لماذا تم في هذا الوقت بالذات تسريب أربعمائة ألف وثيقة من خلال موقع( ويكيليكس) سؤال طرح نفسه أخيرا, وألح في طلب الإجابة عنه, وهذا أمر لانستطيع أن نقطع فيه برأي ولكننا نستطيع أن نستخلص عددا من الأفكار الرئيسية, أهمها أننا أمام أكبر عملية ولوغ في الدماء في العصر الحديث, قامت بها القوات الأمريكية والحكومة العراقية سواء بسواء, وكأن الدم العراقي صديد يجب إزالته وأن تزوير المغتصبين يغوص إلي أعمق أعماق مافي الغثيان من بشاعة. *** ولما كان الخروج بشيء يقيني من الجانب الأمريكي متعذر أو مشكل تسمح لنا هذه المقالة بل تفرض علينا,أن نضع القضية وضعا يجعلها جزءا من التاريخ فما فائدة التاريخ إذا لم نستخلص منه العبر؟ وتضطرنا المعلومات التي تزودنا بها المصادر الجديرة بالثقة, أن نعتبر أن المهاجرين الأوائل لأمريكا, الذين كانوا من البروتستانت الهولنديين, حملوا معهم البروتستانية المتهودة, الطافحة بنبوءات التوراة, ومنذ اللحظة الأولي ومعركة التدجين والتهويد تدور رحاها بلاهوادة, وقد ازدادت في القرن التالي السابع عشر حين بني الهولنديون علي جزيرة( مانهاتن) عام1626 مدينة( نيوامستردام) واسكنوها بعض اليهود الذين طردتهم اسبانيا, إنها الميناء الذي استعمره الإنجليز وهي نيويورك أهم محافل الصهيونيين في الولاياتالمتحدة. والتي تمتد فروعها الي العالم كله. اما شقيقتها الأصغر في السن واشنطن فقد شيدت فوق مقبرة جماعية, كانت في يوم ما مدينة عظيمة للهنود الحمر تدعي نكان شتنكه قبل أن يبني جورج واشنطن مدينته علي جماجم أبنائها, وعليه قس بالنسبة الي جميع مدن الولاياتالمتحدة, تحتها جمعاء من جماجم( الشيروكي والأباشي وكونوي) أكثر من112 مليون إنسان ينتمون إلي أكثر من أربعمائة ثقافة وأمة إنها أبشع عملية تطهير عرقي منظم عرفها تاريخ البشر إنها التجسيد الحي لفكرة أمريكا, التي قامت علي اعتقاد قديم متأصل الجذور, نابع مما جاء في التوراة من نبوءات ومواعيد قيامية والحروب الإبادية, وأيضا من التراث السياسي للأسلاف الأوائل للمهاجرين وهم اليونان فقد حاول الفيلسوف اليوناني( أرسطو) أن يبرر طموح اليونانيين لسيادة العالم وزعامته, فنادي بنظرية أكد فيها أن جماعات معينة تولد حرة بالطبيعة, وجماعات أخري تولد لكي تكون عبيدا لقد كانت هذه المأثورات تنتقل من جيل الي جيل.وكانت الجريمة ومازالت قائمة, وثمة من يحاول تبرئة المجرم.فها هو السنيور جوان سيبولفيدا يحاول عام1550 تبرير العبودية والرق علي أساس نظرية أرسطو, ونادي بانحطاط الهنود الحمر وفسادهم الطبيعي الوراثي, مؤكدا أنهم مخلوقات غير منطقية أو معقولة, وأنهم يختلفون عن الأوروبيين بقدر اختلاف الوحشية عن الوداعة, والقردة عن بني الإنسان.وقد ضاعف من غرور السلالات البيضاء وإحساسها بالرقي بالمقارنة بالسلالات الملونة, أنها تدين بالديانة اليهودية والمسيحية في حين الهنود الحمر والزنوج مازالوا علي وثنيتهم, ففي عام1852 نشر القس الأمريكي( جوسيا بريست) كتابا بعنوان تأييد من الكتاب المقدس للعبودية وهكذا بدأ التجسيد الحي لفكرة أمريكا دستور أمريكا الأول, شبه المهاجرون البروتستانت أنفسهم بالعبرانيين القدماء,حينما فروا من ظلم فرعون الملك الإنجليزي جيمس الأول وهربوا من أرض مصر( انجلترا) بحثا عن أرض الميعاد الجديدة وبالمشابهة التي لايوجد أمة علي وجه الأرض مسكونة بهاجسها كالأمريكيين, أصبحت مطاردة المهاجرين البروتستانت للهنود الحمر, مثل مطاردة العبرانيين القدماء للكنعانيين في فلسطين, وكان المستعمر البرتستانتي المتهود, يقتل الهندي الأحمر علي أنه كنعاني( فلسطيني) وكان يفكر في عالم دون هنود, مثلما كان العبرانيون يفكرون في عالم دون كنعانيين,إنه بحق الاستيطان والإحلال والاجتثاث والإبادة إذن من جورج واشنطن الي جورج بوش الإبن والذي كان جده عام1859 جورج بوش الجد قد كتب كتابا,شكك فيه بالإسلام, العقيدة والنبي والرسالة والنغم واحد, وأن اعتراه بعض التغيير فتلبية لمتطلبات الظروف كما يقول منير العكش في دراسته فكرة أمريكا فإن المهمة تظل كرنفالات الإبادة للأغيار الأخرين, فالنهم الأمريكي القيامي لسفك دماء الشياطين, يخلق لديهم أبدا ذهنية المأزق, فالقراءات الدرامية للنصوص التوراتية والجوع المرضي لرؤية مابعد التاريخ, لابد أن تصنع عدوا كونيا يتقمص ويتناسخ في جميع الأغيار, هذا وتفرز ذهنية المأزق جميع المبررات التنظيرية لممارسة العنف الأقصي حيث الإبادة عقاب من الله علي أيدي مختاريه من( الانجلو ساكسون والعبرانيين) ويقول المؤرخ الأمريكي( مارتن مارتي) عن لواعج الأمريكيين المعتقدية: إنهم مثل اليهود مسكونون دائما بهاجس الخطر الذي يهدد وجودهم وثرواتهم, إنه خطر الهنود الحمر وخطر الكاثوليك وخطر الإسلام وخطر الايديولوجيات الخارجية وخطر المهاجرين الغرباء وجميع هذه الأخطار تتلاحق زرافات ووحدانا إنهم يبدأون بإطلاق النار علي الشياطين من حملة هذه المخاطر,ويعلقون علي صدور الجثث بطاقة تقول: لقد كان دائما في حالة دفاع عن النفس هذا هو القاسم المشترك بين النفسية الأميريكية والنفسية اليهودية المتوهجة بسعير الدمار والكراهية, وكما يعلق روبرت فولر في كتابه تسمية الدجال إن الأمريكيين والعبرانيين بحاجة دائمة إلي استحضار الشيطان, والحديث عن خطره المصيري, الذي يتطلب فلسفة أمنية متطورة تقتل حتي بمجرد الظن, وعلي كل حال فإن هؤلاء الأنجلو ساكسون والبروتستانت متجذرون ثقافيا من تراث توراتي, يمدهم بفضاء واسع من استعارات عمياء وما أن تتصل هذه الاستعارات ولو بالمصادفة بحادثة تاريخية كالسبي البابلي, أو بزعيم من بلاد مغايرة كصدام حسين, حتي يصبح سفك الدماء عملا مقدسا, ويتابع فولر قائلا: ما كان لهذه الاستعارات القيامية لتتجذر في الأدب السياسي الأمريكي, لولا ذلك التشابك المعقد بين فكرة أمريكا المختارة, ومملكة الله اليهودية التي تتطلب تجميع اليهود في فلسطين, ويترتب علي ذلك فعل بشري يتمثل في حفلات صيد الشياطين, الذين يعيشون مؤقتا في خريطة أرض إسرائيل وجوارها...إن هذا ليس من فعل اللوبي اليهودي في أمريكا, بل إن العلاقة المصيرية في أمريكا وإسرائيل لها امتدادات تاريخية ومعتقدية, قبل قيام إسرائيل وبعد قيامها.أن هذه اللمحة علي ايجازها هي في غاية الأهمية, حيث تلقي أضواء كاشفة علي الفواجع التي نعيشها اليوم, والتي سببها التحالف الشيطاني الأمريكي الصهيوني وهي أشبه بتلك التي جرت للهنود الحمر, كما أن هذه اللمحة تتضمن سجلا وافيا من الانفجارات من الهذيان الصادرة عن فكر شاذ, تقمص غالبية رؤساء أمريكا مثل: جون آدمز, توماس جيفرسون, كوينسي آدمز, جون تايلر, جيمس بولوك, وليم تانت, ودورولسون, كالفن كولدج هاري ترومان, جيمي كارتر, رونالدريجان... وحسب مايذكر الأستاذ حمدان حمدان في كتابه علي أعتاب الألفية الثالثة كلها أسماء لامعة في الخطابين السياسي والديني دون تمييز, ولعل الرؤساء الأقرب إلي تاريخنا هما: رونالدريجان المسكون بهاجس معركة هرمجدون والمؤمن بنفس العقيدة التي تقول بالرجعة الثانية, وجورج بوش الابن, الغارف في مستنقع فكر جده السالف ذكره- وتأثير أقطاب المسيحية الصهيونية من مساعديه( ديك تشيني ورامسفيلد وكونداليزارايس) وهكذا يمكننا أن ندرك وبسهولة بالغة مصداقية مابثه موقع( ويكيليكس) ذلك أن السلوك الذي اقترفه بوش لايستمد أصوله من الخطاب التوراتي فحسب بل يستمده أيضا من أصول نازية, وقد وصف الفيلسوف المجري البارز( لوكاتش) دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بالكلمات التالية: في فترة مابعد الحرب اقتنصت أمريكا موقع القوة الامبريالية الرئيسية في العالم, شاغلة بذلك موقع ألمانيا النازية في الماضي.واستطاعت الطبقة المسيطرة في هذا البلد الحفاظ علي الأشكال الديمقراطية الشرعية بدرجة ناجحة الأمر الذي مكنها من إقامة ديكتاتورية الرأسمالية الاحتكارية بنجاح مماثل لما فعله هتلر باستخدام وسائل القمع والاستبداد, وهذه الديمقراطية أفلحت في تحقيق كل ماسعي إليه هتلر, إن العدل والحرية والديمقراطية بالمفهوم الانجلو ساكسوني الصهيوني تعني: سنسقط أي نظام في أي مكان, إذا لم يتماش مع سياستنا أو يحقق مصالحنا حتي ولو كان ديمقراطيتنا, وهاهو جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكية الأسبق يقول: إذا كان مقدرا للاستراتيجية الأمريكية أن تبقي بمنأي عن الفيروس الذي أكل الإمبراطوريات والذي يسمونه التاريخ فيجب عليها أن تنشر الجثث الإقليمية في كل مكان علي امتداد العالم كله, من أجل أن تستعملها بأصابع مدربة في استهلاك أصحاب العظام الساخنة والأفكار الساخنة.