السياسة صنعت شرخا كبيرا بين المصريين, أحدثت تشظيا حقيقيا وانشطارا مجتمعيا في ظاهرة خطيرة غير مسبوقة, حتي علي مستوي الأسرة الواحدة. هذا ليس لأن السياسة شر لابد منه كما يردد البعض, ولكن لأن فهمنا لطبيعة الممارسة السياسية والعمل الحزبي مازال دون الحد الأدني الذي يحفظ الود رغم اختلاف الرأي. الجهل بالسياسة هو سبب مانحن فيه من انقسام وصل إلي حد الكراهية والقطيعة التامة أحيانا بين الأخ وأخيه, يضاف إليه حالة التجهيل والتضليل الإعلامي التي مورست علي أعلي المستويات من قبل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة علي السواء, مازاد من حالة التصلب الفكري وضيق الأفق وعدم قبول الآخر. لابد أن نقرر أيضا أن الصراع السياسي بين القديم والجديد, بين نظام حكم استمر ثلاثين عاما وثار عليه الناس, وحالة ثورية تصر علي تحويل مصر إلي دولة ديمقراطية عصرية هو ما بلور هذا الانقسام في صورته الراهنة, وعزز من الفرقة بين أبناء الوطن, ولكن المثير للدهشة أن قطاعا ممن لاينتمون لنظام المخلوع مبارك لم يقدروا حسابات اللحظة وتعرضوا لاستقطاب حزبي وسياسي غير مدركين لطبيعة التغيرات المتسارعة يوميا, فتورطوا رغما عنهم فيما لاينبغي أن يتورطوا فيه وأصبحوا مصنفين كجزء من الثورة المضادة, رغم أنهم كانوا من أنقي ثوار25 يناير. هؤلاء ساندوا التغيرات الدراماتيكية التي حدثت بعد30 يونيو2013 ظنا منهم أن إقصاء السلطة المنتخبة ووضع خارطة طريق مغايرة لواقع ماقبل30 يونيو سوف يحل مشاكل مصر, إلا أن التطورات الحاصلة علي الأرض أكدت أن المشاكل تتعقد, كما أن الانقسام والشقاق يتعمق, وهو مابدا واضحا في أن المختلفين سياسيا صلي كل فريق منهم عيد الفطر في مكان يخصه وحده في نطاق القرية الواحدة والحي الواحد والمدينة الواحدة. هل من حل لمشكلة الانقسام والفرقة المجتمعية التي تتعمق يوما بعد يوم بسبب نكد السياسة؟ تقديري أن هذه المشكلة لن تدوم طويلا, لأن نسيج المجتمع المصري واحد, ليس فيه عرقيات ولا إثنيات ولا اختلافات جوهرية تحول دون بقاء هذا المجتمع متماسكا كما كان منذ فجر التاريخ. وبلا شك أن لدي كل فرقاء السياسة علي كل المستويات رصيد من المحبة والود والذكريات والمعايشة الطيبة التي تحول حتما دون انفراط عقد المصريين وتبدد وحدتهم, وواجب اللحظة هو أن يراجع كل من تسبب في حالة الانسداد السياسي الحالية نفسه ويثوب إلي رشده ويعترف بأخطائه, لأن الرجوع إلي الحق والصواب سيجنب البلاد مزيدا من الفتن ويحمي دماء المصريين الغالية من أن تراق مجددا. والمؤكد أن الاستقرار السياسي علي أسس الشرعية والديمقراطية الصحيحة سوف ينزع فتيل الأزمة الراهنة التي تمر بها مصر, والبداية بالتراجع عما اتخذ من خطوات بعد30 يونيو وإعادة الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي إلي منصبه ثم استمرار العمل بدستور2012 وعودة مجلس الشوري المنتخب إلي العمل, ومن ثم تطبيق خارطة الطريق التي أعلنها مرسي في28 يونيو الماضي, من تشكيل لجنة مصالحة وطنية ولجنة لتعديل المواد المختلف عليها في الدستور, وتشكيل حكومة تكنوقراط لحين انتخاب مجلس النواب الجديد الذي ستشكل أغلبيته الحكومة بشكل سياسي لتحد من صلاحيات الرئيس بشكل غير مسبوق وفق ماجاء في الدستور, الذي هو الضمانة الوحيدة لعدم الإقصاء وضمان حقوق الجميع. دون ذلك سنظل نراوح مكاننا وسوف نخسر المزيد من الوقت والجهد والمال والأنفس, وسوف تتعمق الفرقة ويزيد الانقسام, لأن محاولة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح والترهيب لن تنجح أبدا, بعدما تذوق الشعب طعم الحرية وعرف كيف يدير أموره سياسيا. [email protected] رابط دائم :