يعد اهتمام الخارجية المصرية بكل من الصين، ومن قبلها الهندوروسيا، فيما يشبه التوجه شرقا، امتدادا لاهتمام الدولة المصرية بدول مجموعة BRICs، وهو الاهتمام الذي سبق ثورة 25 يناير 2011. وتصب زيارة وزير الخارجية نبيل الراهنة للصين واليابان وكوريا الجنوبية، في إطار هدف التوجه شرقا. ورغم أهمية هذا التوجه في المرحلة الحالية، من الناحية الاقتصادية، إلا أن الجديد في التوجه الحالي أن دول هذه المجموعة، لاسيما الصين، وبالطبع روسيا، تمران بمرحلة تحول في سياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط، باتجاه الاهتمام بالتطورات السياسية في المنطقة، على نحو يجعلها "فاعل سياسي" مؤثر في المنطقة، وهو ما قد يمثل إضافة لمصر خلال المرحلة الحالية. -"حلم" الانضمام لل BRICs: تظل دول البريكس مصدر "محتمل" لتوفير الاستثمارات لمصر، خاصة في ظل حفاظها على معدلات نمو جيدة رغم الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم في 2008 ورغم الازمة التي تشهدها منطقة اليورو. وقد ظلت القضايا الاقتصادية هي المسيطرة على توجه مصر نحو دول مجموعة البريكس، منذ فترة، فعلى سبيل المثال، حرص الرئيس المعزول محمد مرسي أثناء زياراته لدول هذه المجموعة، على مناقشة التعاون الاقتصادي، وتحدث عن أنه "آمل في أن يتغير اسم BRICS إلى E-BRICS حيث يمثل حرف E مصر يوما ما". ويعد الاهتمام بالعلاقات الاقتصادية مع هذه الدول، امتداد لتوجه الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ففي حالة الصين، تشير البيانات الخاصة بالمفوضية الأوروبية للعام 2011، إلى أن الصين تعد الشريك التجاري رقم 3 لمصر، حيث تسيطر على 3.4 % من إجمالي المعاملات التجارية لمصر مع العالم، وتعد الهند الشريك رقم 6 لمصر ، حيث تسيطر على 2.1% من إجمالي المعاملات التجارية لمصر مع العالم، وتحتل روسياوالبرازيل المرتبة 8 و9 في قائمة الشركاء التجاريين في العالم على التوالي، حيث تسيطر كل منهما على 1.4 % من إجمالي المعاملات التجارية المصرية مع العالم . كما تعد جنوب أفريقيا الشريك رقم 15 لمصر، وتسيطر على 0.6% من إجمالي المعاملات التجارية مع العالم. كما أن مصر والهند عضوان في مجموعة ال 15، وهى مجموعة الدول التى قررت توسيع قاعدة التعاون الاقتصادي والتكنولوجى فيما بينها. إلى جانب ذلك، فإن حجم التبادل التجاري بين مصر ودول البريكس في تزايد، حيث بلغ متوسط معدل نمو قيمة واردات مصر من هذه الدول مجتمعة وفقا لدراسة صدرت مؤخرا عن وزارة التجارة والصناعة المصرية 19.77% خلال الفترة 2001-2011، لتبلغ قيمة الواردات 13.87مليار دولار في عام 2011 ، بينما بلغت 2.28 مليار دولار فى عام 2001، كما بلغ حجم صادرات مصر خلال الفترة 2001-2011 إلى هذه الدول مجتمعة 0.17 % من إجمالي صادرات مصر للعالم، بينما كان 0.5 % في عام 2001، وتشير الدراسة إلى ان متوسط معدل نمو صادرات مصر إلى كل من روسيا الاتحادية و الهند و البرازيلوجنوب أفريقيا 34.17%، و44.69%، و 41.13%،و 22.05%،و 20.94% على التوالي. -الدول الفاعلة في العالم: تندرج دول البريكس، خاصة روسياوالهندوالصين،إلى الدول الفاعلة في العالم، التي تحدث عنها وزير الخارجية نبيل فهمي، في أول مؤتمر صحفي عقده بعد توليه حقيبة الخارجية، ويأتي اهتمامه بهذه الدول، رغم أهمية القضايا الاقتصادية معها، متسقا مع تحول هذه الدول إلى فاعل سياسي وربما أمني مهم في المنطقة، وهو تحول قد توظفه مصر من أجل تحقيق مصالحها خلال الفترة المقبلة. ففي حالة روسيا، لم تعد هي المصدر للسلاح والطاقة فقط، وإنما أصبحت لاعبا ينافس النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتمثل ظهير دولي، للتحالف المصري -الخليجي الذي تشكل بعد ثورة 30 يونيو 2013. وفي حالة الهند، فإنها لم تعد فقط مصدر للعمالة الرخيصة عالية المهارة، وإنما غدت مستثمر مهم في قطاع تكنولوجيا المعلومات، كما أصبح هناك دور أمني محتمل يمكن أن تقوم به في المنطقة، خاصة في منطقة الخليج، التي يعد أمنها جزء من الأمن القومي المصري، وهذا ما تكشف عنه مناقشات حوار المنامة الذي عقد في 6-8 ديسمبر 2013، ولعل هذا يفسر حرص وزير الخارجية نبيل فهمي على الانخراط مع دوائر مختلفة في الهند أثناء زيارته الأخيرة لها، دون أن تقتصر المناقشات على العلاقات الاقتصادية، حيث حرص فهمي على شرح تفاصيل خارطة الطريق، أثناء المحاضرة التي ألقاها في معهد دراسات وتحليلات الدفاع في نيودلهي. إلى جانب ذلك، تأتي زيارة فهمي للصين، بعد زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية، الذي هدف لعرض ما جرى في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، لتشمل اطلاع الصين على خارطة الطريق المصرية، خاصة مع تزايد اهتمام الصين بالقضايا الإقليمية، حيث لعبت الصين دور مهم في إتمام الاتفاق النووي الذي أبرم في جنيف بين إيران ومجموعة 5+1، على نحو يعكس رؤية محددة لها فيما يتعلق بقضية الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط، والتي تتبنى مصر موقفا ثابتا منها، فضلا عن كونها والهند، إلى جانب روسيا، مصدرين مهمين للمعرفة النووية في حال تنشيط البرنامج النووي المصري. إلى جانب ذلك، تقدمت الصين بمبادرة النقاط الأربع من أجل تسوية الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل في مايو 2013، كما طرحت مبادرة لتسوية الصراع في سوريا سلميا في نوفمبر 2012. وهو ما يعد بداية تحول في توجهات الصين في المنطقة، وهو تحول يتقاطع مع التوجهات العامة للسياسة الخارجية المصرية، سواء تجاه الفضية الفلسطينية أو اتجاه الصراع في سوريا. تظل قدرة مصر على الحفاظ على التقارب السياسي مع الصين ، وغيرها من دول ال BRICs تتوقف على قدرتها على أن تستثمر كونها تقدم فرص اقتصادية لهذه الدول، بدلا من أن تصبح عبء اقتصادي عليها، وعلى إدارة التقارب السياسي بينها وهذه الدول، في عدد من القضايا الإقليمية، ليكون مستدامًا وليس تقاربًا مرحليًا.