مع انتشار وتوسع دائرة الفقر والبطالة فى السنوات الأخير، باتت لوزير التضامن والعدالة الاجتماعية مكانة كبيرة، ولما لا، وهو الذى تمر من تحت يديه ويوزع ميزانية الدعم على السلع الأساسية.. وبقدر أهمية هذا المنصب، نشفق على من تولاها أخيرًا فى الحكومة الجديدة، فهو يتولى حقيبتها فى ظروف استثنانية بكل المقاييس. مع إعلان التشكيل الحكومي الجديد، ركزت جموع المصريين على تلك الشخصية التى ستتولى وزارة التضامن الاجتماعي، المنوطة بدعم سلعهم الأساسية.. ومع إعلان اسم الدكتور جودة عبد الخالق لتولى هذه الحقيبة، تنفست الجموع الصعداء، لما يحظى به استاذ الاقتصاد من حب واحترام كل من يعرفه، فضلاً عن تواضعه الشديد. كما جاءت أولى تصريحاته لتتماشى مع الأمال المعلقة فى رقبته ويعول الجميع على تحقيقها، حيث قال بإن أولوياته الحالية تنصب في المقام الأول على قضايا العدالة الاجتماعية لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير.. وأن قضية الفقر والفقراء تحتاج إلى رعاية خاصة خلال المرحلة الحالية، ويتمنى أن يوفق فى تلك المهمة التى وصفها بأنها لن تكون سهلة على الإطلاق. كما أبدى إعجابه بإضافة كلمة "العدالة الاجتماعية" لتصبح وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية. كلمات "عبد الخالق" لم تكن وليدة المنصب الجديد، وليست "شو" إعلامي، فقد قضى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، سنوات حياته مدافعًا عن قضية الفقر والفقراء من خلال دراساته وأبحاثه ومقالاته. ويتجلى ذلك بوضوح في قضية الدعم التى حاول النظام "المخلوع" إلغاءه بشتى الطرق وتحدث عنه عبد الخالق مرارًا وتكرارًا، محذرًا من المساس به. فى إحدى كتاباته بعنوان "السكان والدعم ومستحقوه" أشار إلى قيام الحكومة المقالة، بتخفيض اعتمادات دعم المواد الغذائية بمبلغ 7.5 مليار جنيه أي بحوالي 1000 جنيه لكل مواطن، متهما إياها بتطبيق سياسات متحيزة للأغنياء والأجانب على حساب الأغلبية المطحونة من الشعب. كذلك أشار جودة إلى وجود خلل جوهري فى توزيع الدعم لصالح الأغنياء على حساب الفقراء، وأن دعم الغذاء فى مصر تراجعي، يحقق منفعة أكبر للشرائح العليا من الإنفاق ولكنه أكد أن دعم رغيف الخبز يمثل قضية أمن قومي ولايمكن المساس به أو الاقتراب منه. يعد عبد الخالق عضوًا بارزًا بحزب التجمع وعضو المكتب السياسي به، وهو يمثل تيار الإصلاح والتغيير داخل الحزب، ولم تمنعه صفته الحزبية من انتقاد مواقف الحزب وسياسة رئيسه الدكتور رفعت السعيد. حصل عبد الخالق على دكتوراة الفلسفة فى الاقتصاد من جامعة مكماستر بكندا، وعمل أستاذا للاقتصاد فى نفس الجامعة، ثم عمل أستاذا فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وبعد ذلك عمل فى جامعة تونس، ثم ذهب إلى جامعات جونز هوبكنز وكاليفورنيا ولوس أنجلوس، وجنوب كاليفورنيا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ودرس الاقتصاد هناك، ثم عاد إلى مصر وعمل أستاذًا للاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. تولى عبد الخالق مهمة السكرتير الفني للجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، ثم أصبح عضوا بمجلس إدارة الجمعية، وترأس لجنة الموسم الثقافي بها لعدة سنوات، كما كان عضوا بالهيئة الإستشارية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وعضوا فى اللجنة الاستشارية لبحوث المجلس الدولي للسكان، وعضوا بالمجلس القومي للإنتاج والشؤون الاقتصادية، ثم عضوا بلجنة الاقتصاد بالمجلس الأعلى للثقافة. دعا عبد الخالق مرارًا إلى تحرر الاقتصاد المصري من التبعية، وفى إحدى كتاباته بعنوان "مصر وصندوق النقد الدولي.. آليات التبعية فى التطبيق" تحدث عن التكيف الهيكلي فى الدول النامية والذى يشرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تنفيذه مع الدول من خلال ما يعرف ب"خطاب النوايا"، ووصفه عبد الخالق بأنه ما هو إلا حصيلة مفاوضات بين الحكومة وكل من الصندوق والبنك ، تتخذ فى النهاية شكل تعهدات ملزمة للحكومة المعنية، تستدعي العقاب المتمثل فى وقف التمويل الخارجي "مساعدات وقروض" فى حالة عدم الوفاء بها. كما أشار جودة إلى الآثار الإجتماعية "سواء كانت سلبية أو إيجابية" للتكيف الهيكلي فى كتابه "الإصلاح الاقتصادي وآثاره التوزيعية"، مقسما تلك الآثار إلى ثلاث مجموعات، الأولى: سياسة خفض الإنفاق الكلي، وتهدف إلى خفض الطلب على السلع المستوردة وعلى السلع المنتجة محلياً بغرض الحد من التضخم والعجز الخارجي. هذه السياسة تنصب أساساً على الأجور من خلال تخفيض قيمتها الحقيقية، وكذلك السياسات المالية التي تعمل على تخفيض، إن لم يكن إلغاء، الدعم والإعانات في الموازنة العامة، ويضاف إلى تلك السياسات إلغاء الدعم الضمني لبعض السلع والناجم عن استهداف سعر صرف مغالى ومن ثم يظهر الأثر السلبي لهذه السياسات من الناحية الاجتماعية بحكم كونها سياسات انكماشية، وتظهرآثارها الانكماشية بصورة فورية. أما المجموعة الثانية، وتهدف إلى إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية وذلك بتحويلها من القطاعات المنتجة للسلع غير القابلة للتصدير إلى تلك المنتجة للسلع القابلة للتصدير، وكذلك من الاستهلاك إلى الاستثمار،وتشمل هذه المجموعة كلاً من سياسات التشغيل وسياسات التجارة الخارجية "تحرير سعر الصرف، تشجيع الصادرات، تقييد الواردات، وإعادة النظر في هيكل الأسعار النسبية ومستواها"، مشيرا إلى أن أن هذه السياسات هي سياسات توسعية، وبالتالي يفترض أن تؤدي إلى آثار إجتماعية إيجابية. بالنسبة للمجموعة الثالثة، فهي تلك السياسات التي تهدف إلى تحقيق زيادة في الكفاءة والنمو في الأجل الطويل من خلال إصلاحات هيكلية، كتحرير التجارة، والحد من دور الدولة، وإصلاح هيكل الأسعار، وتهدف في النهاية إلى الدخول في اقتصاد السوق، وتظهر آثارها على المدى البعيد.