مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يعد واحدا من المهرجانات السينمائية القليلة في العالم العربي التي تختص بسينما دول البحر المتوسط. المهرجان في الأعوام السابقة كان يعاني من العديد من السلبيات التنظيمية التي أفقدته مكانته كمهرجان مهم في عاصمة مصر الثانية, وهذا العام نجد أن هناك اهتماما ملحوظا من الدولة بالمهرجان في حفل الافتتاح بحضور وزير الثقافة, والنجم العالمي عمر الشريف, وبعرض فيلم الافتتاح المسافر من تأليف وإخراج أحمد ماهر في مرة من المرات القليلة التي يفتتح بها المهرجان بفيلم مصري, غير أن السلبيات التنظيمية تظل عنصرا أساسيا من عناصر المهرجان, فعروض الأفلام كانت تتم لعامة الجمهور بدون تذاكر أو بطاقات, وربما كان هذا الابتكار يهدف إلي زيادة الإقبال علي المهرجان, إلا أن قاعات العرض لم تكن ممتلئة في أي من العروض علي الإطلاق, هذا لم يكن فقط المشكلة الأساسية في المهرجان, بل إن اختيار الممثلة الشابة زينة لتصبح عضو لجنة التحكيم كان أمرا غير موفق علي الإطلاق, إذ أنها ليست بالخبرة الكبيرة في عالم السينما كي تصبح ممن يقيمون الأعمال السينمائية المنتجة في ثقافات متنوعة تبتعد نهائيا عن السينما التجارية المصرية التي اكتسبت منها خبرتها القليلة. إن هذه المشكلات التنظيمية لا تأتي بسبب قلة موارد المهرجان, أو عدم تنظيم الموارد فقط, بل إن هناك قصورا في تصور القائمين علي المهرجان لا يسمح لهم بأن ينظروا ويقارنوا بين المهرجان وأمثاله من المهرجانات الإقليمية الأخري, لتعود لمصر ريادتها الثقافية مرة أخري. توجه المهرجان الإقليمي جعل العديد من القضايا السياسية الخاصة بالمنطقة تسيطر علي بعض مضامين الأفلام السينمائية المعروضة, وكان أغلب تلك الأفلام يتضن قصصا متنوعة تدور حول الهجرة من جنوب البحر المتوسط لشماله, لعل أهم تلك القصص كان فيم مرحباWelcome تأليف وإخراج فيليب لوروريه, الذي يرصد تفاصيل معاناة رحلة يقوم بها فتي في السابعة عشرة من عمره يدعي بلال ينتقل من فرنسا إلي انجلترا. الفيلم يبدأ مباشرة علي هذا الفتي الكردي الذي استطاع أن يصل إلي تلك النقطة علي حافة القارة الأوروبية ويريد أن ينتقل إلي نقطة أخري وهي انجلترا, ومقصده النهائي هو لندن. يبدأ السيناريو غير مهتم بتفاصيل وصوله من شمال العراق إلي أوروبا, إنما المهم في هذه القصة هو الرحلة الصعبة المقبلة نحو لندن. غير أن العديد من المهاجرين غير الشرعيين أمثاله يسعون فقط لأن ينتقلوا إلي تلك الأماكن الأغني لمجرد البحث عن عمل أو حياة يتصورون أنها أفضل من العيش في دولهم, وربما أحيانا يكون هدف المخرج تبيان مدي المعاناة التي واجهت أبطاله في رحلتهم من موطنهم الأصلي إلي بلد المهجر, غير أنه في حالة فيلم مرحبا نجد أن المخرج يوغل في المشاعرية من خلال جعل بطله بلالا لا يريد الرحيل عن العراق إلا بهدف الوصول إلي محبوبته في الفيلم, بل إن هناك عدة عناصر وتفاصيل استطاع المخرج أن يدعم بها هذا الخط الدرامي الرئيسي. بداية الفيلم يتناول بعضا من تفاصيل حياة المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا, منها مثلا تجمعاتهم ومشاركة بعض الجمعيات التي تقدم لهم وجبات, ثم محاولات هرب بعضهم وكيفية الهرب عن طريق سيارات النقل بين فرنساوانجلترا, وكيف أن الهاربين يرتدون أكياس من البلاستيك حتي لا يكشف تنفسهم عن مكانهم في أثناء العبور من الحدود, فالأجهزة التي لدي الشرطة عند المعبر ترصد ثاني أكسيد الكربون داخل السيارة, وإذا قرأ الجهاز زيادة نسبة الغاز وسط البضائع فإن هذا معناه أن هناك أفرادا هاربين. الدراما في بقية الفيلم ممتعة, فبلال يفكر بعد فشل الهروب عن طريق البر في أن يسبح عابرا المانش, لكنه يحتاج إلي مدرب. هنا يتعرف علي سيمون مدرب السباحة, وهو رجل في الخمسين من عمره, وحيد بسبب أن علاقته بزوجته في طريقها إلي الانتهاء, غير أن المخرج ينسج العلاقة بميزان حساس, إذ أنه يقدم لنا حالة مشاعرية مرتبكة بين الصداقة والانفصال عند الزوجين حتي تصل إلي ذروتها في مشهد يقع في مساحة بين ممارسة الحب والاغتصاب, هذه التفاصيل الخاصة بالوحدة التي يعانيها المدرب هي التي تدفعه لتبني بلال وتدريبه لتحقيق حلمه علي الرغم من أنه يعلم أن هذا الحلم مستحيل, ومحاولة تحقيقه تعني أنه سوف يبعد عنه. الفيلم يتطرق لحالة العنصرية التي يعاني منها المهاجرون غير الشرعيين من الشرطة, ومن بعد المواطنين, وفي الخلفية نفهم أن تلك الأجواء تدفعها حكومة ساركوزي. فيلم آخر تناول هجرة أكراد إلي تركيا وهو خطوة نحو الظلام إخراج أتيل إيناس, فالفيلم يتناول فتاة كردية تدعي جنات قتلت عائلتها في قصف أمريكي في أثناء الحرب علي العراق ولم تستطع غير أن تهاجر إلي تركيا هي وبعض آخر من قري كردية منهم مقاتلون إسلاميون. سيناريو الفيلم يتناول خطا واحدا فقط, وهو رحلة تلك الفتاة بحثا عن شقيقها الذي أصيب إصابة بالغة في هذا القصف. لاشك أن المخرج وكاتب السيناريو أتيل إيناس قد استطاع في تلك المشاهد السابقة عن وصول جنات إلي اسطنبول قد رصد بشيء من الصنعة البصرية جماليات المنطقة بين كردستان العراق, وجنوب تركيا, وتلك الرحلة ومعاناة الانتقال في المرتفعات. تلك اللقطات والمشاهد أقرب إلي اللغة السينمائية المتميزة حتي مع وصول الرحلة الي بعض القرئ التركية الحدودية غير أن الفيلم لايقترب من الميلودرامية الشديدة في البداية علي الرغم من أن الحالة الوجدانية المركبة لدي البطلة بين الحزن العميق ومن فقدان الأهل والمكان فإنها تبحث عن أمل جديد وه وهو الشقيق الذي تعلم أنه وصل إلي اسطنبول للعلاج, إلي هنا يتحول الفيلم تحولا علي درجة شديدة من السخف والسذاجة عند مناقشة قضية الجماعات المسلحة الإسلامية, والتفجيرات الانتحارية التي تقوم بها في الأماكن السياسية والميادين العامة, إذ أن الفيلم يرصد كيفية تجنيد تلك الفتيات اللاتي فقدن أهلهن وأصبحن في حالة معنوية سيئة كي يفخخن أجسادهن والقيام بتفجير أمام القنصليتين الأمريكية والبريطانية في تركيا, ربما أكثر المشاهد إضحاكا في هذا الفيلم تلك التي يبالغ فيها إمام الجماعة الإسلامية في تعبيراته محاولا إقناع الحاضرين بقيمة العمل الجهادي, ومكانة الاستشهاديين, غير أن نهاية الفيلم تبدو هي الأكثر سذاجة وسوءا من مشاهد الفيلم ككل, وهو مشهد فشل جنات في القيام بالعملية الانتحارية نحو السفارة البريطانية في الوقت الذي يخرج فيه شقيقها من المستشفي بعد أن قيل لها إنه مات, ليمضي الاثنان من أمام بعضهما دون أن يلاحظا بعضهما في ازدحام مدينة اسطنبول. وربما يكون الفيلم البوسني علي الطريق للمخرجة ياسمينة زابانيتش قد اقترب من التطرف الإسلامي في أوروبا مثلما اقترب فيلم تركيا, لكنه رصده علي أساس أنه حالة من التحول الاجتماع العنيف من الإسلام كدين في المجتمع البوسني العلماني, ومن أن يكون فكرا وهابيا متطرفا يبتعد تماما عن سراييفوالمدينة الأوروبية. إن الفيلم يرصد في البداية بدقة شديدة علاقة مركبة بين فتاة تعمل كمضيفة طيران تدعي لونا وصديقها عمار, وهما معا يعيشان حياة كزوجين أوروبيين دون أن يكون بينهما عقد للزواج, وهذه سمة منتشرة في الحياة الأوروبية في المدن الكبيرة, أن يكون هناك شابان يعيشان مع بعضهما البعض كالزوجين تماما, غير أن العقدة الدرامية التي تسبب تحول تلك العلاقة هي أن يفصل عمار من عمله كمراقب طيران بسبب تعاطيه الخمور في أثناء العمل. الحالة النفسية السيئة التي يمر بها عمار بسبب فقدانه الوظيفة وفشله في البحث الدائم عن عمل تتسبب تعقد العلاقة بين الثنائي. إلي هنا فإننا أمام فيلم أوروبي إنساني متميز, غير أن الفيلم يتحول دراميا بصدفة مقابلة عمار مع صديق قديم له, فعمار كان مقاتلا بوسنيا في أثناء حرب يوجسلافيا الأهلية, وصديقه القديم هو رفيق سلاحه, غير أنه أصبح متطرفا إسلاميا ووهابي الفكر. النصف الثاني من الفيلم يقترب من نوعية الأفلام والدراما التليفزيونية التي ناقشت التطرف في مصر, وحالة الانعزال التي قامت بها بعض الجماعات الدينية مكفرة المجتمع المدني ومنشئة مجتمعا إسلاميا بديلا في مناطق نائية علي مبادئ تقترب من التصور المنقول لهم عن المجتمع العربي في صدر الإسلام القائم تحت قيادة شخص واحد هو الرسول أو خليفته. المخرجة ترصد تلك التفاصيل الحياتية في تلك المجتمعات بعد أن وجد عمار عملا له في أحد تلك المجتمعات وسرعان ما نكتشف حالة التكفير التي أصيب بها الفتي البوسني, والتي ما تسببت في أن تنتهي تلك العلاقة الحميمة بينه وبين صديقته, وأن تفقد لونا رغبتها في الإنجاب منه. إنها حالة للهجرة إلي تصور ما عن عصر ماضي, وثقافة قديمة. أما الفيلم المغربي المنسيون من التاريخThosewhohavebeenforgttenbyHistory للمخرج حسن بن جلون يقدم لنا قضية شديدة المباشرة والميلودرامية, وهي عن هجرة بعض الفتيات المغربيات إلي أوروبا عن طريق وسيط مغربي يقدم لهن التسهيلات للهرب, إلا أننا نكتشف أن هذا الوسيط ليس إلا فرد ضمن عصابة من مافيا الدعارة في العالم, وعملية التهريب هي نوع من الرق الأبيض. إن السيناريو يتناول محورين يتحركان متوازيين وهما: شاب من إحدي القري القريبة من فاس يهاجر مباشرة إلي بروكسل بحثا عن عمل, أما المحور الثاني في الدراما فهو صديقته وابنة قريته وهي تطرد من قريتها بعد أن يكتشف الرجل الذي تزوجها أنها ليست عذراء, وسرعان ما تقرر هي أن تذهب إلي حبيبها في بروكسل, وينتهي بها المطاف إلي أن تدفع للعمل في الدعارة. السيناريو ينتقل بالتتابع بين الاثنين ومعاناتهما كل في مكانه في المهجر. فالشاب يمثل نموذجا بكثير من العمال المغاربة المهضومة حقوقهم من قبل صاحب العمل, أما الفتاة فهي تواجه القمع والعنف من قبل رجل وامرأة قائمين علي تسريحها, غير أن نهاية الفيلم كانت أقرب من نهايات الأفلام الأمريكية بأن يذهب الشاب العامل المغربي لمواجهة العصابة كي ينقذ صديقته وحبيبته بعد أن عرف أنها وقعت في يد هذه العصابة. الفيلم كان واحدا من أضعف الأفلام المعروضة في المهرجان, إذ أن المشاهد يتوقع دائما الأحداث المتتالية في الفيلم, حتي مشهد انتحار إحدي فتيات الليل المغربية.