لعله "كابوس" حقيقي تستطيع معايشته منذ بداية الحلقات، تستقطبك به حدوتة امرأة وجدت رأس ابنها مقطوعة وملقاة في مقلب الزبالة، تدخل في صدمة هيستيرية تجعلها لا تصدق وفاة ابنها بهذه الطريقة البشعة، تبدأ رحلة البحث عن قاتله بين ذكريات الماضي، وربطها بوقائع في الحاضر. مسلسل "الكابوس" هو أثقل الشخصيات الدرامية التي لعبتها النجمة غادة عبد الرازق في مجمل مسلسلاتها التي قدمتها سابقاً، فصحيح أنها سبق وقدمت دوراً يتشابه قليلاً مع دورها هنا كما في مسلسل "مع سبق الإصرار" حيث الأم التي تفقد ابنها أيضاً وتبدأ رحلة بحثها عن قاتله مع توالي الحلقات، لكن هذه المرة تختلف الفنانة جملة وتفصيلاً فيما تقدمه على الشاشة. البداية جاءت مع تخلي غادة عن مظاهر الجمال المعتادة، فهي سيدة محجبة لا علاقة لها بأدوات التجميل اللهم في مراحلها العمرية السابقة التي تتذكرها ضمن الأحداث. تظهر غادة بأداء بسيط وشديد التلقائية يقترب من نماذج سيدات كثيرة في المجتمع والبيئة التي تتحدث عنها. تستكمل غادة جاذبيتها في "الكابوس"، بتعبيرات حقيقية تمزج بين دموع عينيها التي لا تفارقها طوال الوقت حسرة على ابنها، لا تشعر معها أنها مجرد مشاعر مجسدة على الشاشة بل حقيقة مؤلمة تعيشها معها. وتواصل الفنانة إحساسها الصادق باضطرابتها بين الحلم والكابوس، تنقلها للمشاهد من خلال خطواتها أو نبرات صوتها، وحتى في أنفسها وحركتها الجسدية بين الواقع والخيال. ورغم حالة "القاتمة" التي تغلب على أحداث العمل إلا أن أداء غادة المختلف هذه المرة عن شخصياتها كسيدة مجتمع ارستقرطية كما في الأعوام الثلاثة الأخيرة، جعلت لها جاذبية خاصة في متابعتها، وتكلل ذلك بسيناريو الغموض والإثارة الذي وضعته الكاتبة هالة الزغندي في أولى تجاربها الدرامية بمفردها، حيث قدمت العام الماضي سيناريو مشترك بينها وبين السيناريست مريم ناعوم في مسلسل "سجن النسا"، وكان ذكاء الكاتبة في اختيار موضوع غير متكرر لتقديمه درامياً على الشاشة لتنسج من خلاله أحداث مثيرة من المؤكد أنها ستكشف كثير من الألغاز خلال الحلقات المقبلة. وليس هذا فقط، بل أن النماذج التي اختارتها الكاتبة في العمل، هما أكثر قرباً للواقع خصوصاً المحيطين بدائرة بطلة العمل "مشيرة" حتى من يعملون لديها في المنزل والمصنع، ومن بين هؤلاء "راشد" شقيقها الذي يبدو عليه ملامح الانتهازية، و"وفاء" مساعدتها التي تتألم لأجلها وتعيش معاناة مع زوجها العاطل، وغيرها من التركيبات التي وضعتها هالة الزغندي ضمن أحداث العمل. التميز الحقيقي في هذا العمل يصب لصالح كفة المخرج إسلام خيري، والذي نجح في نقل تفاصيل الغموض والجريمة بزوايا كاميراته، فرغم حالة السواد التي قد تصيب المشاهد بالاكتئاب، ويتفق ويختلف عليها البعض، إلا أنها صبت في صالح العمل الذي جعل مخرجه بذكائه يحوله اسمه "الكابوس" إلى حقيقة بينة على الشاشة، يتعايش معها الجمهور في تفاصيلها. وليس هذا فقط، بل أقترب خيري كثيراً في إخراجه لهذا العمل من "الأستايل" الغربي في إخراج مسلسلاتهم التي تحتوي على موضوعات الجريمة، سواء من حيث الإضاءة المستخدمة أو ال "close" على وجوه الأبطال، والزوايا التي يعرض بها أماكن بعينها في الأحداث.