بعد ان اعلنت النتائج, ووسط هدير أتباعه رجالا ونساء لم يجد الرجل العجوز الفائز باكتساح دون أن يكون هناك منافس, من كلمات سوي ان يقول: لقد فزن رغم انف الامبريالية الأمريكية الصهيوينة وعملائها المحليين في إشارة الي حزب العدالة والتنمية ويبدو ان نجم الدين اربكان اراد ان يستفز من كانوا تلاميذه ومريديه, إلا ان هؤلاء فضلوا الصمت فالتعليق من شأنه ان يعلي قيمة كلام هو في الاصل لاشيء. فسعادات وفق رؤاهم وهم محقون في ذلك, ليس منافسا البتة, فهو كان قبل سنوات في ذيل قائمة الاحزاب السياسية والفضل كان يعود لاربكان ذاته, وعندما جاء الدكتور نعمان علي سدته نفخ فيه الروح وراح يطفو علي السطح ليحتل مكانة متقدمة نسبيا في استطلاعات الرأي العام, لكن البروفسير استاذ الجامعة فشل في ان يصمد امام الاعيب الحرس القديم, ورغم انه فاز في انتخابات المؤتمر العام الطارئ التي جرت يوم11 يوليو الماضي, الا أن الخوجة الكبير واستنادا الي اخطاء اجرائية شابت التصويت في ذاك المؤتمر تمكن من الحصول علي حكم قضائي باعادة الانتخابات من جديد, أمام هذا المشهد قدم توركلموش إستقالته, وقريبا جدا سيعلن أسم حزبه الجديد الذي انضم تحت لوائه بالفعل جحافل المنشقين المنسحبين وهم رفقاؤه في سعادات السابق, ليعيد مع اختلاف التفاصيل سيناريو كان الرئيس التركي الحالي عبدالله جول هو بطله, عندما اراد قبل اكثر من عشر سنوات ان يقود الفضيلة, وكاد ينتصر لولا الضغط الرهيب الذي مارسه المؤسس اربكان ابو الاحزاب السياسية ذات الميول الدينية, فما كان من جول إلا الانسحاب وبالاشتراك مع رفيق دربه رجب طيب اردوغان اسسا العدالة الحاكم, وهو مايعني ان تركيا وللمرة الاولي في مسيرتها الكمالية سيتحرك علي ارضها وبشكل علني ثلاث قوي خلفيتها دينية واضحة وصريحة. ومن ثم يصبح السؤال ما الذي يدفع اربكان الي هذا التشبث ولماذا وصف توركلموش بالخائن؟ وهل يأمل الرجل في ان يعود مجددا الي صدارة الحياة السياسية ويعيد عقارب الساعة الي الوراء, وتحديدا في الانتخابات المبكرة والتي جرت يوم الخامس والعشرين من ديسمبر قبل خمس عشرة سنة وفيها جاء حزبه الرفاه في المقدمة متجاوزا كافة الاحزاب العلمانية؟ وبعدها بستة شهور كاملة شكل حكومة اتلافية دامت في السلطة عاما واحدا وذلك للمرة الاولي في مسيرته! فمنذ انشقاق جول واردوغان عن الفضيلة الذي صار اسمه سعادات لم يسمع عنه احد الا مع كورتولموش الذي قاد انقلابا في الحزب تخلص فيه من رموز الحرس القديم مستبدلا اياهم بقيادات شابة يحدوه أمل في أن يكون منافسا قويا للعدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المفترض اجراؤها منتصف العام القادم وكان يعتقد ان يبارك اربكان هذا المسعي علي خلفيه عدائه للعدالة غير ان الاخير كان يريد ان يحتل ابنه بلال وزوج ابنته الصفوف الاولي توطئة لسيطرتهم علي مقاليد الامور في الحزب وهو ماقاومه توركلموش. وهكذا أصبح الصراع مكشوفا بين تقليديين وحداثيين, لكن الشيء الملفت والمثير في آن هو موقف الحكومة, فطبقا لتسريبات تناثرت من أروقة اهل الحل والعقد بدا هناك قلق يظهر رويدا رويدا في أفق الباشباكنلك مقر مجلس الوزراء فصعود توركلموش أزعج القيادات بشدة, في السياق ذاته نزلت أنباء انقسام سعادات بردا وسلاما علي قلوبهم, اخيرا تنفسوا الصعداء, فتأخير انطلاق الخصوم الذي يتحركون علي نفس الارضية الدينية امر مطلوب. ان شخصية كورتولموش تشكل المنافس الاسلامي الاصلاحي الجديد الاقوي لحزب العدالة بزعامة رجب طيب اردوغان خاصة وانه لايميل الي الديماجوجية وتتسم اقواله بالاعتدال وتصرفاته بالهدوء دون انفعال مرحبا بالنقد ايا كان, والأهم من كل ذلك ايمانه بحتمية الانفتاح علي العالم الغربي عامة, والولايات المتحدة خاصة, اما الدين فهو عنصر وثقافة مجتمعية الا انه لايجب ان يكون معيارا لتقييم علاقات تركيا بالخارج ولتنفيذ ذلك يتبع نهجا مبنيا علي حركة سياسية تتواكب مع اسلوب للتحرك الاجتماعي في محاولة لكسب المزيد من الاصوات. ويمكن ان نخلص الي القول بان انقسام سعادات قد يكون عاملا إيجابيا فهناك من يراهن علي اسهامه في الحد من زحف عدالة اردوغان التي باتت جامحة دون وجود مبررات لذلك, وبالتالي ومع حزب آخر يدشنه توركلموش لن يكون هناك صوت واحد بالحياة الاسلامية السياسية التركية, اي ان المرحلة القادمة قد تحمل العديد من المفاجآت, اما اربكان وجلوسه علي كرسي السعادات فلاتفسير له سوي البقاء باي ثمن.....!!