عزوز رئيسًا لاتحاد منتجي ومصدري الحاصلات البستانية    توقيع اتفاقية شراكة مصرية قطرية أمريكية لتأسيس منظومة تصنيع طبي متكاملة    رسوم السحب النقدي من ماكينات الATM والحد الأقصى لعمليات السحب لجميع البنوك    مصر تحقق نجاحا إفريقيا في اتفاقية التجارة الحرة القارية بعد أربع سنوات    زاخاروفا: روسيا تدعم فنزويلا في الدفاع عن سيادتها    دبلوماسية أمريكية سابقة: الإدارة الأمريكية بدأت في توجيه اللوم إلى الحكومة الإسرائيلية    تراجع الزخم.. تفريطٌ في العدالة    ياسر عبد العزيز يكتب: مصر الكروية كاملة الأوصاف ولكن!    تداول صورة ل توروب مدرب الأهلي خلال زيارة سفارة الدنمارك بالقاهرة    منتخب التايكوندو يحقق المركز الخامس في بطولة العالم بالصين    الموت غرقًا| مصرع 3 فى سقوط سيارة بترعة طوخ    بالتوقيت الشتوي.. مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف LRT    براءة الشاب المتهم بالتعدى بالضرب على طفل العسلية فى المحلة    مي عمر: بحب الأهرامات جدًا وشغوفة بلحظة افتتاح المتحف المصري الكبير    المتحف المصري الكبير| رسالة سلام من قلب مصر إلى العالم: تقرير    هنا الزاهد أمام الأهرامات قبل افتتاح المتحف المصرى الكبير: مصرية وأفتخر    انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة الإمام الطيب للقرآن للطلاب الوافدين    عاجل- مدبولي: بدء تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالإسكندرية من العام المالي المقبل وتكثيف الاستعدادات بمحافظة المنيا ضمن المرحلة الثانية    الصحة تشارك في احتفالية اليوم العالمي للسكتة الدماغية لرفع الوعي وتطوير مهارات الكوادر الطبية    حافلة الزمالك تصل إلى ستاد القاهرة استعدادًا لمواجهة البنك الأهلي    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    بدء التوقيت الشتوى الليلة.. نصائح فعالة لضبط دورة نومك مع تغيير الساعة    ارتفاع أسعار الفول وتباين العدس في الأسواق    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    اتحاد السلة يعلن جدول مباريات ربع نهائي دوري المرتبط «رجال»    سوريا وألمانيا تؤكدان أهمية الحوار الدبلوماسي والتواصل المباشر في دعم الاستقرار الإقليمي    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    مصر تطرح رؤيتها حول استخدام الذكاء الاصطناعي في أعمال المراجعة    بالأسماء.. إصابة طبيبة و4 ممرضين إثر سقوط سيارة في ترعة بالبحيرة    السيطرة على مشاجرة بين أشخاص داخل صيدلية بالشيخ زايد    محافظ القاهرة يصدر حركة تنقلات بين رؤساء الأحياء    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    قافلة بين سينمائيات تطلق ورشة الفيلم التسجيلي الإبداعي 2026 لتأهيل جيل جديد من المخرجات    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    مستقبل وطن يواصل مؤتمراته الجماهيرية لدعم مرشحيه وحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب (فيديو)    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    «ابن أمه ميتعاشرش».. 4 أبراج رجالهم لا يتخلون عن والدتهم رغم كبرهم    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    رئيس مجلس إدارة جهاز تنمية التجارة الداخلية الجديد يبدأ مهام عمله    أحمد موسى يتقدم ببلاغات للنائب العام ضد صفحات نشرت تصريحات مفبركة باسمه    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    وزيرة التضامن تشهد احتفالية الأب القدوة.. وتكرم شخصيات ملهمة    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    أسعار النفط تسجل 64.52 دولار لخام برنت و60.11 دولار للخام الأمريكى    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    ترامب: كوريا الجنوبية ستدفع 350 مليار دولار مقابل خفض الرسوم الجمركية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العملية كورال سى
نشر في الأهرام المسائي يوم 08 - 09 - 2014

النداء الأخير للرحلة 716 المتجهة إلى عدن، صوت صادح قوى بلمسة أنثوية لبنانية، كان الموظف المسئول عن البوردينج يوشك على أن يأخذ استراحة حين تملكته الدهشة لذلك الراكب البطىء الذى يتجه نحوه، ماله لا يهرول للحاق بالطائرة،
سمح لنفسه أن يلقى نظرة خاطفة على جواز سفره، طبيب فى منتصف الأربعينيات، تابع برودة المستفز، وما أن غاب وراء الحاجز حتى تتابعت التحركات بسرعة، وكأنها كانت فى انتظاره وسرعان ما أخذت الطائرة خطواتها على المدرج، لحظات كانت طائرة الجمهورية العربية المتحدة تحلق فى سماء بيروت متجهة مباشرة إلى الرياض، ومنها إلى عدن، انشغل الطبيب بالنظر من النافذة كل شىء يسير بطريقة طبيعية تماما، شىء يكسر المشهد لم يلتفت إليه أحد تلك الحقيبة التى إلى جواره فى الكرسى بدلا من أن توضع فى المكان المخصص، لم تكن كبيرة بالمقارنة بالهاندباج التى يحملها الركاب الآخرون إلا أنها تسبب ضيقا لكرسيه على أى حال، استجاب ليد الرجل الذى إلى شماله الذى قال بالإنجليزية: بوريس دبلوماسى المانى، صافحة وقدم نفسه: إسماعيل، طبيب مصرى (قال اسمه بالإنجليزية مترجما معناه) اتسعت حدقتا بوريس غير أنه أكمل التساؤل: جراح على ما أظن؟ إجابة: نعم مخ وأعصاب وأستاذ بجامعة القاهرة هل ستنزل فى الرياض أم عدن؟ حول بوريس لغته إلى العربية وابتسم مستعرضا: أنا قنصل عام سأزور عدن وأعود للرياض، هز الدكتور رأسه قليلا فى حين قدم الدبلوماسى بطاقته سارع بإخراج بطاقته هو الآخر مع عدد من كلمات المجاملة عن الأمة الألمانية العظيمة، طرب الألمانى كثيرا ثم انشغلا بالحديث عن السياسة وإضرابات المنطقة كان الألمانى يحفظ الكثير من المعلومات التاريخية لكنه لم يردد الدعايات الصهيونية، فى مطار عدن تحرك الألمانى بسرعة شديدة بحكم وضعه الدبلوماسى بينما علق الدكتور إسماعيل مع موظف الجوازات الذى حاول التخفيف من ملل الانتظار بالحديث باللهجة المصرية متعللاً بأن أوضاع البلاد بعد حركة تمرد 1969 مازالت غير مستقرة استقرت عيناه على صورة الرئيس اليمنى سالم ربيع لم يتغير كثيرا عن أيام معسكرات الجوالة الرئيس صديق شخصى للدكتور، بل وأكثر فقد حضرا دورات تدريبية معا، كان الوقت قد أشرف على الخامسة صباحا حين انتهت الإجراءات بصورة طبيعية ليصحبه مرافق من وزارة الصحة إلى استراحة أعدت لإقامته، أفاض اليمنى فى سرد تاريخ المنزل، كانت مقر إقامة قائد سلاح الجو البريطانى، البناء العتيق من حجارة الجبال بشكل مصغر لقصور الإنجليز اللوردات، كان ما شغل بال الدكتور وقتها الباقى من طاقم فريق عملياته فالواضح أن هذا المرافق ليس على مستوى تدريب جيد، لقد اختاروا شابا قليل الخبرة والصبر ولم يكن لديه أى استعداد لإصلاح هذا الخطأ قال له: أراك نحيلا ولكنك تبدو فى صحة معقولة، ألا تأكل جيدا؟ معللا بصدق: والله يا دكتور حاولت أن أزيد بلا فائدة، يبدو لى أن النحافة شىء قديم فى الربع! أخرج إسماعيل عبوة من حقيبته: خذ من هذه حبتين فى اليوم وقتى الغداء والعشاء وسوف ترى فاعليته، شكره فى حبور ولم ينس أن يردد بلهجة ودودة عبارة إنشائية بترحيب حكومة اليمن الشعبية به على أراضيها، هم بالانصراف إلا أن إسماعيل رجاه أن يرسل هذه البرقية (زوجتى الحبيبة، تسلمت العمل فى مستشفى عدن العام، قبلاتى للأولاد يبدو أننى لن أحضر حفلة فيروز: تذكرونى فى رأس السنة. (العنوان لبنان - بيروت - الإشرافية 185 ص ب 18) أضاف الموظف تاريخا إلى البرقية (9 ديسمبر 1969).
رفعت سلفانا رافائيل سماعة الهاتف وانتظرت قليلا حتى جاءها صوت (ماتير عاميت) كلماتها كانت محددة وحادة دعاها لمقابلته فى لوبى الموساد الرئيسى قبل الاجتماعات كان عامين قد ترك رئاسة الموساد فى تغيرات. (1 - 9 - 1968) ليخلفه تسفى زامير الذى بدأ من فوره تصفية وجود اتباع عاميت فى الجهاز، فى ثوان كان زامير يستمع لفحوى مكالمة سلفانا كان دورها قادما فى التصفية وعالم المخابرات الإسرائيلية متشدد فى هذه الناحية خاصة أن زامير وقتها كان ينتظر تقريرا عن سرقة زوارق شيربوغ من قلب وزارة الدفاع الفرنسية بعد سريان حظر ديجول لتصدير السلاح لإسرائيل (بداية قوية ليس لدى أى شك) هكذا أعربت سلفانا عن رأيها حين التقت بعاميت الذى بحكم منصبه السابق أصبح مستشارا يرجع إليه خاصة أن عملية سرقة الزوارق المسلحة من فرنسا بدايتها فى عهده، لكنها اشتكت من محاولات جادة لإقصائها من مركزها فى جمع المعلومات وتحليلها وبحدة قالت: ماذا يريد زمير بالضبط، أرجوك أريد أن يتحدد مصيرى المعلق حتى لو انتقلت إلى أوروبا لملاحقة (رجل) أو مراقبة (منزل) طمأنها عاميت بكلمات غامضة، ثوان وجاء من يأخذهم من الاستراحة إلى غرفة الاجتماعات، وردت إشارة بوصول الزوارق البحرية المسروقة إلى قاعدة حيفا البحرية وأصبحت التقارير جاهزة للعرض على المشاركين الذين توافدوا إلى القاعة ليروى زامير قد وقف أمام خريطة تفصيلية للبحر الأحمر وبحر العرب يتفحصها باهتمام بمجرد استقرارها على الكرسى التفت إليهم بغتة، كما الثعبان حين ينقض باصقا سمه على فريسته، موجها عبارته إليها: لم يأت دورك بعد فى الاستبعاد فاليوم آخر أيام العام ومازلت معنا؟ تدخل عاميت مقاطعا: هابى نيوير زامير، أين ستقضى رأس السنة؟ كان كلاهما رغم كل شىء صديقين مقربين، فلم يستاء لمقاطعته بل لانت قساماته، عرف أنه يمتص التوتر: سأقضيه فى المكتب لدينا عمل كثير، أسهر أنت وتذكرنى إلى آخر لحظات العام، الآن يجب أن ننتهى، فى العام الماضى وتقريبا فى مثل هذه الأيام قمنا بالهجوم على مطار بيروت ودمرنا عددا من طائرات 13 دولة عربية إضافة إلى طائرتين إيرانيتين وهو ما يؤسف له حيث أن حاجاتنا إلى إيران فى القادم من الأيام تستلزم تعويضهم عن تلك الغلطة الفظيعة بعد أن كنا نماطل فى المسئولية؟ ابتسم عاميت بينما اكفهر وجه ايتان فقد كان قائد الهجوم، نظر زامير إليه فى موده: هون على نفسك رفائيل كل ما ستفعله أن ترافق وفد الاعتذار وتبدى استعداد القوات الخاصة لتنفيذ أى عمليات لصالح السافاك الإيرانى كترضية مناسبة، أما المال فلن نتكلم فيه الآن؟. كان الادميرال مودخاى ليمونقد وصل متأخرا ومعه التقرير الذى سيقدم عن عملية (سرقة الزوارق الحربية) وانضم للاجتماع وهو يعلم بالضبط ما يريد أن يقوله رئيس الموساد.
أبرقت الفدائية الفلسطينية (سلمى أبوعاصم) من عمان إلى القاهرة تطلب لقاءً عاجلاً التى وصلتها فعلا فى (7 يناير 1970) انتظرها الشاعر مدحت صبرى فى المطار وأقلها إلى منزلها بجوار جامعة القاهرة حيث مازالت طالبة حقوق فى السنة الثالثة، وتستعد لامتحانات نصف العام، فى الطرق أسمعها آخر القصائد التى يشدوا بها عبدالحليم حافظ طالبا رأيها وودها، كانت منشغلة بمتاهات فى عقلها، تريد أن تنتهى من وضعها أمام المسئولين لتتفرغ للمذاكرة، وصلت المنزل الأمن وبعد مكالمة قصيرة كانت فى طريقها لمبنى المخابرات فى المعادى لحظات وكان هناك اجتماع عاجل، انتظرت سلمى بغرفة ملحقة بصالة التحرير بعد أن أتمت وضع المعلومات فى (12) ورقة من الحجم الكبير، ربما يحتاجونها فى أى وقت، عللت لنفسها وروضتها على الانتظار، ظلت الجلسة برئاسة العميد حشاد حتى جاء الفريق أحمد إسماعيل مدير الجهاز أمامهم وقت قصير للغاية، استعرضوا كامل التفاصيل التى من الضرورى أن توضع أمام الرئيس جمال عبدالناصر للتصرف، معلومات عن إنشاء خط أنابيب تبلاين من إيلات حتى عسقلان على البحر المتوسط، يريد العدو يا ريس أن يوجد شبه بديل لقناة السويس لحمل النفط من الخليج وبالذات إيران إلى أوروبا عبر باب المندب والبحر الأحمر ومن يدرى ربما يشترى وسطاء البترول العربى ويغير وجهته فى البحر ويذهب إلى إسرائيل وعبر تلك الأنابيب يصل للغرب لمعت عينا جمال للحظات فقد بات واضحا الغرض الاقتصادى من حرب 1967 سلب مصر موقعها فى التجارة، ضرب التنمية حتى لو استردينا قناة السويس، الخطة جاهزة لدينا رجال فى اليمن جاهزون لتهديد الملاحة من وإلى إسرائيل بل إيقافها نهائيا فى حالة نشوب الجولة الرابعة من القتال، وفتح الملف ونشرت الخرائط أزاح ناصر مواعيد الليلة حتى ساعات الفجر الأولى من صباح التالى.
غادرت سلفانا لندن متوجهة إلى إمارة البحرين كمندوبة لشركة لويدز للتأمين البحرى العالمية، وصلت مقر الشركة فى المحرق لتأخذها موظفة إيرانية إلى محل اقامتها في حى البساتين، ومن هناك أطلت لأول مرة فى حياتها على مياه الخليج العربى الهادرة وفى دقة متناهية ركبت أجهزة الإرسال وبثت رسالة تجريبية لمحطة فى إيران المجاورة، تفحصت أوراقها الثبوتية وكمية المال الكبيرة التى في حوزتها حتى ورود رسالة الرد من مسئول العملية (شلومو ميليت).
على عتابات المستشفى استقبله فريق، خليط من المرضى والعاملين، لم يكن سالم ربيع مجهولا بين الناس فقد كانت صورته معلقة فى عدة أماكن وميادين، الرجل مديد القامة قوى البنيان لم يتجاوز الأربعين يخالطه شعره الأسود بعض بياض صوته عذب حتى وهو يفيض حماسه، جلب له الهتاف والتصفيق أشاع مرافقوه فى الأرجاء أسباب الزيارة، تعزية الأخوة المصريين فى فقيد العروبة - جمال عبدالناصر، شعب اليمن الجنوبى يشاطركم الأحزان، هكذا سارت الأمور ثم تمدد فى غرفة الكشف ينظر إلى الدكتور إسماعيل وفى عينى كل منهما تسائلات، أحزان، بدا الرئيس حذرا: يقولون إننى اعتمدت على مصر للوصول للحكم، ولكن أنظر كيف هم وأنا أتكلم عن ناصر، فى كل بيت يمنى هنالك مأتم؟ رد إسماعيل: هو فقيد أمة كاملة بلا شك، هزراسة مؤمنا: أحتاج لتأكيد من أحمد إسماعيل شخصيا أن العملية مستمرة فلا أظن أن الجهاز سيتعرض لأى تغيير فى الفترة القادمة رد إسماعيل: فخامتك، سيصل التأكيد الليلة فقط قطعنا شوطا طويلا فى الإعداد ولن نلغى عملية أقرها ناصر بنفسه لرد كيد العدو. استوى الرئيس جالسًا: ستذهب غدا إلى المحافظة الخامسة هنالك عدة عيادات ومشفى ستزورها، خذ هذا التكليف منى بعمل تقارير عن حالها لا أظن أنه سيسرك فهذه المنطقة على حالها منذ أن تركها آدم عليه السلام من الحرمان وستجد هنالك طبيب أسنان غير متخرج قل له أن يصلك بأخيه واحترس فبالرغم من أنه يدير عصابة تهريب عبر الحدود إلا أنه مجنون تماما. لم يستطع أن يخفى ابتسامة رقيقة طفرت فأظهرت سنتين الذهبيتين وكأنه تذكر ماذا فعل قبل سنوات طويلة.
فسق كمالى عن أمر سلطان القبيلة وادعى أنه فى غمرة الفرح بالاستقلال، أشعل النار فى بيت شيخ ثمود على حافة الربع الخالى، كانت الشركة البريطانية، قد بنته وقت التنقيب عن النفط فى المنطقة، لكن أخى كان يعرف أنه رشوة لزعيم القبيلة فتحين الوقت المناسب؟ استحثه إسماعيل على إكمال ما بدأ: طرد من حما القبيلة وأصبح تحت رحمة الظروف والتقلبات وفاخر فى جلسة قات بما فعل فاصبح مهدر الدم حيث هيبة القبيلة أهم من الأيديولوجية ورفاق السلاح تحكمهم الأعراف، ترك إسماعيل رسالة شفاهية لكمالى بحاجته للطريق البرى عبر الصحراء لتهريب مواد طبية ولم ينس أن يطلع طبيب الأسنان على رسالة سالم ربيع.
قدمه طبيب بريطانى على أنه أحد أصحاب شركة ملاحية على خط الهند بريطانيا، بعد مضى فترة قصيرة من الليل أخطأ فى نطق اسم اسماعيل إلى شمعايل غطى عليه فى صدفة مناسبة هدير سيارة جيب عسكرية قادمة من جهة الشاطئ ظن البريطانى أن الدكتور لم يسمعه حيث لم يظهر انتباهه وهكذا مضت الليلة دون أن يعكر صفوها شىء، كانت أم عاصم ستصل عدن فى الخطوط العراقية في الفجر وفضل إسماعيل أن يسهر بل وقبل أن يوصله صاحب الشركة الملاحية لاستقبال زوجته وصرف اسماعيل مرافقه اليمنى كمالى بعد أن شدد عليه ألا يتأخر غدا فى الحضور إلى مقر عمله، كانت أم عاصم قد أحضرت معها حقائب من الفساتين بعضها فى أكياس جديدة عليها أسماء محلات بشارع الحمرا ببيروت، من الواضح أن زوجة إسماعيل تخطط لإقامة طويلة وكفت يد موظف الجمارك عن تفتيش باقى ملابسها الداخلية حين قال بعفوية: إيش لون محسبة نفسك زايرة مونت كارلو خجل من نظراتها الباردة، أنهى الوضع بسرعة سامحا لها بدون تفتيش باقى الحقائب بالدخول، لاحظ إسماعيل وهم يدخلون الحقائق للسيارة ماسورة رشاش تومجن، وتساءل فى قرارة نفسه: هل هذا إهمال أم إعلان؟.
ريح عاتية قادمة من المحتمل أن تنجح القوة بالتمركز فى إمكانها لكن إخفاء ما نريد فعله هو التحدى الحقيقى، قاطعها إسماعيل بإشارة من يده، نحت الخرائط بسرعة من على الطاولة وسرعان ما حفلت السفرة بالأطباق في توقيت ملائم تماما لوصول أقدام إلى باب الاستراحة، زيارة مفاجئة يا دكتور لكن صديقى تعرض لحادث في طريق آبين ومن المحتمل أن نحتاج إلى عملية، كان إسماعيل يدرك أن وفاه بريطانى فى عدن حتى ولو حادث سيارة سوف يقلب الدنيا، لم يتردد فى مصاحبته بينما أم عاصم تلاحقه بوضع قطع الدجاج فى أرغفة الخبز كما تفعل أى زوجة فاجأتهم الطوارئ لحظة الغداء، أصر السائق اليمنى على اصطحاب كليهما بحجة أنهما لن يستطيعا القيادة فى مثل هذه الظروف، تصرف لا يصدر من طائش أو مجنون، هكذا قال إسماعيل فى نفسه لكنه الآن مطمئن حتى بعد ورود التقارير من القاهرة عن شخصية رجل الملاحة البريطانى الذى اتضح أنه مائير هارتيسون متخصص فى الاختطاف وسبق أن اختطف 29 ضابطا وجنديا سوريا قرب بحيرة طبرية قبل الحرب فى ذات التوقيت كانت أم عاصم تجرى بعض الاتصالات فرغم إتقانها دورها كان ينبغى التأكد من استمرار الغطاء حيث شارفت العملية على بدء التنفيذ، خرجت متخفية فى زى اليمنيات من الممر الخلفى بعد أن رتبت إقامة الخادمة فى مقامها وفى عجالة قدمت ورقة مالية لأحد الباعة بالسوق حيث اشترت (مجاضى) منه كان عليها أن تنتظر الرد فى مكان آخر الذى أتاها فى عبارة موجزة، تحرك بعدها لنش صغير ليحتل موقعه فى جزيرة (خورياموريا) بالقرب من ساحل عمان، آخر فى مركب صيد أبحر من تربة فى اتجاه جزيرة ميون (بريم) الثالث استعد للإبحار من طرف ميناء عدن نفسها فى بقعة يقال لها (رأس معيشق) انها لا تبتعد كثيرا عن ظهر الفيل حيث انتظرت أم عاصم ورود الأخبار.
تسلل ثمانية على طريق ترابى يقودهم قصاص الأثر لمسافة خمسة كيلو مترات غربى لحج فى اتجاه الحدود اليمنية الشمالية، كان لابد من سرعة الإخلاء قبل ورود أنباء الاعتراض، اتبع الدليل أسلوب التخمين لاكتشاف أماكن الألغام التى تنتشر على الحدود بين اليمنين ورغم ذلك كانت تقديراته ناجحة بنسبة 100%، لاحظ الهدوء فلم يعبر الحدود وكمن فى انتظار إشارة فى الوقت الذى كانت إحدى الناقلات التى ترفع علم ليبريا تجتاز بحمولتها من النفط الايرانى (78 الف طن) خط جزر (خوريا موريا) دون أن يعلق بها فخ الالغام، الاوامر الا نتحرك صبرهم بصوته الحازم وأمرهم باسترداد اللغم فالطريق مزدحم وليس شاغرا، فى هذاالوقت ابرق للمحطة التالية (الولد فقد أمه يعوض الله) أبدى قبطان الناقلة كورال سى اليونانى ملاحظة عابرة عند اجتياز خط الجزر قل للضابط الاول فى السفنية اهارون تسيفى نبوءة حذرة: لاتهمل النظر والمراقبة لاى تحركات تصدر من البر العربى شدد على إبلاغ الطاقم بذلك كان عددهم 25 بحاراً ثلاثة وعشرون منهم إسرائيليين أما الناقلة فتتبع شركة يام ومقرها عسقلان يدرك خطورة أوضاعة غير أن الضابط لم يتسرب إليه الخوف فالاوضاع ليست متوترة كما انها ومقرها عسقلان يدرك خطورة أوضاعة غير أن الضبابط لم يتسرب إليه الخوف فالاوضاع ليست متوترة كما انها رحلته الثالثة تبادل بحارة زورق رأس معيشق النوم والسهر والصيد آملين أن يرصدوا الناقلة غير أنها تجاوزتهم بحساب الساعات وفروق التوقيت ولما كانت أم عاصم على مقربة منهم فقد أبحروا فى اتجاهها وعبر إشارة متفق عليها تحركت لتشغيل ساعة الصغر حيث تم رصد الناقلة فيما بعد تتجه إلى مدخل باب المندب اقتربت الساعة من العاشرة صباح 11 يونيو 1971 من غير الممكن إفلاتها هذه المره اتخذ الرائد البحرى قراره بعد هذه العبارة فقد كان قلقا من قوة النيران التى فى حوزته ولذلك استغنى عن ممثل الجبهة الشعبية وأخذ مكانه عدة قذائف سرعان ماظهرت الناقلة كان لديه ثوانى قبل أن يفطنوا لوجود ماسورة مدفع الباذوكا خرج من الامواج مناورا من الجانب الايسر ومقتربا بسرعة مخيفة كان الفدائى اليمنى على الشعيبى يقود بينما الرائد يصوب منتظرا اللحظة المناسبة تنبة تسفى لاقتراب اللنش ولم يلحظ المدفع الا انه اتخذ قراره بانزال أحد الزرواق الحربية الفرنسية لمطاردة اللنش والتعامل معه بالاغراق كان الزورق مواجها لمرمى الرائد شاهين فكان إن اختيار ضربه قبل ملامسة الماء هدف متحرك من أعلى إلى أسفل وموج يرفع المدفع صعودا وهبوطا قذفها استمر بكل قوة ولسعات النار تلفح وجهيهما سرعان ما اشتعلت الناقلة الاصابات مباشرة ومركزة فى المنتصف وقد اخترقت الدروع، فرغت الطلقات وانثنى الشعيبى عائدا إلى الجزيرة، تم اخلاء الموقع بسرعة البرق اجتاز إسماعيل ومن معه الحدود ورابطت ام عاصم تنتظر الرحلة إلى عمان فى هذه الليلة أبرقت سلمى (أم عاصم) لزوجها فى القاهرة تطلب منه أخذ أجازة من عملة بهذه العبارات (وحياة أمك تاجى لعنا بلبنان ها الصيفية موكتير عليا عاملة حسابك بشاليه عالبحر الامضاء - سلمى
وكانت تل أبيب قد أخرت الاعلان 24 ساعة لمعرفة ماحدث فاتاح ذلك للجبهة الشعبية أن تعلن مسئوليتها عن إغراق وإعصاب كورال سى - كوبريشن أبرقت سلفانا إلى مكتب لندن متأخرة يوم 14 يونيو (تهانينا تم إغلاق خط عدن إيلات الخسائر بالملايين والقتلى تسعة. لم يكن هذا يومنا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.