مضي أكثر من أسبوعين علي خروج الشعب المصري في26 يوليو لتفويض الجيش والشرطة في التصدي لإرهاب جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها, ممن سرقوا فرحة المصريين بعيد الفطر وقبلها بشهر رمضان, وراحوا يكرسون لتقسيم البلاد تحت أعين الحكومة الانتقالية عن طريق إقامة التحصينات والدشم في جمهورية رابعة والنهضة بزعم منع فض الاعتصامين غير السلميين بالقوة, بعدما فشلت الوساطات الماراثونية التي قامت بها علي مدار الأسبوع الماضي كل من كاثرين آشتون الممثل الأعلي للشئون الخارجية والأمنية في الاتحاد ووليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكية, وعضوي مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين وليندساي جراهام, إضافة إلي وزيري خارجية قطر والامارات العربية المتحدة ممن التقوا بقيادات الإخوان في السجون أو تحت التحفظ, لكنهم اصطدموا جميعا بحالة العناد والانكار التي تتلبس الإخوان وتجعلهم يعيشون علي وهم عودة مرسي وإلغاء ثورة30 يونيو التي فجرها الشعب واحتضنها الجيش. هذا الفشل كان وراء بيان الرئاسة المصرية الذي حمل الإخوان مسئولية عدم التوصل إلي تسوية سلمية تحفظ لهم ماء الوجه أمام أنصارهم الذين خدعوهم وغسلوا أدمغتهم عبر إقناعهم بالبقاء في رابعة والنهضة لحين عودة مرسي لمنصبه في تعام كامل عن رؤية تطورات المشهد علي الأرض وإدراك تجاوب العواصم العالمية مع الثورة وليس آخرها اعتراف الادارة الأمريكية بأن ماحدث في30 يونيو ثورة شعبية.. اعتراف دفعها إلي النأي بنفسها عن تصريحات ماكين وجراهام في ختام زيارتهما للقاهرة, مما يعني سقوط رهان الإخوان علي تدخل أوباما لإعادة مرسيهم. هذا التطور يعني أن الإخوان سدوا كل الطرق نحو فض اعتصامي رابعة والنهضة عبر التفاوض, حقنا لدماء المصريين التي يفترض أنها أكثر حرمة عند الله من هدم الكعبة, وبالتالي لم يعد أمام الحكومة الانتقالية من سبيل سوي فضهما بالطرق الأخري قبل أن تتآكل ثقة ملايين المصريين التي فوضت الفريق أول السيسي في التعامل مع الإرهاب الذي تمثله منصتا رابعة والنهضة, إذ لايستحيي القائمون عليها من نشر الأكاذيب والشائعات التي تضر بالأمن القومي المصري وصورة مصر في الخارج, وبالتالي فإننا نعتقد أن صبر الحكومة المصرية علي هذا الوضع لن يطول مثلما جاء في بيان الرئآسة, خصوصا وأن الاعتصامين تعديا كل خطوط السلمية. إننا نعلم أن المهمة ليست سهلة وتتطلب إجراء حسابات دقيقة تتعلق بالداخل والخارج لكننا نعلم أيضا أن الارادة الشعبية التي جسدها الملايين الذين خرجوا في مليونية التفويض, ينبغي ألا يطول بهم الانتظار قبل أن تعود الأمور إلي طبيعتها في رابعة والنهضة وسائر الميادين التي تحولت إلي مأوي للمحرضين والكارهين لكل ماهو مصري, فضلا عن تحولها إلي ملاذ للمطلوبين للعدالة من عينة صفوت حجازي ومحمد البلتاجي وعاصم عبدالماجد. ومع تسليمنا بأن وزارة الداخلية التي ألقي علي عاتقها مهمة فض الاعتصامين, تظل صاحبة الحق في تحديد ساعة الصفر وخطة التعامل مع المعتصمين بأسلوب علمي يحرص علي أن تكون العملية أقرب إلي جراحة نظيفة, وبأقل قدر من الخسائر لاعتبارات عديدة أهمها أننا نعارض إراقة الدماء المصرية بأيدي مصريين, فضلا عن حرمان الإخوان من الذريعة التي تصور الشرطة المصرية في صورة من تقتل شعبها, ونعتقد أن زيارة الدكتور حازم الببلاوي في أول أيام العيد للأمن المركزي وتناول الإفطار مع عناصره يأتي في اطار الاستعداد لتنفيذ المهمة التي يتطلع الشعب المصري إلي انجازها بفارغ الصبر. لقد فاض بنا الكيل من نشر الأكاذيب ليل نهار من رابعة ومن لغة التحريض التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأبسط معاني التعقل وإلا فما معني أن يصعد منصة رابعة طفل يزعم أنه حفيد عبد القادر عودة ويردد عبارات لا يعرف معناها, وما معني أن تطل علينا زوجة الرئيس المعزول مرسي في أول أيام عيد الفطر لتنقل سلامه إلي الحضور من الأهل والعشيرة رغم اعترافها بأنها لم تتصل به أو يتصل بها, لكنها لغة القلوب والبشارات والملائكية وتغييب العقل التي يروجون لها من منصة رابعة. وفي هذا العالم الذي لايعترف بالعقل, لاعجب أن يخرج علينا خطيب رابعة ليقول بالفم المليان: لن ننصرف إلا جثثا هامدة وهنا قطعة من الجنة, ولم يتورع صاحبنا عن وصف المعزول بالقائد الرباني, ولايختلف الدجل الذي يمارسه قادة الإخوان علي منصة نهضة مصر عما يجري في رابعة حيث قال أحدهم لوزارة الداخلية: احذروا غضب الصعيد لو قمتم بفض الإعتصام بالقوة. ماذا ننتظر أمام هذا الجنون الذي يمارسه الإخوان ظنا منهم أنهم قادرون علي إعادة عقارب الساعة إلي الوراء, أو كسر إرادة الشعب التي خرجت عليهم في30 يونيو؟ لقد فشلوا في الحكم وفي إدارة الدولة بطريقة تحافظ علي تماسك شعبها وترعي مصالحها العليا وبدلا من أن يسلموا بإرادة المصريين ويعيدوا مراجعة حساباتهم وتلافي أخطائهم, إذا بهم يضعون أنفسهم وجها لوجه مع الجميع متناسين أنه لم يسبق أن فرضت جماعة نفسها علي الأمة مطلقا. لقد سبق أن طالبنا المسئولين في هذا المكان الأسبوع الماضي بالتعقل والحكمة وعدم التعجل بشأن فض الاعتصامين غير السلميين, أملا في أن تؤتي المبادرات السياسية أكلها ونجنب البلاد نزيف المزيد من الدماء والمرارات والانقسامات, وبحثا عن عقلاء في صفوف الجماعة ينقذون ماتبقي لها من مصداقية بين المصريين لكن رهاننا ذهب أدراج الرياح مع تعنت الإخوان وتعلقهم بالمستحيل, ومن ثم فلا نملك إلا أن نطالب الحكومة الانتقالية, حفاظا علي مصداقيتها أمام شعبها والعالم بالحسم وأن تتحرك قدما علي طريق فض الاعتصامين بكل الطرق سلمية أو غير سلمية, لأن أي خسائر من فضهما تظل أقل من خسائر بقائهما وتحولهما إلي قبلة للوافدين العرب والأجانب وهو مايتعارض مع أبسط مبادئ سيادة الدولة وهيبتها التي طال غيابها. إن اليوم هو يوم الحسم وتفعيل التفويض الشعبي للجيش والشرطة في التصدي للإرهاب الذي تمثله اعتصامات الإخوان ومسيرات استعراض القوة وحملات الإغارة الليلية علي الآمنين والمسالمين, فلم يعد مقبولا التهاون مع هذه التجاوزات التي يحاكم عليها القانون. إن التهاون مع مايحدث في رابعة والنهضة ينقل رسالة سلبية عن مصر في الخارج ويصور الحكومة الانتقالية في صورة رخوة, مترددة, عاجزة عن المواجهة واتخاذ القرار, وليس أسوأ علي الأوطان من الميوعة وعدم الحسم مع قضايا تهدد الوطن في حاضره ومستقبله, فثورة30 يونيو هي تعبير عن إرادة الشعب ولانملك رفاهية أن تفشل مهما يكن الثمن, ولتكن البداية بإسقاط جمهوريتي رابعة والنهضة غير الشرعيتين, وإظهار العين الحمراء لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن تحت ذرائع كاذبة وافتراءات باطلة. لقد جربنا منذ30 يونيو لغة العقل والمنطق لإقناع الإخوان بخطورة مخططهم وضرورة تغليب لغة العقل, لكن دون مجيب, والآن جاء وقت الحزم والشدة وبدون ذلك فإن مصير الثورة وإرادة المصريين ستواجه خطرا كبيرا.