ظهرت برامج السخرية السياسية بصورة ملحوظة خلال فترة ما بعد الثورة وسواء اعتبرها البعض نوعا من الديمقراطية أو اعتبرها الآخر نوعا من الخروج عن قواعد الإعلام وأعراف المجتمع، لكن أحدا لا ينكر أنها تحظى بنسبة مشاهدة عالية. وفى مصر، ظهر العديد من البرامج الساخرة بعد الثورة، منها على سبيل المثال "بنى آدم شو" لأحمد أدم و"قلة مندسة" لمحمود عزب و"زلطة شو"، لكن كان برنامج "البرنامج" لباسم يوسف أكثر تلك البرامج جدلاً وانتشاًرا. ولم تشمل تلك الظاهرة مصر فقط لكن أيضًا تونس كان لها نصيب من تلك البرامج السياسية الساخرة، حيث أقبل العديد من المواطنين بعد الثورة التونسية على مشاهدة برامج تتناول أشهر الشخصيات السياسية على رأسها رئيس الدولة والغنوشى زعيم حركة النهضة وقيادات أخرى بالدولة، إلا أن تلك البرامج تعرضت للمنع. وفى المغرب، أثار برنامج "دمى المغرب العربي" جدلاً داخل المجتمع المغربى بعد إقبال الكثيرين على مشاهدته عبر صفحات الانترنت، حيث قال البعض: إنه يصعب عرضه على شاشات التليفزيون لأنه يتناول بأسلوب ساخر شخصيات مهمة بالحكومة منها رئيس الحكومة، كما توجد فى لبنان أيضًا عدة برامج مماثلة. وتوضح الدكتورة درية عبد الرازق، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن المصرى طيلة حياته يتسم بحب الضحك وكان يطلق عليه شعب "ابن نكته"؛ وجملة "سمعت آخر نكتة" شاهدة على تلك الروح الدعابية التى اتسم بها المصريون، حتى إنك تشعر بأن الأرض تضحك من تحتهم من فرط ضحكهم، وعندما ساءت الأحوال بقدوم الاستعمار قديمًا، أطلق المصرى النكات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تسخر من الأوضاع المحيطة بغية التخفيف عن النفس والتخلص من القهر المتسبب فى الضيق، فظهر ما يشبه فن الكاريكاتير. ومع ثورة 25 يناير 2011 ، اكتشف المصريون أن الاستقرار الذى كان يعيشونه نوع من الوهم، كما اهتزت صورة الكثيرين من الساسة والعلماء ورجال الدين والفنانين بسبب موالاتهم للسلطة، وكذلك ظهور طبقات وأفراد طفيليين تسلقوا أسوار الثورة وظهور ذوى الأصوات العالية لينسبوا لهم ما ليس من حقهم، أيضا عبرت فئات مقهورة عما لم تستطع التعبير عنه فى عهود سابقة بأفعال لم نعهدها كألفاظ نابية والخروج بالملابس الداخلية وحتى العرى أصبح نجاحًا، بالإضافة إلى أن براءة الأطفال لم تسلم من الزج بها فى المعترك السياسى، كل هذا ساعد على انتشار ظاهرة البرامج الساخرة حيث تاهت من المصرى ضحكته، وأصبح يبحث عنها فى ثوب من السخرية. وتوضح أن أحد طرفى النكتة السخرية والآخر الدعابة والمرح؛ فلم يعد فى حياتنا اليوم إلا السخرية وتعنى الاستهجان المصحوب بفقدان الأمان، لكنها تشير إلى أن هناك العديد من البرامج لم يعد لها هدف واضح هل هو نقد السلطة أم التفريج عن الناس أم الشهرة أم المكسب السريع؟، وتطاولت على الرموز الحاكمة مما أفقدها احترامها أمام الشعب وتناولت ألفاظًا لا تليق أن تظهر على ساحة الإعلام، وأصبح الإعلامى ينال من زميله لتكن له الاستمرارية بشتى الطرق غير الأخلاقية، وتزامن ظهور الألفاظ البذيئة والحركات الجسدية غير المحترمة، مما يدفع لأفراد عاديين لاتخاذهم قدوة وانتشر الفساد فى الشارع المصرى، أيضًا من سلبيات تلك الظاهرة انتشار الشك والريبة بين طوائف المجتمع المختلفة من بعضها البعض، وانقسام المجتمع وحدوث نوع من التفكك. وتضيف أن هناك ظهورا لطائفة تدافع عن هؤلاء الإعلاميين، إما معاداة للسلطة أو لأن لهم مصلحة خاصة فى استمرار أوضاع معينة، مبينة أن اختلاف القوى السياسية والدينية أدى إلى اقتحام هؤلاء الإعلاميين للفجوات فيما بينهم بسخرية وتهكم. على جانب آخر، تشير الإعلامية انتصار غريب، منسق حركة ثوار الإعلام، أن تتبع تلك النوعية من البرامج من أجل منعها من ممارسة حقها فى نقد الممارسات السياسية أمر مرفوض، حيث تشير إلى أن التليفزيون المصرى كان يشهد قبل الثورة قيودا عديدة على حق التعبير وهو أمر غير مقبول بعد الثورة. وتشير إلى أنه لايجوز أن تطلق جريمة السب والقذف على عمومها لأنها تتعلق بشرط محدد هو "أن يؤدى إلى ازدراء الإنسان فى مجتمعه" أما دون ذلك من مصطلحات مثل "نظام فاشى أو فاقد للشرعية أو مستبد" وكل هذا لا يدخل فى السب والقذف الذى يوجب العقاب لكنها تدخل ضمن التوصيفات السياسية. وتؤكد أن الأسلوب الساخر ليس جديد وموجود فى برامج عديدة على مستوى العالم، كما أنه متواجد على مر التاريخ منذ أن رسم المصريون القدماء الرسومات الساخرة على الجدران، لكنها ترفض بعض الألفاظ المتجاوزة والإيحاءات غير الأخلاقية التى قد تضمنها بعض حلقات تلك البرامج. وتضيف أن نوعية البرامج الساخرة برغم أنها من أكثر البرامج سهولة فى توصيل المعلومة فإنها تحتاج إلى بذل مجهود كبير جدًا من جانب معدى ومقدمى ومخرجى تلك البرامج، لكن يجب تطعيمها بفكر ومعلومة بحيث ترتقى بمستوى المواطن. وتشير إلى أن الإقبال الذى تلاقيه تلك النوعية من البرامج ترجع إلى أن "الضحكة" و"الميلو دراما"، وهما أكثر أشكال المضامين التى تجذب الناس، لكن يشترط فى تلك الضحكة أن تكون من أنواع الكوميديا النظيفة، وأن يركز على كوميديا الموقف كالبرامج الذى أحبها الناس وارتبطت بمشاهدتها على رأسها "كلمتين وبس" للفنان الكبير فؤاد المهندس، أما فكرة تقديم بلاغات ضد مقدمى تلك البرامج بسبب إهانة الشخصيات السياسية الهامة فترى انتصار أن هذا أمر مرفوض ويسيئ لتلك الشخصيات السياسية أكثر مما ينفعها.