أثار عزوف وتجاهل الشباب للمشاركة بالجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، الجدل حول أسباب هذا العزوف، الذى فجر جدلًا آخر بدوره بين الشباب المسيس حول تسمية موقفهم من الانتخابات هل هو مقاطعة أم تجاهل لها. وما بين أكثر من "هاشتاج" تم تدشينها على مواقع التواصل للسخرية من العملية السياسية برمتها، ومن العزوف الشعبي عن الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية التى انتظرها المصريون طويلاً، تحت اسم "محدش راح" و"بدل ما تنتخب،" وبين تحميل المسئولية للنظام أو الأحزاب السياسية يشتد الجدل حول تفسير الشباب لحالة العزوف الشعبي ودلالاته، ومدى تأثير صوتهم وحملاتهم الفردية التى دعوا خلالها لمقاطعة تلك الانتخابات قبل أن تبدأ بشكل فردى على مواقع التواصل. وهل يعنى ذلك أنهم خاصموا السياسة ردًا على منعهم من التواجد بالشارع بقوة قانون التظاهر وبسبب ما يصفونه بالتضييق على المجال العام.ربما يكون ذلك هو التفسير الذى وصف به البعض المشهد الحالى وغياب الشباب منه إلا أن ذلك تناقض مع ظهور عدد كبير من الشباب أمام نقابة الصحفيين رافعين أعلام فلسطين، منددين بما يحدث من انتهاكات إسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية فى نفس التوقيت الذى كانت تجرى فيه الانتخابات البرلمانية التى شهدت غيابهم عن اللجان الانتخابية. يرى عبدالمنعم إمام الأمين العام لحزب العدل، وأحد أبرز شباب الثورة بالمحلة فى تصريح ل"بوابة الأهرام"، أن عزوف المواطنين وبينهم الشباب عن المشاركة بالانتخابات البرلمانية نتيجة طبيعية لحالة الإحباط واليأس التى تولدت عند قطاعات كبيرة من المجتمع بسبب الإحباطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكُفر الشباب بأن صوته مؤثر وقادر على إحداث فارق. يعتبر إمام أن ذلك العزوف الواضح بمثابة جرس إنذار للدولة والقيادة السياسية، وأنه إذا استمر عزوف المواطنين فى المرحلة الثانية سيؤدى ذلك لوجود برلمان منقوص الشرعية مثله مثل مجلس شورى 2012 الأمر الذى سيؤدى لاختلال أداء البرلمان، رافضاً تفسير سبب العزوف كاستجابة لدعوة البعض للمقاطعة ، مؤكدًا أنه لم توجد دعوة سياسية ملموسة من هذا النوع يمكن التعويل عليها وأن الأمر لم يخرج عن كونه دعوات بمبادرات فردية . وبحسب ما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات فإن عدد الناخبين فى محافظات المرحلة الأولى بلغ 27 مليونًا و402 ألف و353، ومن أدلوا بأصواتهم 7 ملايين و270 ألفًا و594 ناخبًا، بنسبة مشاركة 26.56 %. وأكد شادى الغزالى حرب، مؤسس تيار الشراكة الوطنية والعضو السابق بائتلاف شباب الثورة المنحل أن الشعب قاطع الانتخابات البرلمانية كقرار نابع منه وليس تأثراً بأى دعوات سياسية أطلقها البعض للمقاطعة، معتبرًا أن ذلك يؤكد عدم انفصال الشباب الداعى للمقاطعة عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن الشارع كما يعتقد البعض. وأضاف :"فى ظل ما شهدناه في العامين الأخيرين حول قوانين الانتخابات ودعم الدولة لقائمة بعينها ودعوات تعديل الدستور، فالمواطن البسيط قد يرى أن البرلمان المقبل "مالوش لازمة"، لأن الدولة تختار من تريد وتعمل ما تريد وتعدل الدستور من أجل مصلحة الرئيس والنظام، ولن يحدث أي فارق لصالح المواطن المطحون وغلاء المعيشة لأنه لو كان المواطن لديه ذرة أمل أن البرلمان سيغير من وضعه للأحسن كان شارك بالتصويت". وحمل شادى النظام الحالى مسئولية فقدان المواطنين الأمل فى التغيير بسبب انسداد الحياة السياسية ، مضيفًا "النظام يتحمل المسئولية والبرلمان المقبل سيكون أسوأ من برلمان 2010 وسيثبت ذلك عمليًا ليس فقط بسبب وجود القوائم والأحزاب التى تخرج من الأجهزة الأمنية ولكن بسبب المناخ السياسي الذى افرزه بحسب قوله. وتمثل الانتخابات البرلمانية التي تأخرت طويلاً الخطوةالثالثة والأخيرة في خارطة طريق أعلنها الجيش عقب عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي دام عامًا، وذلك بعد تعديل الدستور وإجراءالانتخابات الرئاسية. وبدوره اعتبر محمد نبيل، عضو المكتب السياسي لحركة 6 إبريل التى أسسها أحمد ماهر، أن الحركة تفاعلت مع المزاج العام للشعب بتجاهلها للانتخابات، وعدم تدشينها لحملات تدعو لمقاطعتها، مضيفاً:" برغم شعبية الرئيس المنتخب وتفويض الشعب له ودعوته الشعب للخروج للتصويت إلا أن الإحباطات المتتالية التى تلقاها الشعب هى السبب بداية من جهاز معالجة الإيدز وفيروس سي مرورًا بالعاصمة الجديدة ومشروعات المؤتمرات الاقتصادى وأخيرًا إيرادات قناة السويس الجديدة كل هذا جعل الشعب يفقد الثقة ويشعر أنه انضحك عليه"، بحسب تعبيره. ورفض نبيل من يتصور أن ضعف المشاركة الشعبية فى التصويت هو بداية لثورة شعبية، مؤكدًا " من يتصور ذلك ويهلل لمقاطعة الناس للانتخابات مخطىء لأن الشعب زهق من الجميع بمن فيهم القوى الثورية لذا فعلى شباب الثورة تنظيم صفوفهم والالتحام بالشعب والتعلم منه لأننا جميعًا أخطأنا فى حق الشعب عندما دخلنا فى صراعات سياسية بعد 25 يناير ونسينا مطالبه الاجتماعية والاقتصادية، وقد حاولنا فى الحركة إصلاح هذا الخطأ بالتركيز على تلك المطالب أخيرًا ". وانتقد حمدى قشطة، المتحدث باسم حركة 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية)، بعض الشباب الذين يعتبرون ضعف الإقبال على المشاركة بالانتخابات استجابة لدعواتهم للمقاطعة، مضيفًا " سيبوا الشعب فى حاله هو عارف بيعمل إيه، نحن لم ندع للمقاطعة والشعب عمل اللى شايفه صح وفى مصلحته ونرفض من يزايدون عليه ". وأضاف :"سواء كانت مقاطعة أو تجاهلًا فقد كان ذلك بناءً على رؤية الشعب للوضع السياسي وأنه يرى أنه لا يجوز أن يأتى برلمان بهذا الشكل وأنه لن يمثله، وعلى جميع القوى الثورية أن تسير خلف الشعب وتتركه يقود". وبحسب تصريحات هالة يوسف،وزيرة الدولة السابقة للسكان فى يونيو الماضي فإن عدد السكان فى مصر ارتفع إلى حوالى 88 مليونًا بما يمثل 25% من سكان المنطقة العربية، ويمثل الشباب تحت سن 30 حوالى 62%.. ورفض طارق الخولى، مؤسس شباب الجمهورية الثالثة والمرشح بقائمة فى حب مصر، من يفسر ضعف الإقبال على الانتخابات بأنه استفتاء على شعبية الرئيس والنظام، مؤكدًا أن الدولة قامت بدورها على أكمل وجه، ووفرت كل المقومات كى تهيئ إقامة الانتخابات فى بيئة سليمة سياسياً وأمنياً، يأمن فيها المواطن على نفسه خلال التصويت، بالإضافة إلى أن الناخب ينزل من أجل انتخاب برلمان يراقب الرئيس والحكومة . وأضاف الخولى: "هناك من يصطاد فى الماء العكر من بعض الأحزاب والقوى الشبابية التى لم تشارك فى أى استحقاق منذ 30 يونيو، ويتبنون شعار المقاطعة دومًا فهؤلاء لم يشاركوا فى بناء مصر، ودعواتهم تمتزج بدعوات الخارج، وسياسة الولولة والدعوة للخراب لا تبنى دولة ولا نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا". واتفق الخولى مع بعض التحليلات التى ترى أن سبب ضعف الإقبال عدم توعية الناس بالنظام الانتخابي الجديد وحيرة الناس بسبب كثرة المرشحين، إلا أنه يعتبر السبب الرئيسي هو ضعف الأحزاب السياسية، وعدم قدرتها على التواجد بالشوارع والأحياء، واعتمادها على الشللية وسيطرة الانقسامات الداخلية مما جعلها بيئة طاردة للشباب، برغم كونها القناة الطبيعية للممارسة السياسية. وأكد أن المال السياسي كان من أحد معوقات الشباب عن المشاركة بالانتخابات، بسبب ضعف إمكاناتهم. بينما يختلف معه زياد العليمى،عضو الهيئة العليا بالحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، رافضاً تحميل الأحزاب المسئولية، مؤكدًا أن الأحزاب لن تقوى إلا من خلال تواجدها بالبرلمان والمحليات، وهذا ما تفتقده مصر خلال الأعوام الأخيرة، مشيرًا إلى أن قانون التظاهر والتضييق الذى يشهده العمل العام صعب على الأحزاب تنظيم فعاليات بالشارع. وأضاف العليمى:"كيف تعمل الأحزاب بالشارع ولدينا قانون يحاكم الناس بالسجن 15 و20 عامًا لمجرد نزولهم الشارع سلميًا، فالعملية السياسية بدون ضمانات فالداخلية صاغت قانون الانتخابات، وهى التى تعطى التصريح لتنظيم مؤتمرات ومسيرات شعبية، والبرلمان المقبل لن يكون كبرلمان 2010 برلماناً لرجال الأعمال، بل سيكون برلماناً لرجال الأمن "، بحسب قوله. وأعرب العليمى عن دهشته من النخب التى تدعو الشباب للنزول والمشاركة فى نفس الوقت الذى استمرت فيه خلال الأعوام الأخيرة فى تشويههم وتخوينهم، مضيفًا " الدولة تصمت على تخوين الشباب وتشويهه منذ 30 يونيو، والآن تدعوهم للمشاركة ..بأى منطق؟ ..لن يقبل الشباب بأن يكونوا مجرد ديكور يتم استدعاؤهم فقط، لممارسة حقهم فى التصويت، بينما تتم مصادرة حقوقهم الأخرى، والشباب خلاص ساب البلد للنظام فليديرها كما يحب"، بحسب تعبيره. وتابع " عزوف الناس عن المشاركة جاء لأسباب سياسية واقتصادية وللأسف فى ظل ما يحدث الناس فقدت الأمل فى أن يأتى التغيير عبر المسار السياسي الطبيعى بسبب مصادرة الدولة له، وخطورة ذلك فى أنه يدفع الناس للخروج مستقبلًا لتغير بأنفسها كما حدث فى 25 يناير و30 يونيو والأخطر أن يلجأ البعض للتطرف ". من جهته قال الدكتور ماجد عثمان رئيس مركز بصيرة لدراسات الرأى العام، إن نسبة الشباب المقيدة أسماؤهم بكشوف الناخبين في الانتخابات تبلغ 37% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 – 30 سنة. وأضاف في تصريحات سابقة له، أن المركز رصد أن نسبة الشباب المشاركين في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية بلغ 21%، لافتًا إلى أنَّ هذه النسبة تعني أنَّ القوة التصويتية انتقلت لمن هم أكبر سنًا.