تفاخر طهران العالم بما وصلت إلية آلة التصنيع الإيرانية من تقدم وتطور فى التكنولوجيا النووية والعسكرية ومدى ماوصلت إليه القدرة الإيرانية فى تصنيع الصواريخ البعيدة المدى، مثل شهاب وسجيل وفاتح وعاشوراء، وتفوقها فى مجال صناعة الطائرات، حتى إنها تمكنت أخيرًا من تصنيع طائرة بدون طيار.. فضلا عن تصنيع مدمرات متعددة وقطع بحرية وغواصات من طرز مختلفة، وكلها دلائل تشير إلى أن طهران تقدمت بصورة علمية. لكن الآلة الصناعية المتطورة التى تتغنى طهران ليلا ونهارًا، بدت عاجزة حتى الآن عن وضع حد لكوراث الطيران المتكررة، التى أصبحت تتعرض لها إيران، بشكل جعل وسيلة النقل الأكثر أمانا فى العالم غير مضمونة، بل أضحت تمثل معادلة صعبة فى طهران، أرقت خبراء الطيران فى العالم. ولم يستغرب كثيرون نبأ تحطم طائرة النقل الإيرانية يوم الأحد(9 يناير 2011) فى مدينة أورمية شمال غرب البلاد، وراح ضحيته أكثر من 80 مواطنًا.. لكن نطرا لسجل إيران فى حوادث الطيران "غير المشرف" فلا تعد حادثة الأحد كارثة جديدة، وربما كان محل الاهتمام بها أنها الأولى مع إطلالة العام الجديد. فالطيران المدني الإيراني تعرض خلال الفترة من 1944 إلى 1979 لحوالي 1530 حادثا.. وهذا معدل يفوق بكثير المعدلات العالمية فى هذا الفضاء، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979 لقي أكثر من ألفى شخص حتفهم حتى العام الماضى. لكل حادث قصة مفجعة، لكن أكثرها شهرة ذلك الحادث الذى وقع فى مايو عام 2001. عندما سقطت طائرة تقل وزير النقل رحمن دادامان وسبعة نواب برلمانيين، وأدى الحادث إلى مصرعه ومعه 32 شخصا آخرين كانوا على متن الطائرة. وفى فبراير 2002 تحطمت طائرة ركاب، أودت بحياة 117 راكبا قرب مدينة خرام أباد غرب إيران، وفى فبراير أيضا، لكن عام 2003 تحطمت طائرة عسكرية في منطقة سي كيرمان، راح ضحيتة أكثر من 300 عسكري من جنود حرس الثورة الإيرانية وأعقب ذلك في عام 2005 سقوط طائرة طراز سي 130 في عام 2005 وراح ضحيته 106 كانوا على متن الطائرة. لم تتوقف المسألة عند هذا الحد ففي عام 2008 سقطت طائرة إيرانية في قيرقيزستان أودت بحياة 86 راكبا. وفى يوليو عام 2009 وقع حادث أكثر خطورة، حيث اشتعلت النار في طائرة من طراز توبوليف، خلال رحلتها إلى أرمينيا وسقطت بالقرب من بحيرة قزوين.. وهو ما أودى بحياة 168 شخصا، بينما شهد العام الماضى حادثا مفجعا، فقد اشتعلت طائرة فى مطار مشهد فى العاصمة طهران وعلى متنها 170 راكبا أثناء هبوطها.. الأمر الذى أدى إلى إصابة ومصرع 42 إيرانيا. وفى رأى كثير من المراقبين فإن معدل حوادث الطائرات فى إيران خلال السنوات الماضية يتزايد كل عام بنسبة تتراوح بين 3 و4 حوادث.. كما أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بينها أولها أن الغالبية العظمى من الحوادث تحدث فى الرحلات الداخلية بين المدن الإيرانية وثانيها أن هذه الطائرات روسية الصنع من طراز" توبوليف وأنتيف واليوشن “، وثالثها أن أعمار هذه الطائرات قديمة تزيد على العشرين عاما ورابعها -أهمها- أن نتائج التحقيقات التى تجرى للوقوف على أسباب الحوادث تشير دائما إلى عيوب فنية وأعطال ناجمة عن نقص فى قطع الغيار. يرجع خبراء الطيران فى إيران تكرار هذه الحوادث إلى الحصار والعقوبات الاقتصادية التى وقعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وفرضها مقاطعة اقتصادية على إيران، شملت الطائرات المدنية وقطع الغيار المتعلقة بها وهو ما دفع طهران إلى التوجه لشراء الطائرات الروسية الصنع.. إضافة إلى العقوبات التى تواجهها البلاد من قبل الاتحاد الأوروبي وهو سبب غير مقنع فى نظر الكثيرين ويظهر تناقضا فى تصريحات القادة الإيرانيين الذين يباهون دائما بأن بلادهم تمكنت من صنع طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية وأجهزة رادارات متطورة وتكنولوجيا نووية فى ظل الحصار والعقوبات المفروضة على بلادهم.. وهو ما يعد حجة على المسئولين الإيرانيين وليس سببا لتبرير الإخفاقات المتكررة فى مجال السلامة الجوية. والواضح أن الفشل الإيرانى فى عدم الوفاء بمعايير السلامة الجوية فى الطائرات والمطارت، كان الدافع الرئيسى وراء تشديد الاتحاد الأوروبي فى يونيو الماضى لفرض قيود على استخدام الخطوط الجوية الإيرانية لمجاله الجوي. وقررت لجنة سلامة الطيران الأوروبية بالإجماع زيادة قيودها على الخطوط الجوية الإيرانية ومنع طائراتها من طراز إيرباص A380 وبوينج 727 و747 من التحليق في الأجواء الأوروبية. وأكدت المفوضية أنها ستواصل مراقبة أداء خطوط الطيران الإيرانية من خلال تفحص نتائج عمليات تفتيش ميدانية لطائرات الشركة، التي لا يزال يسمح لها بالعمل في الاتحاد الأوروبي مع قلة عددها.