورات تدريبية معا، كان الوقت قد أشرف على الخامسة صباحا حين انتهت الإجراءات بصورة طبيعية ليصحبه مرافق من وزارة الصحة إلى استراحة أعدت لإقامته، أفاض اليمنى فى سرد تاريخ المنزل، كانت مقر إقامة قائد سلاح الجو البريطانى، البناء العتيق من حجارة الجبال بشكل مصغر لقصور الإنجليز اللوردات، كان ما شغل بال الدكتور وقتها الباقى من طاقم فريق عملياته فالواضح أن هذا المرافق ليس على مستوى تدريب جيد، لقد اختاروا شابا قليل الخبرة والصبر ولم يكن لديه أى استعداد لإصلاح هذا الخطأ قال له: أراك نحيلا ولكنك تبدو فى صحة معقولة، ألا تأكل جيدا؟ معللا بصدق: والله يا دكتور حاولت أن أزيد بلا فائدة، يبدو لى أن النحافة شىء قديم فى الربع! أخرج إسماعيل عبوة من حقيبته: خذ من هذه حبتين فى اليوم وقتى الغداء والعشاء وسوف ترى فاعليته، شكره فى حبور ولم ينس أن يردد بلهجة ودودة عبارة إنشائية بترحيب حكومة اليمن الشعبية به على أراضيها، هم بالانصراف إلا أن إسماعيل رجاه أن يرسل هذه البرقية (زوجتى الحبيبة، تسلمت العمل فى مستشفى عدن العام، قبلاتى للأولاد يبدو أننى لن أحضر حفلة فيروز: تذكرونى فى رأس السنة. (العنوان لبنان - بيروت - الإشرافية 185 ص ب 18) أضاف الموظف تاريخا إلى البرقية (9 ديسمبر 1969).
رفعت سلفانا رافائيل سماعة الهاتف وانتظرت قليلا حتى جاءها صوت (ماتير عاميت) كلماتها كانت محددة وحادة دعاها لمقابلته فى لوبى الموساد الرئيسى قبل الاجتماعات كان عامين قد ترك رئاسة الموساد فى تغيرات. (1 - 9 - 1968) ليخلفه تسفى زامير الذى بدأ من فوره تصفية وجود اتباع عاميت فى الجهاز، فى ثوان كان زامير يستمع لفحوى مكالمة سلفانا كان دورها قادما فى التصفية وعالم المخابرات الإسرائيلية متشدد فى هذه الناحية خاصة أن زامير وقتها كان ينتظر تقريرا عن سرقة زوارق شيربوغ من قلب وزارة الدفاع الفرنسية بعد سريان حظر ديجول لتصدير السلاح لإسرائيل (بداية قوية ليس لدى أى شك) هكذا أعربت سلفانا عن رأيها حين التقت بعاميت الذى بحكم منصبه السابق أصبح مستشارا يرجع إليه خاصة أن عملية سرقة الزوارق المسلحة من فرنسا بدايتها فى عهده، لكنها اشتكت من محاولات جادة لإقصائها من مركزها فى جمع المعلومات وتحليلها وبحدة قالت: ماذا يريد زمير بالضبط، أرجوك أريد أن يتحدد مصيرى المعلق حتى لو انتقلت إلى أوروبا لملاحقة (رجل) أو مراقبة (منزل) طمأنها عاميت بكلمات غامضة، ثوان وجاء من يأخذهم من الاستراحة إلى غرفة الاجتماعات، وردت إشارة بوصول الزوارق البحرية المسروقة إلى قاعدة حيفا البحرية وأصبحت التقارير جاهزة للعرض على المشاركين الذين توافدوا إلى القاعة ليروى زامير قد وقف أمام خريطة تفصيلية للبحر الأحمر وبحر العرب يتفحصها باهتمام بمجرد استقرارها على الكرسى التفت إليهم بغتة، كما الثعبان حين ينقض باصقا سمه على فريسته، موجها عبارته إليها: لم يأت دورك بعد فى الاستبعاد فاليوم آخر أيام العام ومازلت معنا؟ تدخل عاميت مقاطعا: هابى نيوير زامير، أين ستقضى رأس السنة؟ كان كلاهما رغم كل شىء صديقين مقربين، فلم يستاء لمقاطعته بل لانت قساماته، عرف أنه يمتص التوتر: سأقضيه فى المكتب لدينا عمل كثير، أسهر أنت وتذكرنى إلى آخر لحظات العام، الآن يجب أن ننتهى، فى العام الماضى وتقريبا فى مثل هذه الأيام قمنا بالهجوم على مطار بيروت ودمرنا عددا من طائرات 13 دولة عربية إضافة إلى طائرتين إيرانيتين وهو ما يؤسف له حيث أن حاجاتنا إلى إيران فى القادم من الأيام تستلزم تعويضهم عن تلك الغلطة الفظيعة بعد أن كنا نماطل فى المسئولية؟ ابتسم عاميت بينما اكفهر وجه ايتان فقد كان قائد الهجوم، نظر زامير إليه فى موده: هون على نفسك رفائيل كل ما ستفعله أن ترافق وفد الاعتذار وتبدى استعداد القوات الخاصة لتنفيذ أى عمليات لصالح السافاك الإيرانى كترضية مناسبة، أما المال فلن نتكلم فيه الآن؟. كان الادميرال مودخاى ليمونقد وصل متأخرا ومعه التقرير الذى سيقدم عن عملية (سرقة الزوارق الحربية) وانضم للاجتماع وهو يعلم بالضبط ما يريد أن يقوله رئيس الموساد.
أبرقت الفدائية الفلسطينية (سلمى أبوعاصم) من عمان إلى القاهرة تطلب لقاءً عاجلاً التى وصلتها فعلا فى (7 يناير 1970) انتظرها الشاعر مدحت صبرى فى المطار وأقلها إلى منزلها بجوار جامعة القاهرة حيث مازالت طالبة حقوق فى السنة الثالثة، وتستعد لامتحانات نصف العام، فى الطرق أسمعها آخر القصائد التى يشدوا بها عبدالحليم حافظ طالبا رأيها وودها، كانت منشغلة بمتاهات فى عقلها، تريد أن تنتهى من وضعها أمام المسئولين لتتفرغ للمذاكرة، وصلت المنزل الأمن وبعد مكالمة قصيرة كانت فى طريقها لمبنى المخابرات فى المعادى لحظات وكان هناك اجتماع عاجل، انتظرت سلمى بغرفة ملحقة بصالة التحرير بعد أن أتمت وضع المعلومات فى (12) ورقة من الحجم الكبير، ربما يحتاجونها فى أى وقت، عللت لنفسها وروضتها على الانتظار، ظلت الجلسة برئاسة العميد حشاد حتى جاء الفريق أحمد إسماعيل مدير الجهاز أمامهم وقت قصير للغاية، استعرضوا كامل التفاصيل التى من الضرورى أن توضع أمام الرئيس جمال عبدالناصر للتصرف، معلومات عن إنشاء خط أنابيب تبلاين من إيلات حتى عسقلان على البحر المتوسط، يريد العدو يا ريس أن يوجد شبه بديل لقناة السويس لحمل النفط من الخليج وبالذات إيران إلى أوروبا عبر باب المندب والبحر الأحمر ومن يدرى ربما يشترى وسطاء البترول العربى ويغير وجهته فى البحر ويذهب إلى إسرائيل وعبر تلك الأنابيب يصل للغرب لمعت عينا جمال للحظات فقد بات واضحا الغرض الاقتصادى من حرب 1967 سلب مصر موقعها فى التجارة، ضرب التنمية حتى لو استردينا قناة السويس، الخطة جاهزة لدينا رجال فى اليمن جاهزون لتهديد الملاحة من وإلى إسرائيل بل إيقافها نهائيا فى حالة نشوب الجولة الرابعة من القتال، وفتح الملف ونشرت الخرائط أزاح ناصر مواعيد الليلة حتى ساعات الفجر الأولى من صباح التالى.
غادرت سلفانا لندن متوجهة إلى إمارة البحرين كمندوبة لشركة لويدز للتأمين البحرى العالمية، وصلت مقر الشركة فى المحرق لتأخذها موظفة إيرانية إلى محل اقامتها في حى البساتين، ومن هناك أطلت لأول مرة فى حياتها على مياه الخليج العربى الهادرة وفى دقة متناهية ركبت أجهزة الإرسال وبثت رسالة تجريبية لمحطة فى إيران المجاورة، تفحصت أوراقها الثبوتية وكمية المال الكبيرة التى في حوزتها حتى ورود رسالة الرد من مسئول العملية (شلومو ميليت).
على عتابات المستشفى استقبله فريق، خليط من المرضى والعاملين، لم يكن سالم ربيع مجهولا بين الناس فقد كانت صورته معلقة فى عدة أماكن وميادين، الرجل مديد القامة قوى البنيان لم يتجاوز الأربعين يخالطه شعره الأسود بعض بياض صوته عذب حتى وهو يفيض حماسه، جلب له الهتاف والتصفيق أشاع مرافقوه فى الأرجاء أسباب الزيارة، تعزية الأخوة المصريين فى فقيد العروبة - جمال عبدالناصر، شعب اليمن الجنوبى يشاطركم الأحزان، هكذا سارت الأمور ثم تمدد فى غرفة الكشف ينظر إلى الدكتور إسماعيل وفى عينى كل منهما تسائلات، أحزان، بدا الرئيس حذرا: يقولون إننى اعتمدت على مصر للوصول للحكم، ولكن أنظر كيف هم وأنا أتكلم عن ناصر، فى كل بيت يمنى هنالك مأتم؟ رد إسماعيل: هو فقيد أمة كاملة بلا شك، هزراسة مؤمنا: أحتاج لتأكيد من أحمد إسماعيل شخصيا أن العملية مستمرة فلا أظن أن الجهاز سيتعرض لأى تغيير فى الفترة القادمة رد إسماعيل: فخامتك، سيصل التأكيد الليلة فقط قطعنا شوطا طويلا فى الإعداد ولن نلغى عملية أقرها ناصر بنفسه لرد كيد العدو. استوى الرئيس جالسًا: ستذهب غدا إلى المحافظة الخامسة هنالك عدة عيادات ومشفى ستزورها، خذ هذا التكليف منى بعمل تقارير عن حالها لا أظن أنه سيسرك فهذه المنطقة على حالها منذ أن تركها آدم عليه السلام من الحرمان وستجد هنالك طبيب أسنان غير متخرج قل له أن يصلك بأخيه واحترس فبالرغم من أنه يدير عصابة تهريب عبر الحدود إلا أنه مجنون تماما. لم يستطع أن يخفى ابتسامة رقيقة طفرت فأظهرت سنتين الذهبيتين وكأنه تذكر ماذا فعل قبل سنوات طويلة.
فسق كمالى عن أمر سلطان القبيلة وادعى أنه فى غمرة الفرح بالاستقلال، أشعل النار فى بيت شيخ ثمود على حافة الربع الخالى، كانت الشركة البريطانية، قد بنته وقت التنقيب عن النفط فى المنطقة، لكن أخى كان يعرف أنه رشوة لزعيم القبيلة فتحين الوقت المناسب؟ استحثه إسماعيل على إكمال ما بدأ: طرد من حما القبيلة وأصبح تحت رحمة الظروف والتقلبات وفاخر فى جلسة قات بما فعل فاصبح مهدر الدم حيث هيبة القبيلة أهم من الأيديولوجية ورفاق السلاح تحكمهم الأعراف، ترك إسماعيل رسالة شفاهية لكمالى بحاجته للطريق البرى عبر الصحراء لتهريب مواد طبية ولم ينس أن يطلع طبيب الأسنان على رسالة سالم ربيع.
قدمه طبيب بريطانى على أنه أحد أصحاب شركة ملاحية على خط الهند بريطانيا، بعد مضى فترة قصيرة من الليل أخطأ فى نطق اسم اسماعيل إلى شمعايل غطى عليه فى صدفة مناسبة هدير سيارة جيب عسكرية قادمة من جهة الشاطئ ظن البريطانى أن الدكتور لم يسمعه حيث لم يظهر انتباهه وهكذا مضت الليلة دون أن يعكر صفوها شىء، كانت أم عاصم ستصل عدن فى الخطوط العراقية في الفجر وفضل إسماعيل أن يسهر بل وقبل أن يوصله صاحب الشركة الملاحية لاستقبال زوجته وصرف اسماعيل مرافقه اليمنى كمالى بعد أن شدد عليه ألا يتأخر غدا فى الحضور إلى مقر عمله، كانت أم عاصم قد أحضرت معها حقائب من الفساتين بعضها فى أكياس جديدة عليها أسماء محلات بشارع الحمرا ببيروت، من الواضح أن زوجة إسماعيل تخطط لإقامة طويلة وكفت يد موظف الجمارك عن تفتيش باقى ملابسها الداخلية حين قال بعفوية: إيش لون محسبة نفسك زايرة مونت كارلو خجل من نظراتها الباردة، أنهى الوضع بسرعة سامحا لها بدون تفتيش باقى الحقائب بالدخول، لاحظ إسماعيل وهم يدخلون الحقائق للسيارة ماسورة رشاش تومجن، وتساءل فى قرارة نفسه: هل هذا إهمال أم إعلان؟.
ريح عاتية قادمة من المحتمل أن تنجح القوة بالتمركز فى إمكانها لكن إخفاء ما نريد فعله هو التحدى الحقيقى، قاطعها إسماعيل بإشارة من يده، نحت الخرائط بسرعة من على الطاولة وسرعان ما حفلت السفرة بالأطباق في توقيت ملائم تماما لوصول أقدام إلى باب الاستراحة، زيارة مفاجئة يا دكتور لكن صديقى تعرض لحادث في طريق آبين ومن المحتمل أن نحتاج إلى عملية، كان إسماعيل يدرك أن وفاه بريطانى فى عدن حتى ولو حادث سيارة سوف يقلب الدنيا، لم يتردد فى مصاحبته بينما أم عاصم تلاحقه بوضع قطع الدجاج فى أرغفة الخبز كما تفعل أى زوجة فاجأتهم الطوارئ لحظة الغداء، أصر السائق اليمنى على اصطحاب كليهما بحجة أنهما لن يستطيعا القيادة فى مثل هذه الظروف، تصرف لا يصدر من طائش أو مجنون، هكذا قال إسماعيل فى نفسه لكنه الآن مطمئن حتى بعد ورود التقارير من القاهرة عن شخصية رجل الملاحة البريطانى الذى اتضح أنه مائير هارتيسون متخصص فى الاختطاف وسبق أن اختطف 29 ضابطا وجنديا سوريا قرب بحيرة طبرية قبل الحرب فى ذات التوقيت كانت أم عاصم تجرى بعض الاتصالات فرغم إتقانها دورها كان ينبغى التأكد من استمرار الغطاء حيث شارفت العملية على بدء التنفيذ، خرجت متخفية فى زى اليمنيات من الممر الخلفى بعد أن رتبت إقامة الخادمة فى مقامها وفى عجالة قدمت ورقة مالية لأحد الباعة بالسوق حيث اشترت (مجاضى) منه كان عليها أن تنتظر الرد فى مكان آخر الذى أتاها فى عبارة موجزة، تحرك بعدها لنش صغير ليحتل موقعه فى جزيرة (خورياموريا) بالقرب من ساحل عمان، آخر فى مركب صيد أبحر من تربة فى اتجاه جزيرة ميون (بريم) الثالث استعد للإبحار من طرف ميناء عدن نفسها فى بقعة يقال لها (رأس معيشق) انها لا تبتعد كثيرا عن ظهر الفيل حيث انتظرت أم عاصم ورود الأخبار.
تسلل ثمانية على طريق ترابى يقودهم قصاص الأثر لمسافة خمسة كيلو مترات غربى لحج فى اتجاه الحدود اليمنية الشمالية، كان لابد من سرعة الإخلاء قبل ورود أنباء الاعتراض، اتبع الدليل أسلوب التخمين لاكتشاف أماكن الألغام التى تنتشر على الحدود بين اليمنين ورغم ذلك كانت تقديراته ناجحة بنسبة 100%، لاحظ الهدوء فلم يعبر الحدود وكمن فى انتظار إشارة فى الوقت الذى كانت إحدى الناقلات التى ترفع علم ليبريا تجتاز بحمولتها من النفط الايرانى (78 الف طن) خط جزر (خوريا موريا) دون أن يعلق بها فخ الالغام، الاوامر الا نتحرك صبرهم بصوته الحازم وأمرهم باسترداد اللغم فالطريق مزدحم وليس شاغرا، فى هذاالوقت ابرق للمحطة التالية (الولد فقد أمه يعوض الله) أبدى قبطان الناقلة كورال سى اليونانى ملاحظة عابرة عند اجتياز خط الجزر قل للضابط الاول فى السفنية اهارون تسيفى نبوءة حذرة: لاتهمل النظر والمراقبة لاى تحركات تصدر من البر العربى شدد على إبلاغ الطاقم بذلك كان عددهم 25 بحاراً ثلاثة وعشرون منهم إسرائيليين أما الناقلة فتتبع شركة يام ومقرها عسقلان يدرك خطورة أوضاعة غير أن الضابط لم يتسرب إليه الخوف فالاوضاع ليست متوترة كما انها ومقرها عسقلان يدرك خطورة أوضاعة غير أن الضبابط لم يتسرب إليه الخوف فالاوضاع ليست متوترة كما انها رحلته الثالثة تبادل بحارة زورق رأس معيشق النوم والسهر والصيد آملين أن يرصدوا الناقلة غير أنها تجاوزتهم بحساب الساعات وفروق التوقيت ولما كانت أم عاصم على مقربة منهم فقد أبحروا فى اتجاهها وعبر إشارة متفق عليها تحركت لتشغيل ساعة الصغر حيث تم رصد الناقلة فيما بعد تتجه إلى مدخل باب المندب اقتربت الساعة من العاشرة صباح 11 يونيو 1971 من غير الممكن إفلاتها هذه المره اتخذ الرائد البحرى قراره بعد هذه العبارة فقد كان قلقا من قوة النيران التى فى حوزته ولذلك استغنى عن ممثل الجبهة الشعبية وأخذ مكانه عدة قذائف سرعان ماظهرت الناقلة كان لديه ثوانى قبل أن يفطنوا لوجود ماسورة مدفع الباذوكا خرج من الامواج مناورا من الجانب الايسر ومقتربا بسرعة مخيفة كان الفدائى اليمنى على الشعيبى يقود بينما الرائد يصوب منتظرا اللحظة المناسبة تنبة تسفى لاقتراب اللنش ولم يلحظ المدفع الا انه اتخذ قراره بانزال أحد الزرواق الحربية الفرنسية لمطاردة اللنش والتعامل معه بالاغراق كان الزورق مواجها لمرمى الرائد شاهين فكان إن اختيار ضربه قبل ملامسة الماء هدف متحرك من أعلى إلى أسفل وموج يرفع المدفع صعودا وهبوطا قذفها استمر بكل قوة ولسعات النار تلفح وجهيهما سرعان ما اشتعلت الناقلة الاصابات مباشرة ومركزة فى المنتصف وقد اخترقت الدروع، فرغت الطلقات وانثنى الشعيبى عائدا إلى الجزيرة، تم اخلاء الموقع بسرعة البرق اجتاز إسماعيل ومن معه الحدود ورابطت ام عاصم تنتظر الرحلة إلى عمان فى هذه الليلة أبرقت سلمى (أم عاصم) لزوجها فى القاهرة تطلب منه أخذ أجازة من عملة بهذه العبارات (وحياة أمك تاجى لعنا بلبنان ها الصيفية موكتير عليا عاملة حسابك بشاليه عالبحر الامضاء - سلمى
وكانت تل أبيب قد أخرت الاعلان 24 ساعة لمعرفة ماحدث فاتاح ذلك للجبهة الشعبية أن تعلن مسئوليتها عن إغراق وإعصاب كورال سى - كوبريشن أبرقت سلفانا إلى مكتب لندن متأخرة يوم 14 يونيو (تهانينا تم إغلاق خط عدن إيلات الخسائر بالملايين والقتلى تسعة. لم يكن هذا يومنا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.