بدت مصر في نظر' العوام' من أبناء الشعب التركي دولة قاسية مفترية لأنها تغلق ابواب الرحمة عن البؤساء في غزةالمدينة المكلومة بجحود أرض الكنانة وصمت العرب المخزي والصحف القريبة من حكومة العدالة والتنمية والتي تتحدث باسمها لم تشأ تصحيح اللغط وبيان اوجه العوار في حوار البسطاء بعضهم البعض بل تمادت مستغلة العواطف المشبوبة وغليان أفئدة الاسر التي فقدت أبناءها في قافلة الحرية لتصب الزيت علي النار فما كان يعنيهم صورة حكومتهم الإسلامية الابية وهي تصارع الطاغوت الصهيوني كان هذا هو المشهد الغاضب والمحتج ضد القاهرة وسوف يزداد كثافة مع التوغل شيئا فشيئا بعمق الاناضول. ففي أنقرة وبمحطتها الكبيرة للسكك الحديدية وخلال انتظار القطار القادم من أسطنبول والمتجهه إلي أقصي الشرق, لاحظ مسافرون وجها غير مألوف ورغم أنه يحمل الجنسية التركية إلا أن سماته تؤكد أنه غريب وما أن عرفوا أنه في الأصل مصري لم يخفوا سخطهم وغضبهم من الساسة في مصر, وكان سؤالهم الاستنكاري لماذا لا يفتحون المعبر والأدهي أن بعضهم جنح قائلا باستغراب حتي الأنفاق يتم تدميرها من قبل السلطات المصرية وبالطبع كان لابد من التوضيح والحديث. وخلال الرحلة الطويلة والتي امتدت يوما كاملا بدا للكثيرين كم هي الحقائق المغلوطة, وللأمانة فالشطط الذي كان عاليا صار يدنو منحصرا يقابله قدر من التريث ومحاولة لفهم الحاصل بأبعاده الحقيقية لكن هذا لم يمنع من صرخة انطلقت من أحد المسافرين, مؤداها ان تركيا قادرة بعون الله علي القضاء علي الدولة العبرية في أقل من شهر. وفي عربة الطعام كانت هناك كلمات وجمل اتسمت بالصراحة قالت وهي حزينة أن البلاد سائرة في الاتجاه الخاطئ المثير أنه بالتزامن مع المكاشفة ظهرت عناوين من الميديا المرئية بنفس العربة تتساءل: تركيا إلي أين تذهب؟؟ وعندما وصل القطار إلي ارزروم معلنا نهاية الرحلة في مساء يوم الجمعة, وجد المرء الناس بالمقاهي يلتفون حول التلفاز يسمعون بشجن خطاب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والتي جاءت كلماته هادرة من مدينة كونيا وسط الاناضول معقل الاسلاميين تدين الآلة العسكرية الإسرائيلية العمياء وتندد بكل من وصفوا حركة حماس بالارهاب مشيرا إلي أن زعمائها اعتلوا الحكم بعد انتخابات ديمقراطية, لكن اللافت أن هؤلاء وبعد أن صفقوا بحرارة اكتشفوا علي حين غرة أن الدولار واصل ارتفاعه مقابل تراجع العملة المحلية ومعها البورصة التي اغلقت علي تناقص في تعاملاتها نهاية الاسبوع. وها هم أهل أرزروم يستيقظون علي ما نشيتات الصحف وقد حملت ما هو غير متوقع: قنبلة مدوية فجرها شيخ النورسية أكبر الطرق الصوفية في عموم الاناضول فتح الله جولين صاحب العشرات من المدارس الدينية والجمعيات الخيرية في قري ونجوع وريثة الامبراطورية العثمانية, والذي يديرها من خلال منفاه الإختياري في الولاياتالمتحدةالأمريكية. نعود إلي القنبلة وشظاياها الانشطارية, فالرجل المخضرم انتقد الحكومة مؤكدا أنه كان يجب الحصول علي موافقة مسبقة من اسرائيل قبل ارسال المساعدات الانسانية واضاف في تصريحاته لجريدة ويل ستريت جورنال الأمريكية ونقلتها الميديا المقروءة أن هناك إصرارا لدي الساسة الذين يتولون دفة الأمور بخلط الدين في السياسة والدليل علي ذلك حملة المساعدات الانسانية لغزة التي جلبت البلاء علي تركيا, والمرحلة القادمة قد تحمل ما هو أسوأ. التصريحات هزت اركان حزب العدالة الذين كانوا يتوقعون العكس تماما بيد أن بولنت يلدرم رئيس الجمعية صاحبة التخطيط لقافلة الحرية اعرب عن صدمته, أما' زيد اصلان' رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية التركية الفلسطينية فقد تمني أن يكون ما نسب للشيخ الجليل أسيء ترجمته. أنها أحلام اليقظة, فالتراجع السريع عن كل المواقف العنترية بات محتوما لصالح البلاد والعباد فنامق طان السفير التركي في واشنطن حتي وان سرد عددا من الشروط كي يعود الهدوء إلي العلاقات مع الدولة العبرية إلا أنها كانت من باب حفظ ماء الوجه لحكومته لأنه يدرك تماما أن تل أبيب لن تعتذر, وبدوره خفف بولنت ارينتج العضو الثالث في المثلث الحاكم الآن بجانب عبد الله جول واردوغان نبرة التصعيد ولأن أرزروم مدينة تعتمد علي السياحة الشتوية فضلا علي أنها مقبلة علي تنظيم بطولة التزحلق علي الجليد الدولية للجامعات الشتاء القادم فقد تنفس القائمون عليها الصعداء وهم يسمعون تصريحات وزير الثقافة والسياحة آرطغرول جوناي وفيها اعرب عن ثقته في أن الاسرائيليين سيعودون إلي مدن الاناضول مرة اخري خلال الاسابيع القريية القادمة.