حرية التعبير المطلقة حق يصعب انتزاعه ممن أدمن استخدامه، هكذا اعتزم المدونون المصريون الذين لم يعرفوا قيودا أو خطوطا حمراء على مدوناتهم عدم التفريط فى هذا الحق، ولعل هذا ما تسبب للعديد منهم بالصدام مع النظام السابق، حيث تم اعتقال العديد منهم أكثر من مرة واتهام البعض بالعمالة تارة وخدمة عدد من الأجندات الخارجية تارة أخرى والبعض الآخر تم سجنه بسبب كتاباته على مدونته. وانطلاقا من هذا الحق، ولأن فى عالمهم لا توجد خطوط حمراء؛ دشن المدونون بالأمس الاثنين 23 مايو حملة للتدوين عن المجلس العسكرى وأداءه كحاكم للبلاد رافضين اعتبار الكتابة عنه "خط أحمر"، وشددوا على الفصل بين مهمة المجلس الحالية كمدير لشئون البلاد، وبين القوات المسلحة المصرية التى يقدرونها، موضحين أن حملتهم تستهدف انتقاد وتقييم أداء المجلس بصفته يتولى سلطة الحكم حاليا وليس بصفته العسكرية استنادا إلى حقهم فى انتقاد السلطة أيا كانت. وقوبلت الحملة بإقبال شديد وشارك بها مئات المدونين والناشطين المصريين سواء من شارك بتدوينة كاملة عبر مدونته أو بتدوينة مصغرة عبر موقع التدوين المصغر تويتر، كما تم تدشين صفحة على موقع "فيسبوك" لجمع التدوينات كافة التى كتبها المدونون على مدار يوم كامل كانت محصلته أكثر من 300 تدوينة كاملة تم رفعها على المدونات وأضعاف هذا العدد من التدوينات المصغرة التى تم نشرها عبر تويتر. وشارك فى الحملة مدونون من أعمار مختلفة، شباب وفتيات، دون معظمهم بالعربية واستخدم البعض الآخر الإنجليزية وقد تنوعت تدويناتهم مابين انتقاد الأداء السياسي للمجلس العسكرى وبين انتقاد أدائه الاقتصادى أو حتى خطابه الإعلامى، كما اكتفى البعض بتوجيه أسئلة واستفسارات رأى أنها تشغله وتشغل الرأى العام الذى يحتاج إجابة شافية عليها من المجلس العسكرى فى ظل ما اعتبروه غموضا وتعتيما، بعضها يتعلق بموقف المجلس من الثورة والثوار قبل إعلان مبارك تنحيه، والبعض الآخر يتعلق ببعض القرارات التى اتخذها المجلس منفردا بعيدا عن فتح أى حوار مجتمعى حولها خاصة بعض القوانين التى تم إصدارها مثل قانون منع التظاهر والاعتصام وقانون مباشرة الحقوق السياسية وهو ما اعتبروه انفرادا بالسلطة من قبل الحاكم مستنكرين استمراره بعد الثورة التى قامت من أجل أن تكون السلطة للشعب. وكتبت إحدى المدونات ساخرة من عدم إشراك الشعب فى اتخاذ بعض القرارات "طب نخلي وضع الدستور الجديد قبل انتخابات الرئاسة .. لأ برضه ، طب ليه التعديلات الدستورية من الأساس تتعمل فى غرف مغلقة ونجبر عليها .. مالكوش دعوة .. طب ليه تمشوا وزير الخارجية نبيل العربي الوحيد اللى خلى للمصري كرامة والشعب حبه وعمل مصالحة فلسطينية .. خليكوا فى حالكوا ، طب ليه بتحاكموا مبارك وحكومته والظباط اللى قتلوا المتظاهرين مدني وفى نفس الوقت بتقولوا على النشطاء بلطجية وتحاكموهم عسكريًا .. إطلعوا منها وهي تعمر .. طب حتى شاركونا فى صناعة القرار! .. إنت هتخرس ياض ولا أعورك؟" وانتقدت التدوينات الآلية التى تمت بها إدارة عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية التى أدت إلى انقسام المصريين وقتها واعتبرها البعض بأنها شجعت على تزوير النتائج من خلال ما وصفوه بالتسامح مع التيارات الدينية التى خلطت الدين بالسياسة فكتب محمد "في رأيي ما حدث في الاستفتاء كان تزويرا، لم يكن التزوير من خلال التلاعب بالأصوات وصناديق الاستفتاء كما كان يحدث بالماضي، ولكن التزوير كان في طرح الاستفتاء بعد مدة قصيرة من طرح التعديلات، بل من خلال إثارة الشائعات حول التعديلات وماذا يعني قبولها أو رفضها. التزوير بالطبع كان أيضا في السكوت عن تدخل رجال الدين في السياسة وتلاعبهم بعقول المواطنين وإدخالهم في دوامة لا علاقة لها بالاستفتاء بالأساس، دوامة خلطت بين دخول الجنة والنار بناءًا على رأي في تفصيلة صغيرة لا تستدعي الاستفتاء عليها بالأساس". وتناولت التدوينات أيضا قضية المحاكمات العسكرية للمدنيين حيث انتقدت تحويل 8000 مدنى إلى محاكمات عسكرية منهم نسبة كبيرة من النشطاء والثوار الذين شاركوا فى الثورة ، بينما يحاكم رموز النظام السابق عبر محاكمات مدنية اعتبروها شكلية نظرا لتباطؤها ولعدم بدءها إلا بعد ضغط شعبي وأكثر من شهر ونصف كانت فرصة لرموز النظام لترتيب أوراقهم ومحو أدلة إدانتهم . واستشهد المدونون بشهادات مصورة بالفيديو لبعض المعتقلين المدنيين الذين تم الإفراج عنهم من السجون الحربية والتى تحدثوا فيها عن تعرضهم لاعتداءات بدنية بالضرب وإهانات وتهكم على الثورة ، بالإضافة إلى استخدام العنف فى فض الاعتصامات والمظاهرات مثل ما حدث أكثر من مرة بميدان التحرير ومؤخرا أحداث السفارة الإسرائيلية. أيضا كان الأسلوب الذى يتم التعامل به مع الملف الطائفى محل انتقاد خاصة عدم تطبيق القانون واللجوء إلى جلسات الصلح العرفى التى ثبت فشلها لأكثر من مرة، وكذلك ربط استمرار عجلة الانتاج بالاعتصامات والمظاهرات كما كتب محمد " لا توجد عجلة انتاج من الأساس، فاقتصاد مصر هو اقتصاد بالأساس خدمي، ودخل مصر الأساسي للأسف عماده فقط دخل قناة السويس ودخل السياحة، والسياحة لا تتأثر بالمظاهرات بل تتأثر بالمناخ الطائفي الإرهابى المسكوت عنه هذه الأيام. كان يوجد بمصر عجلة إنتاج ولكن تدميرها حدث بالفعل على مدار عقود عديدة، بداية من تهميش زراعة القطن والقمح الى بيع مؤسسات وشركات مصر الأساسية وتشريد العمال من أجل مصالح رجال أعمال ومسئولين فاسدين لم تبدأ محاكمتهم حتى فترة قريبة". أما يوسف (13 عاما) أصغر مدون مشارك فى الحملة حاول أن ينقل انطباعاته واسئلته التى عبرت عن "سحابة الحيرة " التى تغطى ميدان التحرير متسائلا "هل كان الخطأ أننا تركنا الميدان بعد تنحى مبارك؟" مستكملا عرض تساؤلاته التى تثير حيرته وحيرة الكثيرين غيره حول عدم تغيير السياسة الإعلامية للتليفزيون المصرى بالرغم من رحيل أنس الفقى واستخدام العنف فى فض الاعتصامات والانفلات الأمنى والمحاكمات العسكرية للثوار، وقد اعتبر يوسف أن الثورة لم تنته لكن الثوار تركوا الميدان لذا يجب عليهم العودة مرة أخرى للميدان وعدم تركه إلا بعد تحقيق مطالبهم " لأنه حرام الثورة دى تروح هدر. وحرام الشهداء دول يروحوا على مافيش". كما انتقد بعضهم أداء المجلس السياسي لشئون البلاد وما وصفوه بنقص الخبرة السياسية من خلال ما أسموه بالونات الاختبار التى دأب المجلس على إطلاقها قبل اتخاذ أى قرار لجس نبض الشعب والتى غالبا ما تقابل غضبا ورفضا شعبيا فيصدر المجلس نفيا لها ويحمل المسئولية لوسائل الإعلام التى قامت بتسريب الخبر . معلنين أنهم يفضلون تشكيل مجلس رئاسي مدنى من شخصيات عامة متخصصة يشهد لها بالنزاهة وأن يضم هذا المجلس عضو عسكرى نائبا عن المجلس العسكرى والجيش مؤكدين على تقديرهم للجيش والقوات المسلحة كما كتب مصطفى بالرغم من انتقاده للمجلس "على فكرة انا مش ضد الجيش ده انا واحد منكوا ولو في أي حد حاول يخطي حدود البلد دي أنا أول واحد هكون بالبدلة العسكرية ، وعموما ربنا يخليلنا الجيش ويرجعه مكانه تاني... وأنا مش ضده أنا ضد إن المجلس الأعلى يكمل في مكانه وعايز مجلس رئاسي مؤقت". وبالرغم من توافق عدد كبير من المدونين على عدم رضاهم عن الأسلوب الذى يدير به المجلس سياسيا ورغبتهم فى تشكيل مجلس رئاسي مدنى إلا أن غالبيتهم أيضا مقتنعون بأنه فى حالة تشكيل مجلس رئاسي مدنى فإن التوافق حول اختيار أعضائه لن يكون أمرا سهلا، وسيكون محل خلاف وهو ماعبر عنه حسام عندما كتب بأنه لو تم الاستقرار على مجلس رئاسي "هنلاقي كل أسبوع في التحرير مليونية لإسقاط واحد فيهم" لذا اعتبروا أن الحل هو فى استمرار الثورة والضغط الشعبي لاستكمال تحقيق أهداف الثورة وحماية مكتسباتها.