رصد محمد أمين فكري بك، قاضي محكمة استئناف مصرالأهلية في كتابه "إرشاد الألبا إلي محاسن أوربا"، رحلة الوفد المصري في عصر الخديوي توفيق للعاصمة الفرنسية باريس آواخر القرن التاسع عشر، وبالتحديد عام 1889م، في أكبر رحلة جغرافيا كما وصفها الكتاب الذي تمت طباعته عام 1893 م، في عهد نجله الخديوي عباس حلمي الثاني، ابن محمد توفيق. الكتاب القديم الذي تنشر "بوابة الأهرام" مقتطفات منه، يقدم خريطة حية لكافة البلدان الأوروبية التى زراها الوفد المصري ومنها فرنسا، حيث يقدم وصفا دقيقا لشوارعها، فنادقها، مدارسها، صناعتها، مساكنها، وكذلك مجتمعها ومتاحفها المتنوعة والعتيقة مثل متحف اللوفر، الذي كان يضم نقوش ورسومات لسفن النيل المصرية التى ابتدعها المصري القديم، وهو يروض النهر ويُقيم حضارته على ضفافه، كأول حضارة فى العالم، كما اشتمل على أدوات الزراعة المصرية القديمة من محاريث وغيرها وأصناف الفواكه والخضراوات المصرية التى تروى بماء النيل المبارك. ويقول محمد أمين فكرى بك، إنه حال ركوبنا عربة من عربات شركة كوك بباريس، كان الدليل بها من أهالي سوريا العارفين بأحوال مصر، بواسطة تردده عليها مع سياح كوك في فصل الشتاء، فصار يترجم عن الآثار والمشاهدات لرفاقي بالعربية ثم يترجم بالإنجليزي لغيرهم من الرفقاء الإنجليز، حيث مررنا أولا بعمود واندوم، وقد أقام هذا العمود نابليون الأول في عام 1806م إلى عام 1810م، تخليدا لذكر جيشه الذي انتصر به على النمساويين والروسيين في سنة 1805م، وبأعلاه صورته مجسمة وارتفاعه 43 مترا، ومن الداخل مغطى بطبقة سميكة من البرونز تحيط به علي شكل حلزوني. ويقدم محمد أمين فكرى بك قاضى محكمة استئناف مصر الأهلية الكثير من آثار ومعالم باريس في القرن التاسع عشر بل يقدم خريطة بصرية للقارىء عن باريس نهايات القرن التاسع عشر، قائلا: "ولونظرت في خريطة من خرائط باريس الآن، لوجدت نهر السين من الجنوب، ووسكة ريفولي من الشمال، وبينهما سراي اللوفر العتيقة علي شكلها المربع المحيط بالرحبة الداخلية، وويليها الضلعان الممتدان بموازة نهر السين"، ثم يسرد كافة مشاهداته في سراي اللوفر العتيقة، مندهشا أشد الاندهاش من عظمته. وقاد السوري الذي كان يعمل مرشدا سياحيا، الوفد المصري إلي مشاهدة اللوفر الحديث الذي يصفه محمد أمين فكري بك بأنه أكبر سعة من اللوفر العتيق، ويضم 86 صورة مجسمة من مشاهير الرجال، وبثلاث وستين من مجموعات الصور المقصودة بها تمثيل الوقائع التاريخية الجديرة بالتخليد، مؤكدا أنه لم تجتمع الذخائر الموجودة في متاحف اللوفر من أول وهلة وفي وقت واحد، بل جدت "اجتهدت" في جمعها الملوك، ولازالت هذه الكنوز تتجمع شيئا فشيئا". يكشف ،فكري بك"، أن أول من جمع الآثار في باريس فرانسوا الأول، وقلده الأمراء، حتي أتت الثورة الفرنسية فجمعت ما كان متفرقا في مساكن الملوك المنتشرة في سائر الأنحاء، مضيفا أنه لماعادت الجيوش الفرنساوية من إيطاليا وألمانيا وماجاورها أخذت معها برسم هذا المحل حتي صار متحفا عموميا لسائر الديار، حيث من الصعوبة التفرج علي كل قاعاته، وذلك لاتساعه، ومايضم من كنوز حضارات الدنيا القديمة. وشاهد الوفد المصري الذي ارتحل لكافة البلدان الأوربية فى أطول رحلة جغرافية، قاعة أبيس المسماة على العجل أبيس أحد معبودات المصريين القدامي، وقاعة هنري الرابع، والتي كانت تحتوي علي كثير من الآثار المصرية، مثل تماثيل أبوالهول التي كانت توضع مثناة علي أبواب الهياكل" المعابد "، بالإضافة لسفن النيل المصرية التى كان يستخدمها المصري القديم فى تنقلاته. كما شاهد قاعة أوراق البردي وعليها أقدم الكتابة المنسوبة لليونان والقبط، وفي جملتها قطعة مأخوذة من هيكل الكرنك مكتوب عليها بالخط القديم واقعة من غزوات طوطميس الثالث "تحتمس الثالث"، وهو من أكبر ملوك مصر الأقدمين"، بالإضافة لقاعة المومياوات التى يصفها بقاعة الأموات، ثم قاعة تضم البرديات وقاعة الأنتيكيات صغيرة الحجم، وكان يضم متحف الآثار القديمة الآسيوية مقابل للمتحف المصري في اللوفر، وهو يشتمل علي الكثير من الاكتشافات التي عثر عليها في العراق، بالإضافة للآثار الفينيقية التى عثر عليها ببلاد الشام كسوريا وفلسطين وأيضا قبرص. وبعد رحلة اللوفر رصد محمد أمين فكري مظاهر الحياة اليومية في مدن أوروبا، واحتفاء الأوروبيين بالحياة والفرح بها، كما يرصد المعرض الذي أقامته فرنسا لعدة بلدان من إفريقيا وأوربا وآسيا والبرازيل والأرجنتين، وشاركت فيه مصر بعرض منتجات صناعية وزراعية وفنية.