"أنا هنا من أجل الأطفال الآخرون، لأن الأطفال يعانون فى كل أنحاء العالم، ولأن هناك 45 ألف شخص يموتون يوميًا من الجوع، وأغلبهم من الأطفال، فعلينا أن نفهم أن الفقراء حولنا فى كل مكان، ونحن نتجاهلهم، وعلينا أن نفهم إنه بإمكاننا إيقاف هذه الوفيات، وعلينا أن نفهم أن الناس فى دول العالم الثالث يفكرون.. يهتمون.. ويبتسمون ويبكون مثلنا تمامًا، وعلينا أن نفهم أنهم مثلنا ونحن مثلهم، حلمى هو القضاء على الجوع فى العام 2000، وأن نعطى الفقراء فرصة، وأن أنقذ ال45 ألف شخص الذين يموتون يوميًا، ويمكن لحلمى أن يصبح حقيقة وسيصبح كذلك، إذا نظرنا للمستقبل ورأينا الضوء الذى يشرق من بعيد"... هذه كانت رؤية الطفلة ريتشيل كورى وهى فى الصف الخامس الإبتدائى تجاه نظرائها من الأطفال فى دول العالم الثالث ولم تكن تعلم أنهم سيبكوها بعد أن قُتلت على يد جرافة إسرائيلية أثناء محاولتها حماية منزل طبيب فلسطينى بقطاع غزة من الهدم على أيدى الجنود الإسرائيليين عام 2003. واليوم 16 مارس تحل الذكرى الحادية عشر لإغتيال الناشطة الأمريكية ريتشيل كورى بقطاع غزة بعد أن دهستها جرافة اسرائيلية وتركت حلمها بالقضاء على الفقر القاتل للأطفال شريدًا قبل أن تراه حقيقة مثل الشمس، ولكنها نجحت فى إيصال عدة رسائل للعالم بأسره لن يستطيع نسيانها إلا أعداء حلمها، فلقد استطاعت كورى أن تخترق الحدود وتسافر للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية وتنقل لدولتها- الحليف الأول لإسرائيل المحتلة للأرض الفلسطينية- واقع إنسانى مرير، وأثبت خطأ نظرية كونها أمريكية بيضاء الجبهة بمثابة حماية لها من أى شر صهيونى. ريتشيل كورى، ذهبت الى غزة لتشارك فى حركة التضامن العالمية، وكانت آخر رسائلها ما كتبته الى والديها، روت لهم فيها أنها لا تجد إلا عدد قليل من الكلمات لوصف ما ترى بقطاع غزة، وأنها وجدت صعوبة فى أن تجمع بين التفكير فيما يحدث بغزة وبين أنها تكتب الى الولاياتالمتحدةالأمريكية- موطنها الأصلى- التى شعرت آنذاك أنها البوابة الافتراضية للرفاهية، وروت أيضًا أن الكثير من الأطفال الفلسطينيين لم يعيشوا طفولتهم بدون قذائف الدبابات وثقوب جدران منازلهم، وأبراج جيش الإحتلال التى تراقبهم عن قرب، وهؤلاء الأطفال يفهمون أن الحياة ليست دائما على هذا النحو فى كل مكان". وقبل وفاتها بخمس سنوات وبالتحديد فى عام 1999، كتبت كورى "حلمت بأنى أسقط إلى حيث حتفى من شيء أغبر وأملس ومتفتت كالصخور الجرفية فى ولاية يوتا، لكنى واصلت التشبث بقوة وكلما تحطم موطئ قدم أو جزء من الصخرة مددت يدى وأنا أهوى وأمسكت بغيرها، ولم يكن لدى وقت للتفكير فى أى شيء وتصرفت كما لو كنت ألعب بجهاز الفيديو. سمعت صوتا يقول "لا يمكن أن أموت" تردد مرارا فى أذني". كورى كانت عضوة في حركة التضامن العالمية (ISM)، وسافرت لقطاع غزة بفلسطين المحتله أثناء الانتفاضة الثانية، وحسب شهود العيان آنذاك، فلقد أكدوا أن سائق الجرافة الإسرائيلية تعمد دهس راشيل والمرور على جسدها بالجرافة مرتين أثناء محاولتها لإيقافه قبل أن يقوم بهدم منزل لمدنيين، في حين يدعي الجيش الإسرائيلي أن سائق الجرافة لم يستطع رؤية ريتشيل، وبرأ القضاء الاسرائيلى جيشه من تهمة قتل الناشطة الأمريكية، وأُغلقت القضية. ريتشيل كورى من مواليد 10 إبريل 1977، أمريكية الجنسية، ويهودية الديانة، ولكنها إنسانية الهوى.