اتسم رد الفعل السلفي تجاه زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للقاهرة، وإصراره على زيارة المساجد التي تضم مقابر آل البيت، بقدر عال من الحدة والعنف السياسي، إذ فجأة توحدت القوى الإسلامية على رفض الطابع غير الرسمي للزيارة، ما بدا أنه بداية لتطبيع إستراتيجي مع مصر. وهذه القوى، كانت قد أظهرت قدرا من التباين والانقسام السياسي، بعد تغيب حزب النور عن اجتماع ائتلاف القوى الإسلامية بالأمس، رغم مشاركة جميع قوى التيار الإسلامي فيه. والمُثير أن هذا التوحد لم تقتصر معالمه على التيار الديني فحسب، وإنما فجأة أيضاً توحدت قوى التيارين الديني والليبرالي على هذا الرفض، في توافق سياسي بين التيارين لم يعهده المشهد السياسي من قبل، ولا أعتقد رغم صعوبات التنبؤ والجزم السياسي المستقبلي بحدوث مرة أخرى، للحد الذي وصف فيه رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري، تلويح أحمدي نجاد بعلامة النصر عقب خروجه من الجامع الأزهر، كأنه يقول للسّنة ها نحن عائدون للأزهر الذي أقامه الشيعة، بل رحب بموقف الأزهر من القضايا التي أثارها مع الرئيس الإيراني بما فيها سب الصحابة، رفض المد الشيعي بمصر. هذا التوحد السلفي حول رفض وجود أحمدي نجاد، يحمل في طياته العديد من المدلولات بعضها علني ومفهوم في سياق أفكار وثوابت الدعوة السلفية التي تكن العداء للمذهب الشيعي، بسبب مواقفه الفقهية وممارسات أئمته تجاه كبار الصحابة، بشكل يخرجهم من إجماع أهل السّنة والجماعة في رؤيتهم. أما الآخر فهو خفي، ولكنه أيضاً مفهوم في ضوء شبكة المصالح السياسية والمالية مع بلدان الخليج وتحديداً السعودية. تتصدر قائمة أسباب الرفض العلني، محاولة الترويج للتشييع الديني داخل مصر على الأقل ثقافياً، بعد أكثر من عشرة قرون على سقوط الدولة الفاطمية بمصر عام 1171، وتحول الأزهر لمنارة لنشر المذهب السّني وليس المذهب الشيعي. إذ يدرك السلفيون أن أي تطبيع سياسي، سوف يشمل السماح للإيرانيين بالمجيء لمصر والتوافد بأعداد كبيرة على المساجد والأضرحة التي تضم رفات آل البيت النبوي المنتشرة بالقاهرة والمحافظات. صحيح أن هناك مناعة دينية للمصريين تجاه التشيع بشكل عام، إلا أن هواجس السلفيين تكمن في إمكانية توظيف التيار الصوفي المنتشر بقوة داخل مصر، في نشر التشييع الشعبي داخل مصر من خلال توظيف حب المصريين لآل البيت، لكي يتحول تدريجياً إلى تشيع ثقافي -سياسي وانتهاءً بالتشيع الديني، إذ سوف يعزز هذا التشيع الشعبي من ظاهرة التبرك بأضرحة الأولياء والصالحين التي يحاربها السلفيين بقوة بوصفها من الشرك الأصغر. ونتذكر جيداً حرب هدم الأضرحة التي اندلعت بقوة قبل عامين بين التيارين السلفي والصوفي وهددت بمواجهات عنيفة بين أنصارهما. وكان المتحدث باسم الجبهة السلفية خالد سعيد نوه لذلك، برفض الرسائل السياسية التي حاول الرئيس الإيراني إرسالها من خلال زيارته لمساجد آل البيت. بل أن الجبهة حاولت التشويش على زيارته للأزهر من خلال حركة الاحتجاج التي قام بها عناصرها عقب خروجه من المسجد. كما شكلت الجبهة بالتعاون مع المركز الوطني للدفاع عن الحريات فريقاً للدفاع عن أربعة من أنصارها المتظاهرين الذين ألقى القبض عليهم. ويضاعف من حدة هذا الهاجس، عنصر التوقيت الزمني للزيارة والرغبة في التطبيع مع مصر. إذ ترفض القوى السلفية ومعها أيضاً القوى المدنية فكرة الانفتاح الكبير مع إيران في وقت لم تستقر فيه مصر سواء داخلياً أو في علاقاتها الخارجية، فالشأن الداخلي يعتبر الأهم ضمن هذا السياق. فالسيولة التي تمر بها مصر الآن يمكن أن تشكل منفذاً يصعب فتحه مستقبلاً للانخراط بالشأن المصري سياسياً ودينياً وثقافياً، إذ تربط العديد من القوى السلفية بين تلك الحالة المضطربة، محاولة شيعة مصر إقامة كيان سياسي-حزبي لهم تحت مسمى الحزب الشيعي المصري، الذي يمكن بسهولة أن يدخل في شبكة عمالة سياسية مع إيران كما هو الحال مع حزب الله أو الأحزاب الشيعية العراقية، وقبلها رغبة هؤلاء في التعبير العلني عن ممارساتهم بشكل جماعي أمام مسجدي الحسين والسيدة زينب. أما ثاني تلك الأسباب فيكمن من الموقف الإيراني الذي بدا أنه مناوئ للسّنة ليس داخل إيران بإقليم الأحواز غرب إيران فحسب، وإنما أيضاً في دعم الأنظمة التي تضطهدهم سياسياً في العراق وسوريا. ففي العراق تعتبر إيران المُدعم الرئيس للنظام الشيعي الذي يقوده نور المالكي يمارس أبشع عمليات التنكيل والاضطهاد بالسّنة العرب، وفي سوريا تعتبر عراب الرئيس السوري حافظ الأسد في الحرب الأهلية التي بدأت تأخذ طابعاً دينياً بين السنة والعلويين مؤيديهم من الشيعة والدروز. ولذا كان عقد مؤتمر أهل الأحواز في مصر قبل أسبوعين من زيارة أحمدي نجاد هدفه الرئيس التشويش على الزيارة، من خلال تذكير المصريين السنة بالاضطهاد الذي تعرض له سنّة إيران على يد نظام الملالي الشيعي. مثل هذا الموقف السلفي ترك تداعياته على موقف حزب الحرية العدالة، وجماعة الإخوان المسلمين من إيران،إذ بالرغم من التقدير السياسي لإيران بوصفها كقوة إقليمية يمكن أن تشكل محورا إستراتيجيا مع مصر لمواجهة التحديات، ليس الداخلية في دولها فحسب، وإنما الإقليمية والدولية أيضاً، بما فيها إسرائيل والقضية الفلسطينية تحديداً، إلا أن مسئول الاتصال السياسي بالحزب الحسين البسيوني، أكد أن الإخوان ترفض المد الشيعي في المنطقة ودعم إيران لنظام الأسد. ولذا كان المد الشيعي ورفض التدخل بالشأن المصري، أبرز الخطوط الحمراء التي وضعها التيار السلفي في مواجهة إيران، واتفقت معه القوى السياسية المدنية، كما أكد أيمن أبو العلا عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، بأن المد الشيعي وعدم اختراق السيادة المصرية خطوط حمراء للتقارب مع إيران. أما وراء هذا الرفض العلني، فقد شكلت منطقة الخليج اللوحة الخلفية لتفسير هذا الموقف السلفي المتشدد من الزيارة. إذ يكاد يكون من الصعب فصل هذا الموقف عن مواقف دول الخليج تجاه إيران وتحديداً السعودية والإمارات. طبعاً هناك توافق سياسي عام داخل مصر لكون الأمن بالخليج يُعد امتداداً للأمن القومي المصري، إلا أننا يجب أن لا ننسى أن الدعم المالي والسياسي للتيار السلفي يأتي أساساً من منطقة الخليج سواء بشكل مباشر عبر سلفيو تلك البلدان وحكوماتهم، أو عبر سلفيي مصر بالخليج، الدعم الذي مكنه قوى هذا التيار في التواجد بفاعلية داخل المشهد المصري. إذ لا يقل التدفق المالي على القوى السلفية من الخليج عن مثيله للقوى المدنية من الغرب. فهؤلاء لا يمكن أن يقبلوا بأي تطبيع مصري مع إيران من دون تسوية القضايا الشائكة والخلافية بينها وبين بلدان الخليج. وهو قيد يؤثر بشكل كبير على حرية الرئيس محمد مرسي في الانفتاح الإستراتيجي مع إيران، يكبل حركته بهذا السياق.