الضحايا التسعة الذين ضحوا بحياتهم في المواجهة مع القوات الإسرائيلية علي متن السفينة مرمرة قدموا خدمة لا تقدر بثمن للقضية الفلسطينية كلها ولقضية غزة المحاصرة بوجه خاص. أرواح الضحايا التسع أتاحت للعالم مشاهدة الوحشية الإسرائيلية عارية بلا غطاء يسترها, فكانت ردة الفعل القوية التي ظهرت تجلياتها في صحافة العالم وشوارع مدنه الكبري وحتي في مجلس الأمن. حتي أكثر أصدقاء إسرائيل إخلاصا والتزاما لم يجرؤ علي الدفاع عنها في وجه موجة الانتقادات العاتية, فإسرائيل المتورطة في قتل المدنيين العزل باتت أشبه بالمصاب بمرض معدي لا يريد حتي أقرب أقربائه الاقتراب منه وإلا أصابته العدوي القاتلة. الأثر الذي أحدثه الاعتداء الإسرائيلي علي قافلة الحرية علي سمعة ومكانة إسرائيل في العالم يذكرني بالأثر الذي أحدثته الانتفاضة الفلسطينية الأولي, عندما تصدي الآلاف من الشباب الفلسطيني المسلح بالحجارة لجيش إسرائيل المدجج بأحدث الأسلحة وأكثرها فتكا. مشهد الشباب الفلسطيني وهو يتلقي الرصاص في صدره من دبابات الاحتلال ردا علي حجارة تعلن الاحتجاج والمقاومة أكثر مما تعلن الرغبة في القتل والإيذاء كانت له قوة طاغية غيرت رؤية العالم لإسرائيل والفلسطينيين والصراع بينهما. إنها القوة الأخلاقية والسياسية التي يولدها الكفاح غير العنيف ضد قوي احتلال غاشمة ومتفوقة عسكريا, والتي عاد المناضلون علي متن سفن قافلة الحرية لتوظيفها لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته. متابعة وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل في الغرب خلال الأيام المنقضية منذ الهجوم الدامي في البحر المتوسط تبين حرص وسائل الإعلام هذه بخبث شديد علي حرمان الفلسطينيين من أي مكسب يمكن لهم أن يجنوه من وراء المواجهة الدامية. تعمد إظهار مشهد الجماهير الغاضبة في العواصم الإسلامية وهي تحرق علم إسرائيل وتهتف بغضب' خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود', ومعها مشهد وكلمات الخطباء الغاضبون المطالبون بالجهاد والحرب, كل هذه المشاهد يتم بثها بخبث لتأكيد مزاعم إسرائيل عن أمنها الذي يهدده المتطرفون الإسلاميون في غزة والعالم الإسلامي. تركيز وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل علي مشهد النساء المنتقبات المشاركات في المظاهرات وعلي الرجال ذوي اللحي الكبيرة غير المهذبة, كل هذا مقصود من أجل خلق مسافة نفسية وسياسية بين المشاهدين في أنحاء العالم والشعب الفلسطيني والمسلمين عامة. أتمني ألا تضيع أرواح شهداء أسطول الحرية هباء بسبب حماقة البعض منا وفشلهم في إخفاق طبيعة اللحظة وطبيعة النصر الذي أتي به المناضلون في البحر للمحاصرين في الأرض.