في عصر السماوات المفتوحة كل شيء متاح.. يباع ويشترى.. لا أحد ينام أمام القنوات الفضائية والأرضية ومواقع الإنترنت والصحف بحثا عن الخبر والشائعة وأي شيء آخر في "جوجل" وفي تفسيرات وتحليلات ودردشات إلكترونية وهوائية ومزاجية. هكذا تكون حياة "المواطن العوالمي" الصالح الذي صنعه الكاتب أكرم القصاص في كتابه "عولم خانة" ساخرًا وسابحًا في هذا العالم المتخم بشطحاته، والمتهم بسرقة النوم من عيون متابعيه، بحثًا عن كل ما يرضي الفضول الإنساني في زخم بحر من المعلومات بلا شطآن، يعربد فيه حوت كبير "افتراضي" عابثا بالعقل والنفس والحضارة البشرية. رجل العولمة "خاسر دائما"، كما يرى القصاص في فصول كتابه الثمانية الساخرة، التي يعدها محاولة للتعرف على عصر السماوات والأدمغة المفتوحة والحروب التليفزيونية، فالمواطن العالمي أصبح مجالا للحروب والصراعات والصفقات ، و"سوف يدفع الثمن دائما سواء كان موافقًا أم رافضًا، ليظل في النهاية متهمًا حتى يثبت العكس". في قفص العولمة الكبير، تلاحق الإنسان تهم تلويث البيئة العالمية والضلوع في مؤامرة كبرى ترفع درجة حرارة الجو ونسبة الرطوبة والملوحة وانتشار الأمراض من إنفلونزا الدجاج إلى جنون البقر.. كل هذا يحدث لأن هذا "المتهم" مارس غريزة شرب الشاي أو القوة، فساعد في زيادة الاحتباس الحراري، أو شرب الماء المثلج فاستخدم الفريون "وما أدراك ما الفريون؟!". يتمادى القصاص في السخرية من التهم التي تطارد الإنسان في عصر المعلومات بقوله: "في حالة الاعتراض على ذلك بأن الدول الكبرى بتجاربها النووية وقذائفها الذكية وتفجيراتها التجريبية تتسبب في احتباس حراري أشد مما يسببه "المواطن المسكين"، ففي هذه الحالة يمكن أن تتهم بتكدير السلام القائم على الحرب "بينما أنت تشرب وتأكل وتوسع ثقب الأوزون، وتضاعف من آلام العالم الحديث والأجيال القادمة". يقدم أكرم القصاص بأسلوبه الساخر، كشفًا نفسيًا وروشتة طبية بالمجان، لوقاية الاعصاب من : القلق والاكتئاب والبارنويا والباراسيكولوجي، وينصحك الكاتب ب "الابتعاد عن المحللين الإستراتيجيين وعن مشاهدة أفلام الأكشن وكليبات شاكيرا وبرامج التوك شو وراقصات الفيديو الاتي يصبن "المواطن العوالمي" بالحسد والتلبك الزوجي والقنوط الإنساني". ومن جملة الوصفة السحرية ل"القصاص": لا تكثر من الفرجة على الأفلام المأساوية .. لا تشاهد التليفزيون أو مقاطع الفيديو، أو جلسات مجلس الأمن ، أو تصريحات المسئولين.. وعش حياتك". لا حديث عن العولمة دون ذكر "هادم اللذات"، وبطل آلاف القصص التي تنتهي بالفرح والدموع والطلاق والزواج.. هو التليفون المحمول لا شيء غيره سيفعل ما تعجز عنه الأسلحة.. إنه "الهوس" الذي ينسج آلاف الحكايات والأساطير في المنازل والمحاكم والصحو والنوم وحتى في القبو..أينما تول وجهك تجد هذا "البطل". في العصر المعلوماتي ، يحدد الإعلام للمواطن ما يراه وما يعرفه ويحاصره بمئات الصور والأخبار والإعلانات مستهدفا "جيب الغلبان" وعقله ، ويجلس "الهدف" أمام الشاشات متفرجًا في بلاهة ، أو حزينا في صمت.. لكن الإعلان يبرر الوسيلة والقانون لا يحمي المتفرجين". ينتقد"القصاص" الإعلان من نوعية "الشامبو بالبيض والكريم بالهامبورجر"، قائلا: من أجل تنعيم الشر وتلميع البشرة، يستهلك البشر آلاف اللترات من العصائر والفواكه تكفي لإطعام سكان مجاعات إفريقيا ، مع أن العلم لم يصل إلى أن المأكولات في الشامبو وأدوات التجميل تفيد، فلا شيء من هذا يصل إلى الجسم". في "عولم خانة" الحياة "أون لاين".. لا حواجز توفرها شبكة الإنترنت ولا سواتر من قذائف الفضاء المفتوح، عليك أن تأكل وتنام أمام العالم، وإذا أردت العيش وحدك فابحث عن موقع يقدم لك نصائحه في كيفية الحياة "أوف لاين"، وسواء رغبت في هذا أو ذاك ، فلابد من أن تصفحك لهذا الكتاب سيكشف لك دهاليز عالم لا حدود له ولا عهود.