كل المشكلات السياسية والاجتماعية شبكة واحدة لا تنفصل, هي سلسلة تقود كل حلقة فيها الي الحلقة التالية لتتشابك وتتعقد تلك المشكلات لتهبط بالمجتمعات اكثر فاكثر. هذه العبارة هي خلاصة كتاب الجنة تحت اقدامها للسياسية والناشطة والكاتبة الامريكية ايزوبيل كولمان الذي يقترب الآن من صدارة قائمة الكتب غير الخيالية الاكثر مبيعا بالولايات المتحدةالامريكية حسب تقديرات صحيفة الواشنطن بوست. تتناول كولمان مسئولة شئون المرأة والسياسة الخارجية في المجلس الامريكي للشئون الخارجية( وهو مؤسسة بحثية مستقلة) عبر كتابها وضع المرأة في خمس دول اسلامية هي السعودية والعراق وايران وافغانستان وباكستان وهي دول يتمتع وضع المرأة فيها بتحولات سريعة مع وجود تغيرات دائمة ومتقلبة في الوضع السياسي في هذه البلدان جميعها. في كتابها لا يوجد فصل واضح بين السياسة ووضع المجتمع حيث تبين كولمان انه في الدول التي يتراجع فيها وضع النساء يمكن بسهولة ومن خلال احصائيات دقيقة ملاحظة تفشي الفساد المالي والسياسي واتساع رقعة الفقر وتسيد الفكر الراديكالي المؤدي للارهاب بالاضافة لقمع السلطة وتراجع الديمقراطية, كل هذه الظواهر تدلل عليها كولمان من خلال شواهد رأتها في زياراتها للبلدان الخمس التي يدرس الكتاب وضع النساء فيها. وخاصة باكستان التي تقارن كولمان بين وضع المرأة فيها قبل عشر سنوات حيث تمكنت المرأة من الوصول لسدة الحكم( رئيسة الوزراء بينظير بوتو التي اغتيلت قبل عامين) وما كانت عليه الدولة وقتها من تقدم في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان بالاضافة لارهاصات لرخاء اقتصادي وجهود جادة لمحاربة الفساد وتقليص الهوة الاقتصادية والاجتماعية بين الطبقات. الا ان هذه الجهود وئدت جميعها مع تمكن الديكتاتورية العسكرية التي تتمكن من محاربة المد الراديكالي مما أدي لتراجع وضع المرأة ضمن حزمة التقهقر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي ضرب البلاد. مثال آخر تضربه ايزوبيل كولمان بإيران قبل وبعد الثورة الاسلامية التي ادت لانقلاب جذري في الاوضاع الاجتماعية والسياسة في البلاد, تقارن كولمان بوضع المرأة في ايران قبل الثورة وبعدها وان كانت تتوافر في الوضع الايراني خصوصية لا تتوفر في اي دولة اخري من الدول الخمس التي اخضعتها لدراستها, ففي ايران كانت الثورة بمثابة تصريح اجتماعي للنساء اللاتي نشأن في خلفيات محافظة كانت تمنعهن من الاندماج في المجتمع باعتباره مجتمعا كافرا او فاسقا علي احسن التقديرات, هؤلاء النسوة وقفن وقفة قوية في وجوه اسرهن المتشدد عقب الثورة نظرا للتحول الذي ينفي صفة الفساد الاخلاقي عن المجتمع مما يعطيهن رخصة للخروج والاندماج في الحياة رغم محدودية الفرص ونطاق الحريات المتاحة. وتنوه كولمان الي ان خروج هؤلاء النساء اضاف قوة جديدة دافعة لوضع وحريات المرأة في ايران رغم القوانين المكبلة التي تحظر انخراطهن في كثير من مظاهر الحياة العامة بل وجعلت الرجال ينضمون الي النساء في مطالباتهن بمزيد من فرص التأثير في التحولات الاجتماعية والسياسية. ويبدو ان كتاب كولمان الذي صدر في منتصف مايو و الماضي كان قد تم الدفع به الي المطبعة قبل المظاهرات التي اندلعت في ايران خلال الانتخابات الرئاسية الاخيرة احتجاجا علي ما رآه المعارضون من تزوير لارادة الشعب وفرض الرئيس الايراني احمدي نجاد علي صناديق الاقتراع. وكان الناس فيها هم الوقود الاكبر لتلك الهبة الشعبية التي وئدت من خلال قمع امني تمكن المتظاهرون من نقله الي العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي علي الانترنت رغم المحاولات الدائبة للحكومة الايرانية وقتها للتعتيم الاعلامي. وتصل كولمان الي انه علي الرغم من كل المحاولات المبذولة من جانب الحكومات التي تتسم في كثير من الاحيان بالفساد لتدعيم التيارات السلفية المتشددة التي ترسخ للانصياع للحكام الفاسدين استنادا الي بعض القراءات الدينية التي تعتبر من يعارض الحاكم خارجا علي الدين. الا ان هناك نشطاء لا تعنيهم السياسة يعملون علي معارضة ومعاندة هذه التيارات سعيا لتحسين اوضاع مجتمعاتهم من خلال تمكين النساء واتاحة المزيد من الفرص لهم للتعليم والعمل والصعود الاجتماعي ما يجعل مستقبل هذه الدول الخمس والدول الاخري التي علي شاكلتها في العالم الاسلامي داعيا للتفاؤل في ظل ثقافة تستطيع ان تتخلص من ترهل النصوص وتتذكر دوما ان الجنة تحت اقدام النساء.