يراهن أحمد العطار، مؤسس ومدير مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة (دي - كاف) الذي تنطلق نسخته الثانية في الرابع من أبريل الجاري، علي إعادة الفنون المعاصرة للحياة وتغيير مشهدها بمصر، عبر إظهار وجهها المتنوع والمختلف، وتقريبها إلي الناس بأخذ الفنون المعاصرة مباشرة إلي الشارع والمساحات المفتوحة الأكثر قربًا للناس. يري أحمد العطار أن الناس لديها استعداد حقيقي لتقبل تلك الأنواع من الفنون المختلفة والأكثر ابتكاراً، والتي توفر بدائل عديدة ومتنوعة خارج الإطار التقليدي للفنون الكلاسيكية التي أصبحت مقولبة بشكل جامد. فتتيح الفنون المعاصرة في رأيه، تنوعاً هائلاً في الشكل والمضمون لم تكن الفنون الكلاسيكية تتيحه، لكن تكمن الأزمة في سوء الفهم بين بعض المتلقين وتلك الأنواع من الفنون. مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، هو مهرجان فني متعدد المجالات، يضم داخله برامج فنية للمسرح والموسيقي والسينما والفنون البصرية والتشكيلية. هناك خوف تقليدي لدي الناس من الفنون التشكيلية، كما يري العطار، إذ يعتبر كثيرين أن الفنون التشكيلية والمعاصرة بالذات بعيدة عنهم، نتيجة لتعرضهم لتجارب سيئة مع أعمال لم يستطيعوا الوصول إليها وفهمها، ويحاول (دي-كاف) تغيير تلك النظرة السلبية لدي الجمهور عبر عرض مجموعة كبيرة من الأعمال التي تحتوي أبعاداً مختلفة. يرفض العطار مقولة أن الفنون المعاصرة لها جمهور خاص، وأنها فنون موجهة لنخب بعينها. فالفن المعاصر يصل لكل المتلقين علي اختلاف فئاتهم، لكن بأشكال متعددة، فأحد ميزات الفنون المعاصرة هي تعدد أبعادها وتنوعها وهو ما يجعل من مستويات فهمها متعددة أيضاً. "لا يوجد جمهور معين للفنون المعاصرة، تلك الفنون قادرة علي الوصول لكل الناس لكن بأشكال مختلفة، كل متلق يمكنه أن يفهم العمل الفني بشكل مختلف، هناك من يستمتع بالعمل الفني علي المستوي البصري أو الأدائي، وهناك من يستطيع النفاذ إلي الأفكار التي وراء ذلك المستوي، يعتمد الأمر علي ثقافة المتلقي ولكن تنوع الفنون المعاصرة، تكسر من مقولة إنها فنون موجهة لنخب بعينها، وكل متلق يأخذ منها ما يلائمه". لا يوافق العطار أيضاً علي أن الفنون المعاصرة اصبحت تهتم أكثر بالمفاهيم والأفكار علي حساب الجماليات، فهو لا يري فصلاً دقيقاً ولا خطاً فاصلاً بوضوح بين ما يحمله العمل الفني من مضمون وبين الشكل الذي يقدم فيه، فلم تعد الفنون المعاصرة تعرف هذه الحدية، يعترف العطار بأن هناك أعمال يطغي عليها الطابع الفكري، ويتفاعل معها متلق معين، لكن تظل هناك مستويات مختلفة يمكن فهم العمل من خلالها، كما أن قصر فكرة الفنون المعاصرة علي هذا النوع يتعارض بالضرورة مع فكرة الفن المعاصر نفسه. تعد البني التحتية لأي نشاطات فنية أو ثقافية هي الأغلي والأكثر كلفة، ضمن عملية صناعة عمل فني، ويعتقد العطار أن أزمة الفنون المعاصرة في مصر ليست في قلة الموارد والبني التحتية، أو ضعف الفنانين أو قلة الإنتاج الفني المعروض، لكن تكمن الأزمة في سوء الإدارة والفشل الذريع في إدارة موارد الدولة، والعقلية البيروقراطية الخانقة لكل إبداع. "مشكلتنا فشل الإدارة الذريع في إدارة مواردها، نحن لدينا بنية تحتية وأموال ومسارح هائلة تتشكل في مسارح ومكتبات الدولة ومؤسساتها الثقافية، وهي الجزء الأكثر تكلفة لكن تلك المسارح إما مغلقة أو غير صالحة وإما تدار بالعقلية القديمة. بعض تلك المسارح تحتاج إلي تجديدات بسيطة وتجهيزات إليكترونية وتم ذلك علي مدار العشر سنوات الماضية ولكن حتي حين تم ذلك لم توجد المرونة اللازمة لجعل تلك التجهيزات ملائمة لعرض عمل فني معاصر. لا يمكنك مثلاُ أن تطالب مسرح حكومي بتغيير مكان "البروجيكتور"، ببساطة لأنه موضوع هنا وسيظل موضوع هنا مهما كانت ضرورة تحريكه لإتمام عملك". يحاول (دي كاف) تقريب الفنون المعاصرة للجمهور بأعباده المختلفة وإظهار أن مصر قادرة علي تنظيم مؤتمر دولي ذي سمعة جيدة، تماثل سمعة أي مهرجان دولي للفنون في العالم، عبر محتوي فني ووجهة نظر فنية جيدة، إضافة إلي إدارة لا تقل كفاءة ولا جودة عن العروض الفنية المستضافة. ويعتقد صناعه أن الجمهور متعطش لتلك الأنواع من الفنون التي تتيح لهم فاعلية أكبر وأشكالاً مختلفة من التلقي تختلف عن الطريقة التقليدية التي يقف بها الشخص أمام لوحة أو أمام منصة مسرح ليشاهد عرضًا مسرحيًا. تجذب تلك الفنون المشاهدين لأنها الأكثر قدرة علي احتوائهم وتغيير رؤيتهم للعالم. من ضمن الأعمال التي يستتضيفها (دي-كاف) عرضاً عن صندوق الدنيا، لكن بدلاً من أن يقف الناس لينظروا من فتحات الصندوق إلي ما بداخله، يدخل الناس إلي الصندوق ليشاهدوا العالم من داخله. تمتلك الفنون المعاصرة المرونة والقدرة الأكبر علي التعبير عن عالمنا المعاصر، لكن تبقي النقطة في تجاوز الفجوة بينها وبين المشاهدين، الذين يحتاجون فقط أن يجدوا تلك الأعمال أمامهم. يراهن العطار علي قدرة (دي – كاف) علي جلب الفنون المعاصرة للشارع، بالخروج بها من قاعات الفنون والمسارح إلي الأماكن المفتوحة، ليخرج الفن للجمهور بدلاً من أن يقبع داخل قاعاته، ليجعل الناس أكثر قدرة ليس فقط علي استكشاف الفنون ولكن إعادة اكتشاف أماكنهم المألوفة بطريقة مختلفة لذلك يظل المحاولة الأكثر جرأة علي تجسير تلك الهوة.