في أوائل التسعينيات وفي يوم من أيام شهر يوليو القائظ الحرارة كنت أختبئ معه من لهيب الشمس في المبني الاجتماعي لنادي الزمالك الذي تم هدمه بكل تاريخه وأصالته وذكرياته الجميلة, ودخل عليه إداري يستنجد به لإنقاذ معسكر الفريق في بورسعيد, وقال له إن لاعبي التنس في الأتوبيس ولا يوجد معه ثمن إيجاره, والسائق يرفض أن يتحرك دون أن يتسلم المبلغ ولا يوجد أحد في النادي الآن, فما كان من الرجل إلا أن وضع يده في جيبه وأخرج كل ما فيه من عملة مصرية وأعطاه للإداري الذي طمع في كرم الرجل فقال له إنه ستحدث مشكلة في الفندق لعدم تسديد الإقامة, فأعاد يده إلي جيبه وأخرج كل ما به من دولارات وقال للإداري: هذا كل ما معي.. أذهب لتغيير الدولارات وسافر باللاعبين, هذه الواقعة التي كنت شاهدا عليها منذ ما يقرب من20 سنة جعلتني أعرف عمنا جورج سعد علي حقيقته, وأدرك حجم الفارق بينه وبين غيره من الذين يدعون حب الزمالك, ويفضحونه عندما يقرضونه بشيكات يطلبون صرفها بمجرد أن يخرجوا من مجلس الإدارة!. وليس هناك معيار واضح وصريح يقاس به عطاء الرجال أفضل من كثرة العمل وقلة الكلام, وكان جورج سعد من هؤلاء الذين يعملون في صمت, ويعطون دون أن ينتظروا المقابل, ويشهد التاريخ أن هذا الرجل واحد من الزمن الجميل لرموز نادي الزمالك الذين أحبوا هذه القلعة الكبيرة حبا من القلب, دخل وخرج من مجلس الإدارة, ومن أمانة الصندوق, ولكنه لم يبتعد يوما عن نادي الزمالك ويفخر بأنه مشجع يشده إليه رباط مقدس. عمنا جورج سعد عرف نادي الزمالك وهو في أفضل أيامه, وشاهده لأول مرة منتصرا مزهوا عندما هزم الأهلي6/ صفر في ملعب العباسية بنهائي كأس مصر عام1944, ومن يومها وهو لا يصدق أن يري الزمالك في غير هذه اللحظات التاريخية والسعيدة, لذلك كانت دموعه تفيض كلما خسر الزمالك, وضاعت منه بطولة, وشاء القدر أن يرحل عن عالمنا حزينا علي حال الزمالك, قلقا علي مستقبله. كان كبير مشجعي الزمالك ينظم رحلات للجماهير إلي الإسكندرية وغيرها, ويطلق هتافات مدرسة الفن والهندسة, ويذهب وراء الفريق أينما حل, ويدعو له في أنفاسه الأخيرة أن يعود إلي سابق عهده.. رحم الله رجلا أخلص في زمن ندر فيه المخلصون, وأحب في زمن قل فيه المحبون.. وكل العزاء لنادي الزمالك في مصابه الأليم وفقدانه لواحد من أفضل الرجال.. وكل المواساة للدكتور عبدالله جورج سعد. [email protected]