أكبر نكبة أصابت الإنسانية أن العقل البشرى استطاع أن يرقى بالمعارف والعلوم إلى ابتكار المخترعات المبهرة، ومع ذلك لا يزال عاجزا أمام الغرائز والبواعث والشهوات ولم يستطع اختراع ما يتسلط عليها، فلايزال الإنسان المتمدن يستخدم بواعثه الشريرة فى التدمير والتخريب حتى انشطرت الإنسانية شطرين: العقل فى طريق، والغرائز فى طريق، فضلت الحكمة طريقها وتاه السلام، فحصدت الحروب أضعاف ما تصلحه العقول، حسبنا من ذلك أن نكبة النكبات (فلسطين الجراح واللم) قد بلغت من العمر أرذله، والضمير العالمى واهم، عن قصد أو غير قصد، فهو شاهد زور وهيئاته الأممية شيطان أخرس، والأمم الظالمة - عفوا - (المتحدة) لم تتعظ من التاريخ، فكم من زعماء أحفاد السامرى استبدت بهم الأمنيات لإبادة غزة ودفنها وسحقها وإغراقها و. و. ثم ذهبوا ولم تذهب غزة، حتى النتن ياهو لم يستمع إلى التاريخ ولم يعتبر، بل على الرغم من الغزوات النازية على القطاع تخرج غزة فى كل مرة أصلب عودا وأشد عزما على المقاومة!. إنها (لعنة غزة) التى دحرت كل زعماء الصهاينة وأمانيهم بدءا ب(بن جوريون) مرورا برابين وشارون وصولا إلى (النتن ياهو)!. وقد يؤكد هذه (اللعنة الغزية) ما صرح به مؤخرا رئيس هيئة الأمن القومى الإسرائيلى السابق (نحيورا أيلاند) بقوله: إن الخطأ الذى ارتكبته إسرائيل تمثل فى تعاملها مع حماس كمنظمة إرهابية وليس كدولة بنت لنفسها جيشا ما يتحتم علينا إعداد خطة قومية لمواجهة دولة !. وعليه، ستظل مشكلة غزة خير دليل على موات الضمير العالمى، وأنها المشكلة التى ستفتح باب المساخر للأجيال القادمة عن عصرنا هذا الذى نفاخر - اليوم - باختراعاته ومبتكراته!. حسبنا من مبررات مساخر الأجيال القادمة أن هيئة الأمم (الظالمة) أباحت لنفسها أن تهيىء الرأى العام العالمى لإبادة شعب أعزل وصاحب الأرض والحق معا، أباحت لنفسها أن تضع مناخا سياسيا لإقامة محرقة النازى (الهتلرية) وأحفادهم، فمن الأعاجيب والأضاحيك المبكيات أن تقوم قيامة هيئة الأمم لمن ينكر (الهولوكوست الهتلرية)، ولا تحرك ساكنا أو حتى تستنكر بكلمة ولو على استحياء لمن يقيم فى أرض أولى القبلتين (الهولوكوست الغزية)!.ومع ذلك لابد لنا - نحن العرب - أن نفيق من أوهام التاريخ ودجل السياسة الأممية، لأن مشكلة فلسطين فى أخطر مراحلها، ربما بسبب (حماس)، نعم، لا تنزعج أيها القارئ، فإن المشروع الصهيونى الكبير ليس عاجزا عن إبادة حماس، بل غزة من الوجود، لولا أنهم يرون فى حماس سببا أصيلا من أسباب تحقيق المشروع الأكبر: من النيل الفرات، فما أكثر النعرات الحمساوية التى حولت المقاومة إلى مغامرات عسكرية وقودها الشعب الغزى، وليس أعضاء حكومة حماس إذ هم أصلا بعضهم يقيم فى دول عربية ويعيشون فى بحبوحة من العيش الرغيد. !فلا يختلف عاقلان أن حماس هى من بدأت شطر اللحمة الفلسطينية منذ إعلانها الانفصال عن منظمة التحرير واغتصابها القطاع، وعلى الرغم من نعرات المقاومة وتكرار المحارق، لم تحقق حماس أية جدوى من مقاومتها. ولم تقترب حتى من تحقيق هدف واحد من أهدافها، فالحصار هو الحصار، والخسائر ذات الخسائر، صحيح أن المقاومة حتمية، لكنها يجب أن تكون وفق حسابات استراتيجية دقيقة ومواقيت صائبة تصل إلى نتيجة حقيقية وليست عبثية، فالجهاد ضد المحتل يجب أن يكلل بالاستقلال والتحرير، وإذا لم تحقق قوافل الشهداء الغرض من استشهادهم، فلا نفع يرتجى ولا أمل فى القادم من أيام الله!..نحن لا ننكر أن فلسطين مشكلة عربية بالأصل، وستظل فى بؤرة اهتمامات العرب، وأن (إسرائيل) لا يرتجى منها سلاما، وأن المجتمع العالم سيظل يملأ أسماع الكون ضجيجا بالسلام الوهم، والمؤتمرات، وتعهدات هى أسوأ ما عرفته البشرية من صنوف الدجل والشعوذة الأممية!. وهو ما يلزمنا نحن العرب مواجهة الحقيقة وكسر حاجز الأوهام، فالحقيقة أننا جميعا خاصة أهل فلسطين، قد أضاعوا مؤشر البوصلة، ولم نسمع على مدى عقود سوى الشجب والاستنكار، وقذف الاتهامات لدولة بعينها، ولم ندرك عن قصد أو غير قصد أن السبيل الأوحد هو الترابط العربى، وقبله الترابط الفلسطينى إذ تخيلت حماس منذ سيطرتها على القطاع أنها وحدها صاحبة الحق فى تقرير مصير الفلسطينيين، وتناست أنها حركة لتحرير الأرض، وليست دولة أو حكومة لها صلاحيات الدول والحكومات، ظنا منها أن انتصارها فى انتخابات وحيدة قد أعطاها حقا سرمديا فى الزعامات (العنترية)، وبالتالى اتخاذ قرارات لم تحصد سوى أرواح الأطفال والنساء وجلب الخراب!.فمتى يفيق قادة حماس من أن التحرير لا يتأتى بالحماسيات الكلامية والصواريخ المنزلية؟! على حماس، بل علينا جميعا أن ندرك يقينا أن (إسرائيل) تتخذ من حماس ذريعة للاعتداءات المتكررة، وأن الغرض من وراء هذه المحارق الإسهام فى ترسيخ التمزق الفلسطينى الفلسطينى، والعربى العربى، كسبب مهم من أسباب تفتيت الوطن العربى الذى كان (كبيرا)!. كما يجب ألا يغرب عن وعينا أن أوان حرق غزة لا ينفصل عما يحدث فى بلدان عربية من تدمير وتقسيم وتقزيم، تمهيدا لتحويل ما كان كبيرا إلى دويلات، لتظل جغرافية (إسرائيل) هى الأكبر!. إن الغرب المستعمر لم يتخل عن أحقاده القديمة الجديدة فلا يزال يرسم الخطط المحكمة لاستعمارنا، لكن يتبقى لنا أن نرسم الخطط المحكمة المشتركة للمواجهة والنهوض والتحضر. فما أعجب أن يصر الظالم على ظلمه، ولا يصر المظلوم على حقه . (ولنا عودة إن كان فى العمر بقية).