طالب الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر شيخ الأزهر، بتعديل نظام مؤسسة الأممالمتحدة، قائلا: إن "القائمين على مُؤسَّسةِ الأُمَمِ المتحدةِ والإعلانِ العالمي لحقوقِ الإنسانِ، لم يكونوا جادِّين فيما يَقولونَ، وفيما يَضعون من مَواثِيقَ زعَمُوا أنَّها من أجلِ الإنسان ومن أجل الحفاظ على حقوق الدُّولِ، وبحيث لا تتميَّز فيها دولةٌ عن دولةٍ، ولا يتفاضَلُ فيها الإنسانُ الغربيُّ عن أخيه الشرقيِّ.. "ومن ثَمَّ لم يكن غريباً أن نرى منظمةً كمنظمةِ الأُمَمِ المتَّحدةِ عاجزةً عن القيام بأيِّ دورٍ في رَدْعِ كثيرٍ من السِّياسات الجائرةِ والظالمةِ". واعتبر شيخ الأزهر أن القُوَى الكُبرى في العالَم لا زالت تمنَحُ السَّلامَ للأُمَمِ وتمنَعُه عنها حَسَبَ مَصالِحها الشخصيَّةِ، وحَسَبَ نظامِ الهَيْمنةِ، وحَسَبَ منهجِ الظُّلمِ الذي تُبرِّرُه القاعدةُ اللاأخلاقية عندَهم، وهي القاعدةُ التي تُقرِّرُ أنَّ "الغايةَ تُبرِّرُ الوسيلةَ"، مضيفًا: أنَّ النظامَ الأساسيَّ للأممِ المتحدةِ ومَواثيقِها ومُؤسَّساتِها الكُبرَى، لا يَسمحُ بنَشرِ سَلامٍ قائمٍ على قِيَمِ العدلِ والإنصافِ ومُراعاةِ حُقوق الآخَرينَ. واعتبر شيخ الأزهر، خلال كلمته أمام منتدي تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي يعقد الآن بدولة الأمارات، أن "الفيتو" من أهم أسباب الإرهاب الدولي و أخطَرِ عَوامل الهَدمِ للسَّلامِ العالميِّ، والذّي "يَغُلُّ"، بحسب قوله، يد منظمة الأممالمتحدة، عن مُلاحَقة المُجرِمين وإقرارِ "السَّلامِ العادلِ" في كثيرٍ من مَناطِقِ التوتُّرِ العالميِّ، مستشهدا برأي كثيرٌ من المحلِّلين أنَّ الفيتو الأمريكيَّ، فيما يتعلَّقُ بالنِّزاعِ الصهيونيِّ الفلسطينيِّ هو أهمُّ أسبابِ الإرهابِ الدوليِّ والتشجيعِ عليه. وأكَّد شيخ الأزهر، خلال كلمته، "أنَّ الحَضاراتِ الكُبرَى المُعاصِرةَ الآن لا تَجِدُ بأسًا إذا أعوزَتْها أسبابُ الفِتَنِ والحُروب أنْ تَختَرِعَ لها عَدُوًّا تُدِيرُ عليه رَحى الحَرْبِ؛ وتَنقِلُ إليه بُؤَرَ التوتُّرِ والعُدوانِ والقِتال بعيدًا عن أراضيها وشُعوبِها.. وهذا السُّلوكُ الذي تتَّخِذُه بعضُ الكِياناتِ السياسيَّةِ المُعاصِرةِ هو – لا شَكَّ – دعوةٌ سافرةٌ إلى وَأدِ السِّلم والسلامِ العالميَّين وتشجيعِ العُدوانِ، وخُروجٌ على كلِّ الأُطُرِ الأخلاقيَّةِ والإنسانيَّةِ التي تجعَلُ من "السلامِ" أبسطَ حقٍّ من حُقوقِ البشَرِ، والمجتمعِ الإنسانيِّ". وأضاف: وإنِّي وإنْ كُنتُ لا أُعوِّلُ كثيرًا في تفسيرِ مَصائبِنا التي تُحدِقُ بنا في الشَّرْقِ على نظريَّةِ "المُؤامرة" التي تجعَلُ مِن التَآمُرِ الغربِيِّ باعثًا رئيسًا لمُشكلاتِنا في الأمنِ والاقتصادِ والصحَّةِ والتعليمِ -إلا أنّ المسرحَ الذي تتابَعُ على خشبتِه هذه الأحداثُ البَشِعَةُ هو مسرحٌ عبثيٌّ وفوضويٌّ يُشِيرُ بكلِّ قوَّةٍ إلى هذه الأيدي الخفيَّةِ السوداءِ التي تُمسِكُ بخُيوطِ اللُّعبةِ الماكِرة وتُحرِّكُها من وراء سِتارٍ. وقارن فضيلته بين المِيثاق الدَّولي الذي أعلَنَه نبيُّ الإسلامِ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - في خُطبتِه في حَجَّةِ الوَداع، وقرَّر فيه حُقوقَ السلامِ والعدلِ والمُساواةِ بين الناسِ. وبَيْنَ مِيثاقِ الأُمَم المتحدةِ في هذا المجال، وكيف أنَّ المِيثاقَ النبويَّ حَقَّقَ أهدافَه كاملةً غيرَ منقوصةٍ في نَشْرِ السلامِ العالميِّ، بينما أخفَقَ إعلانُ الأممِالمتحدةِ في إنشاءِ مَظَلَّةٍ دوليَّةٍ تُنصِفُ المظلومين من المُتربِّصين بها من خارجِ هذه المُنظَّمة، أو حتى من بين أعضائها أنفسِهِم. وعلَّل شيخ الأزهر ذلك بأنَّ نبيَّ الإسلامِ – صلوات الله وسلامه عليه -كان صادقًا في دَعواه في نشرِ السِّلمِ وتحقيق العَدل والمُساواة بينَ الناس، وأنَّه لم يَكُنْ يعمَلُ من أجلِ الإنسانِ العربيِّ أو الإنسانِ المُسلِمِ دُونَ غيرِهما من سائرِ الناسِ، بل كان يُكرر في خِطابِه هذا نداءه للناس جميعا، بعبارته الشريفة: "لِيُبلِّغ الشاهدُ منكم الغائبَ. أمَّا القائمونَ على المُنظَّمات الدوليَّةِ التي أخَذَت على عاتِقها نشرَ السلامِ في العالَمِ فإنَّهم، بحسب قوله، لم يكونوا صادقينَ في دَعواهُم، بل كانوا يُفرِّقون في دَخائِل أنفُسِهم بينَ الغربِ والشرقِ، وبين حقِّ الإنسانِ الغربيِّ في الأمنِ والسلمِ وحقِّ غيرِه من سائرِ الناس. وأوصى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن يتبني المنتدى قاعدةَ "التعارُف" التي وردت في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" "الحجرات : 13" ، وأن ينشط اليومَ - وليس غدًا - لتَعزِيزِ السلمِ في المُجتَمعات العربية والإسلامية، وأنْ يَتوسَّلَ لذلك بفتحِ قَنَوات اتِّصالٍ مُباشِرٍ بينَ العُلَماءِ والحُكَماءِ وبينَ صُنَّاعِ القَرار من السياسيِّينَ في الشرقِ والغربِ. وفي نهاية كلمته تقدَّم فضيلة الإمام الأكبر بالشكر لدولة الإمارات الشقيقة على أنْ فطنت لخطَرِ موضوعِ السِّلم والأمن الاجتماعيَّين، وحاجة العالمِ المُلِحَّةِ - الآنَ - إلى إحياءِ مفهومِ السلامِ العادلِ، وإلى تطبيقِه وتنزيلِه على واقعِ الناسِ، الذي عانَى ويُعانِي الأمرَّين بسبب غِياب هذا المفهومِ فترةً تَزيدُ على نصفِ قَرنٍ.