«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة ثنائية بين قطبي البيت تسفر عن تزوير وتدليس وانفراد بعطلة الصيف

بعد فشل وقفتي الاحتجاجية ضد الظلم الواقع علي الزوجات والاستعباد الممارس من الأزواج الأسبوع الماضي‏,‏ والتي كادت تتحول إلي كارثة حين توافدت سيارات الأمن المركزي
وأحاط الجنود بالعمارة‏,‏ ونصحني عم أحمد البواب بالتعامل مع الوضع بقدر أكبر من التروي والحنكة‏,‏ عدت أجرجر أذيال الخيبة القوية إلي البيت‏,‏ وذلك بعد ما نكست لوحاتي الاحتجاجية وأسكت صيحاتي النارية‏.‏
وما أن دخلت البيت حتي فوجئت بزوجي يرحب بي قائلا‏:'‏ أوعي تفتكري إن أنا زعلان من الحبتين القرعة اللي إنت عملتيهم‏!‏ أنا راجل ديمقراطي وإحنا متفقين من الأول إن كل واحد في البيت ده من حقه يعبر عن نفسه بكل حرية واستقلالية‏.‏ وإنت عارفة يا حبيبتي إن أنا أكثر واحد متضامن مع حق المواطن في التعبير عن رأيه شرط عدم تجاوز حدود الأدب والذوق واللياقة‏!'‏
تذكرت مقولة عم أحمد بإن زوجي عنيد ويجب معاملته بكثير من الحنكة‏,‏ فسألته برقة مصطنعة‏:'‏ ويا تري يا حبيبي إيه هي حدود الأدب والذوق واللياقة؟‏'‏ رد بسرعة‏:'‏ يعني تعملي اعتصام علي باب المطبخ‏..‏ ماشي‏!‏ تقومي بوقفة احتجاجية قدام السفرة‏..‏ مقبول‏!‏ تنظمي مسيرة سلمية في الطرقة‏..‏ ما فيش مشكلة‏!‏ لكن تحاولي تشوهي سمعة البيت وتنشري الغسيل بتاعنا أمام إللي يسوي وإللي ما يسواش‏..‏ لأ‏!‏ دي مشكلة داخلية ولازم تتحل داخليا‏.‏ ولا تنكري إن أنا مكتبي مفتوح لك في اي وقت‏!'‏ أوشكت علي فتح فمي لأذكره بأن مكتبه هذا توقف عن أداء دوره منذ ما يزيد علي‏15‏ سنة‏,‏ وأنه أصبح خليطا من مقلب زبالة ووكر للخارجين علي القانون من الأولاد الراغبين في إجراء مكالمات هاتفية سرية أو الاطلاع علي مواقع إلكترونية غير مسموح بها‏,‏ ولكني تراجعت في آخر لحظة حقنا للسجال‏.‏ اكتفيت بأن أومئ برأسي في إشارة لشعوري بالامتنان والتقدير لكرمه ورحابة صدره رغم أن عناقيد الغضب وبراكينه كانت قد بدأت تتفجر في داخلي‏.‏
هنا طلبت منه تحديد موعد لعقد اجتماع ثنائي مغلق للتشاور في عدد من الأمور المعلقة التي يهمني البت فيها قبل انتهاء عطلة الصيف‏.‏ ظهرت علامات الملل وأمارات التأفف علي وجهه‏,‏ ولكني سارعت إلي طمأنته بأن الملفات التي أنوي طرحها علي طاولة المفاوضات ليست ذات طابع اقتصادي‏,‏ أو علي الأقل لا تحوي مطالبات مالية مباشرة‏.‏ سمعت صوته وهو يتنفس الصعداء واتسعت حدقتا عينيه وانبعجت جبهته‏!‏ وهما العلامتان اللتان تصاحبان الكلمات التي يتفوه بها ولا تمت بصلة لحقيقة شعوره‏?‏ وقال‏:'‏ وحتي لو في هناك مطالبات مالية أو مشاريع اقتصادية‏,‏ وماله‏.‏ أنا كلي ليك‏!'‏ مرة أخري كدت أستغل الموقف وأطالبه بمقدم السيارة الجديدة التي تداعب مخيلتي‏,‏ أو شاليه مارينا الذي أحلم به‏,‏ أو حتي قيمة فاتورة الكهرباء الأخيرة التي سددتها بعد ما وعدني برد المبلغ لي ولم يفعل‏,‏ ولكني تراجعت‏,‏ وقلت لنفسي أن المكاسب التي تأتي سريعا لا شك ستتبخر سريعا أيضا‏.‏ وحدد لي زوجي العزيز موعدا بعد أسبوع في الصالون متذرعا بأن‏'‏ غرفة المكتب‏'‏ قبلي‏,‏ ويبدو أنه أدرك أنها لم تعد مكتبا‏.‏
وفي الموعد المحدد توجهت إلي الصالون وأنا محملة بعشرات الملفات التي خططت لفتحها مع زوجي الديمقراطي‏.‏ ووصل هو بعد الموعد المحدد بما يزيد علي ساعة متحججا بالازدحام المروري الذي تسبب فيه تكدس الأولاد وأصدقائهم الذين تجمهروا أمام التلفزيون لمشاهدة مسلسل‏'‏ ميرنا وخليل‏'‏ التركي المدبلج‏.‏ وجدته هو الآخر محملا بتل من الملفات‏,‏ فتوجست خيفة‏.‏ وجلسنا وأنا أذكر نفسي بنصيحة عم أحمد البواب‏.‏
وبدات وقائع القمة‏,‏ إذ تركني زوجي أعرض جدول الأعمال‏:‏
أولا‏:‏ إلغاء مبادرة أربعة في واحد
المطالبة بوقف العمل بهذه المبادرة فورا والتي هدت حيلي وكسرت شوكتي‏,‏ إذ إنني أقوم بخدمة الجميع رغم أن كلا منهم قادر علي خدمة نفسه‏,‏ أو علي الأقل المساهمة بقدر من الجهد في أعمال البيت‏.‏
ثانيا‏:‏ تعميم مبدأ التهييس للجميع‏.‏
فالتهييس لا يمكن أن يظل حكرا علي الذكور دون الإناث‏,‏ فحين يكون هو عائدا من العمل وشايل طاجن جدته الله يرحمها‏,‏ يجد أنه من حقه أن ينزل بعد الظهر يهيس حتي يفك عن نفسه‏,‏ وهو الحق الذي يحرمني منه رغم أنني أعود من العمل حاملة طاجن جدتي وجدي وعمي وخالي وخالتي وكل أفراد العائلة‏.‏
رابعا‏:‏ تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية وتعميم مبدأ التكافل
فمن غير المعقول الإبقاء علي هذه الفروق الاجتماعية الشاسعة في داخل حدود البيت الواحد‏,‏ لا سيما وأننا ننتمي إلي الجيل الذي كتب العشرات من مواضيع الإنشاء عن أهمية إذابة الفوارق بين الطبقات‏,‏ وضرورة أن يعطي الغني الفقير تحقيقا لمبدأي التكافل واتقاء عين الفقير المئورة والمدورة‏.‏ وبمعني آخر أن يقوم زوجي طواعية بتخصيص نسبة من راتبه الشهري كمنحة لا ترد لي‏,‏ وذلك حتي نكون علي قدم المساواة اجتماعيا واقتصاديا‏,‏ لا سيما في ضوء العلاوة الأخيرة التي حصل عليها‏.‏
وقبل أن أنطق ب‏'‏خامسا‏'‏ كان زوجي قد بدأ يعبر عن تململه بشتي وسائل التعبير الحركي والانفعالي واللاشعوري‏,‏ فما كان مني إلا أن توقفت استعدادا لاتهامه بالازدواجية والمعاملة الفوقية وانتقاص الليبرالية وخرق الديمقراطية واتباع مبادئ الإمبريالية‏,‏ لكنه قال لي بهدوء‏:'‏ دعينا من الكلام النظري هذا‏.‏ لدي مقترحات فعلية قابلة للترجمة علي أرض الواقع‏.‏ دعيني أعرضها عليك قبل أن نهدر الوقت في هذا التنظير الأدبي الذي لا طائل من ورائه‏,‏ وخلينا نتكلم كلام رجالة‏'.‏
ابتلعت غصة الغضب من تلك الملحوظة الذكورية العنصرية‏,‏ وقلت في بالي‏:'‏ الغاية تبرر الوسيلة‏!‏ خلينا لما نشوف آخر كلام الرجالة‏!'‏
قال زوجي عندي ثلاث مسائل رئيسية‏,‏ أولها الإجازة‏,‏ وثانيها مصروفات البيت‏,‏ وثالثها العلاوة‏.‏ انفرجت أساريري وانبعجت بشدة‏.‏ إذن لقد اسفرت جهودي العاتية ومحاولاتي المتلاحقة وأفكاري المتجددة في أن يراجع زوجي نفسه‏,‏ ويقرر أن يحقق لي ولو جانبا من مطالبي المشروعة‏.‏ سكت تماما واسترخيت علي كرسي الصالون وأنا أمني نفسي بالاستماع إلي تفاصيل خطته الذهبية التي ستحقق لي نقلة نوعية حقيقية‏.‏ ليس هذا فقط‏,‏ بل راودتني فكرة حاولت جاهدة أن أطردها خوفا من أن تتمكن مني وأجدني أعكسها من خلال كتاباتي ومناقشاتي وأخسر بذلك علاقاتي ومصادري التي بنيتها عبر السنوات في الجمعيات الحقوقية النسوية والمؤسسات الخيرية المطالبة بالقضاء علي صنف الرجال‏.‏ قلت لنفسي‏:'‏ يبدو أن أسلوب الرجال العملي في التفكير‏,‏ والابتعاد الذكوري عن اللف والدوران‏,‏ والميل الطبيعي الرجالي للإنجاز علي أرض الواقع عناصر إيجابية بالفعل وتستحق البحث والدراسة‏.‏
وبدا زوجي يعرض خططه الثلاث‏.‏ قال‏:'‏ أبدأ بالإجازة لأنها قاربت علي الانتهاء‏,‏ فها هو شهر رمضان لم يتبق عليه سوي أسابيع معدودة‏,‏ ولم ننعم بمصيف أو فرصة للاسترخاء هذا العام‏.‏ ونظرا لظروف الأزمة المالية وأثرها علي الاقتصاد العام‏,‏ وارتفاع الأسعار وتأثيره السلبي علي القوة الشرائية‏,‏ والسحب علي المكشوف من المخزون الاستراتيجي القابع في دفاتر التوفير بعد ما تكالب المدرسون الخصوصيون علينا في نهاية العام الدراسي الماضي‏,‏ فقد فكرت في أن نقوم بعمل قرعة علنية لاختيار شخص واحد فقط من البيت ليتوجه إلي المصيف‏,‏ علي أن تعاد التجربة في العام المقبل لاختيار عضو آخر لينعم بالمصيف‏.‏ وبهذه الطريقة‏,‏ نكون قد حققنا مبدأ مراعاة الجودة العالية والنوعية المميزة في المصيف‏,‏ وذلك بدلا من أن نتوجه جميعا إلي مصيف أي كلام لفترة قصيرة‏.‏ وقد قمت بالفعل بالحجز في فندق خمسة نجوم لمدة أسبوع كامل ستذهب لمن يكسب في القرعة‏'!‏ تضايقت بعض الشيء من أنه قد فكر وقرر ونفذ دون أخذ رأيي‏,‏ ولكنني قررت أن أتمسك بتفكيري الإيجابي‏.‏ وقلت في عقل بالي‏:'‏ ولي لأ؟‏!‏ ما يمكن أكسب أنا وأنعم بهذه الإجازة اللوذعية بعيدا عن قرف العيال‏,‏ وطلبات زوجي‏,‏ وحر القاهرة ورطوبتها الخانقة؟‏!'‏
ويبدو أن زوجي استشعر ما كنت أفكر فيه‏,‏ فوجدته يخرج من جعبته صحنا وفيه أوراق مغلقة قال لي إن كلا منها يحوي اسما لواحد من أفراد الأسرة‏.‏ وضمانا للشفافية‏,‏ دعاني لأسحب أنا الورقة التي أختارها‏.‏ تقدمت إلي الصحن بقلب مرتجف ويد مهتزة‏,‏ وتوكلت علي الله وسحبت إحدي الورقات‏,‏ وفتحتها وأنا أمني نفسي بأكلة السمك علي الكورنيش ومذيلة بطبق أرز باللبن بالمكسرات‏,‏ وافقت من حلمي وأنا أتهجي اسم زوجي‏.‏ يا للهول‏!!‏ كانت الصدمة قاسية‏,‏ ولكن ما العمل؟‏!‏ لقد وقعت الفأس في الرأس‏,‏ ولن أتمكن من أن أقول ثلث الثلاثة كام‏.‏ فقد اقترح اقتراحا ووافقت عليه‏,‏ فلا مجال للطعن في دستوريته‏.‏ حتي الاختيار‏,‏ لا مجال لتوجيه تهمة التزوير له‏,‏ فقد قمت بنفسي باختيار الورقة‏!‏ كظمت غيظي‏,‏ وبلعت كمدي‏,‏ ومنيت نفسي بالبندين الثاني والثالث‏,‏ فهناك الكثير مما يمكن أن أفعله بالزيادة المتوقعة في الموارد المخصصة لمصروف البيت‏.‏وسرحت قليلا‏,‏ فمن الممكن أن أستثمر الفائض من المصروف في البورصة‏,‏ أو أشغل جزءا من المصروف المودع لدي في مشاريع ذات ربحية عالية‏.‏ وبعدين مش بيقولوا إن الحكومة بتعمل كده في أموال المعاشات‏,‏ يبقي ما حدش أحسن من حد‏.‏
قطع زوجي حبل أحلامي بقوله‏:'‏ نيجي بقي للموضوع الثاني ألا وهو مصروف البيت‏.‏ طبعا حجز أسبوع كامل فطار وغذاء وعشاء في فندق خمس نجوم علي البحر ده مش أمر هين‏,‏ صحيح إن القرعة رسيت علي‏,‏ لكن طبعا ده ما كانش مخطط لي أبدا‏.‏ المهم إن موضوع الإجازة ده هيحتم علينا ربط الأحزمة علي البطون الثلاثة أشهر الجايين لأنه هاضطر آسفا لتخفيض قيمة مصروف البيت إلي النصف‏'!(‏ وهنا اختلس نظرة إلي وجهي الذي تغير لونه من حمرة الغضب إلي زرقة كتم الانفجار واستطرد‏:'‏ ويمكن كمان أكثر شوية من النصف‏'.‏
بدات أمسك رأسي‏,‏ ثم بطني‏,‏ ثم قلبي‏.‏ ويبدو أن زوجي استشعر أنني علي وشك إما أن أفقد وعيي فأقذفه بما تطوله يدي‏,‏ أو أن أقع مغشيا علي‏,‏ فسارع بعرض البند الثالث‏,‏ والخاص بالعلاوة‏.‏ كان هذا هو الأكل الأخير المتبقي لي‏.‏ أكيد سيعلن الآن أنه قرر التنازل لي عن قيمة العلاوة بالكامل‏,‏ علي الأقل حتي لا‏'‏ أبص‏'‏ له في الإجازة الميمونة‏,‏ أو أرفع عليه قضية في محكمة لاهاي الدولية بسبب حكاية تقليص الإنفاق‏.‏ قال بجبروت وقدرة يحسد عليهما‏:'‏ أما العلاوة التي حصلت عليها أخيرا في العمل‏,‏ والتي لا أنكر إنها علاوة محترمة‏,‏ فقد هداني تفكيري بعد طول بحث وتقص إلي فكرة عبقرية‏.‏ فقد قررت أن أتعامل معها وكأنها مش موجودة علي أن أدفعها قسطا شهريا في شيء ملموس ومحسوس‏'.‏ بدات الدموية تدب في وجهي مجددا‏.‏ أخيرا سيعوض ربنا صبري خيرا‏.‏ راودني شعور قوي أنه قد اشتري لي السيارة إياها التي أحلم بها‏,‏ وأن قيمة العلاوة ستسدد ضمن القسط الشهري‏.‏ وهنا وقف زوجي‏,‏ وجذبني من يدي بحنان ورقة غير معهودين منذ فجر زواجنا‏,‏ وقادني نحو النافذة‏.‏ وحين اقتربنا وأنا كمن تم تنويمها مغناطيسيا طلب مني أن أغلق عيني‏,‏ ففعلت‏,‏ وفتح النافذة وطلب مني أن أفتحهما وهو يشاور بيده علي السيارة الحلم‏.‏ هي هي تقف أمام البيت كالعروس‏.‏ أخذت أصفق وأتنطط وكأن مسا من الجنون قد أصابني‏.‏ ولم أتوقف إلا حين قال زوجي‏:'‏ أنا كنت متأكد إنك هتفرحي علشاني‏!‏ تعالي بقي أخذك لفة بعربيتي الجديدة لأني هأسافر بيها بكرة الإجازة علشان ألينها‏!'‏
وجدت يدي تتسلل إلي الصحن الزجاجي الذي يحوي أوراق القرعة وفكرت أن أقذفه به‏,‏ إلا أن هاتفا ما جعلني أفتح بقية أوراق القرعة‏.‏ فتحت أول ورقة‏,‏ وجدت اسم زوجي مقيدا بها‏.‏ ما هذا؟ اسمه مكتوب مرتين؟ فتحت ورقة أخري‏,‏ فوجدت اسمه مجددا‏,‏ وهكذا حتي تجسدت الماساة أمامي‏.‏ لقد شربت المقلب‏,‏ بل وساهمت في تجسيده وبلورته‏.‏ طلعت مغفلة بالفعل‏,‏ ولكن للاسف أن القانون لا يحمي المغفلين‏,‏ ولا يسفرهم لقضاء عطلة علي شاطئ البحر ولا حتي علي الترعة‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.