الحدث الأهم الذي تابعته الشعوب العربية من المحيط إلي الخليج لم يكن في صدور البيانات الرسمية الصادرة عن القمتين اللتين شهدتهما مدينة سرت الليبية, وانما في تلك اللقاءات التي جمعت الزعماء والقادة وقد التفوا حول الرئيس مبارك في لقطات معبرة, ليس فقط حبا واحتراما وتقديرا, ولكن ايضا ادراكا بأنه وحده برؤيته الثاقبة وبصيرته السياسية هو الذي يستطيع أن يقودهم إلي طريق النجاة مما يحاك من مخططات وأطماع باتت مكشوفة ومعلنة ومعروفة للجميع. لقد جاءت القمة العربية الاستثنائية في وقت تقف فيه المنطقة بأسرها أمام منعطف تاريخي بالغ الخطورة, وقد يتصور البعض أن مثل هذه الكلمات والأوصاف باتت مكررة ويكثر استخدامها في الكثير من المناسبات, ولكن نظرة سريعة تعطينا الدليل القاطع علي ما نقول, ابتداء بما يجري داخل الأراضي المحتلة من عمليات تهويد واستيطان وطمس للهوية الأصلية والعربدة في محيط المسجد الأقصي مع استمرار الحصار والممارسات القمعية ضد الشعب الفلسطيني, مرورا بلبنان الذي ينتظر تقرير مصيره علي ايدي التدخلات الخارجية ما أكثرها والنزاعات الداخلية التي بلغت ذروتها, وامتلأت براميل البارود عن اخرها ولم يبق سوي عود ثقاب واحد حتي يحدث الانفجار المروع. وهل يمكن أن ننسي العراق الذي يدخل إلي مرحلة أسوأ وأشد سوادا مما عاناه في سنوات صدام والغزو الأمريكي وقد أينعت رءوس الفتنة ولا تجد من يقطفها بل والشواهد كلها تشير إلي من يغذيها سعيا إلي الهيمنة وبسط النفوذ, والأوضاع في اليمن والسودان وبلدان اخري ليست بأقل خطورة لو تواصلت التفاعلات السلبية التي تهييء للقادم من الأحداث. ولعل من المناسب ان نعود بالذاكرة إلي فترة مضت غطت فيها السحب السوداء المنطقة نتيجة الحروب والعنف المتصاعد الذي وفر بدوره الأجواء لبذور الارهاب لكي تنمو وتزداد انتشارا, ووقتها ارتفعت الأصوات التي تنعي النظام العربي وتدعو علانية وبالتحريض المباشر إلي الارتماء في احضان القوي العالمية أو الاقليمية التي تستطيع من وجهة نظر أصحاب تلك الأصوات استعادة الحقوق العربية والانتصار لقضاياها المصيرية. في تلك الحقبة التي لا تزال بقاياها موجودة حتي الآن, كان انعقاد القمة العربية مناسبة للتطاول والتشكيك والمجاهرة بالتشفي فيما وصلت اليه المنطقة من التردي والسخونة القابلة للانفجار دائما, وتسابقت بعض الفضائيات والصحف المعروفة بتوجهاتها لذرف دموع التماسيح علي ما أسموه العجز العربي الذي أرادوه واقعا لا يقبل الاصلاح ولا فائدة ترجي منه. كان الهدف ولا يزال اقتلاع العمل العربي المشترك من جذوره تماما كما حدث ويحدث في المحاولات المستمرة لزعزعة اليقين بالثوابت التي تقوم عليها المعتقدات والقيم والاعراف في المجتمعات وذلك بالاساءة إلي الرموز الدينية والتاريخية والسياسية والثقافية. ومن هنا تتضح الأهمية القصوي لتمسك الرئيس مبارك بمسمي الجامعة العربية لأن هذه الامة لا تبدأ من فراغ ولديها الرصيد التاريخي الذي يمكن البناء عليه تحديثا وتطويرا. والمعني الواضح للرؤية المصرية التي طرحها الرئيس مبارك أمام القادة والزعماء العرب وقد نالت موافقتهم, أن الرغبة في التقدم لا تعني بأي حال من الأحوال التخلي عن الثوابت والأرصدة التي لدينا, وأن الخطوة الصحيحة ينبغي أن تبني علي ما سبقها, ثم جاءت كلمات الرئيس المحددة والداعية إلي توحيد الصف العربي لمواجهة التحديات القائمة والقادمة علي حد سواء. ولا نبالغ في القول بأن القادة والزعماء العرب هم الأكثر ادراكا للأبعاد المهمة والدلالات التي تحملها هذه الدعوة وفي هذا الوقت بالذات. لم يعد أمام العرب سوي الاعتماد علي أنفسهم وعلي قدراتهم الذاتية وقد أثبتت الأحداث كل الأحداث أن الرهان علي الاستعانة بالقوي الخارجية مصيره الفشل, وقد يؤدي إلي عواقب وخيمة كما نراها في التطورات المتلاحقة حولنا, ولا يمكن التغافل عن واقع يؤكد وجود أطماع لاستنزاف ثروات وموارد المنطقة لتحقيق مصالح خارجية لا تأخذ في الاعتبار المصالح العليا لشعوب المنطقة. لقد رسم الرئيس مبارك طريق النجاة الوحيد بالعودة إلي الصف الواحد حتي لا تستباح القضايا العربية أمام الذئاب الباحثة عن فريسة سهلة, والدول العربية تمتلك بالفعل الامكانات التي تجعل منها قوي كبري يحسب لها ألف حساب عند اتخاذ القرارات الدولية. ولهذه الاعتبارات ايضا جاءت دعوة الرئيس مبارك أمام القمة العربية الإفريقية للمزيد من التعاون والتضامن, وعدم السماح بالوقيعة بين دولها لما بينها من روابط ومصالح حقيقية ليس من مفرداتها الجشع والهيمنة والاستغلال, وانما هو التاريخ المشترك في الكفاح والنضال من أجل الاستقلال والرغبة الأكيدة في النمو والازدهار والوصول إلي مستقبل أفضل تستحقه الشعوب العربية والافريقية بالاعتماد علي النفس وليس علي الاخرين, أيا كانوا ومهما كانت أقنعتهم التي يحاولون بها الخداع والتضليل. لقد تابعت الجماهير العربية وقائع جلسات سرت وخرجت أكثر اطمئنانا علي حاضرها ومستقبلها برؤية الرئيس مبارك المتتابعة ونظرته المتفائلة وحواراته المتتابعة مع القادة والزعماء والتي عبرت عنها لقطات مصورة قالت بما هو أعمق مما جاء في البيانات الرسمية.