لم تغب فلسطين، في يوم من الأيام، عن قلب مصر وعقلها، ولا عن أجندة الدولة المصرية، بوصفها قضية العرب المحورية، وكم ضحت وتكبدت مصر من خسائر في سبيل الأشقاء، وحقهم في وطنهم، ودفاعهم عن أراضيهم التي سلبها الاحتلال الإسرائيلي. وخاب كل من يزايد الآن على موقف مصر من القضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني، منذ الطلقة الأولى في الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة، التي بدأت في الثامن من مايو الحالي، دون مراعاة لحرمة شهر رمضان الكريم، واندلاع الاشتباكات في حرم المسجد الأقصى الشريف، وحي الشيخ جراح في القدس. لم تقف مصر مكتوفة الأيدي أمام الإجراءات الإسرائيلية لطرد عائلات فلسطينية من منازلها، وتحركت سريعًا من منطلق تقديرها لخطورة الموقف، وعلى أساس موقفها الثابت والتاريخي، ألا وهو إقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وبما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة. لم تتخل مصر عن نصرة القدس والمسجد الأقصى، ولم تتردد في تقديم كل الدعم والمساندة، من خلال دورها الإقليمي والدولي، معتبرة فلسطين جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي، بل إنها لم تتوقف عن مخاطبة العالم بأن ما يحدث ما هو إلا نتاج جمود عملية السلام، وليس هناك من دليل على ذلك أقوى من تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي دائمًا، أن القضية الفلسطينية على رأس الأولويات المصرية، وتشديده على ضرورة التوصل إلى حل نهائي بإقامة دولتين، بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإحلال السلام، والاستقرار في المنطقة. بتوجيهات رئاسية تحركت الخارجية المصرية على كل الأصعدة، لتحريك القضية، وبناء الثقة، واستئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وبرغم شائعات، وخناجر قوى الظلام المسمومة، ستظل مصر الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، بدليل تأكيد مصر من خلال وزارة خارجيتها أن الأخوة الفلسطينيين يخوضون معركة وجود، دفاعًا عن مقدساتهم وبيوتهم، في وجه هجمات إسرائيلية جديدة تستهدف حقوقهم في الأرض التي ولدوا عليها، وأن ما حدث في المسجد الأقصى المبارك هو استفزاز لمشاعر العرب والمسلمين جميعًا، وأن ما يحدث في حي الشيخ جراح إنما هو عنوان للصمود ومرادف للكرامة، وأن المحاولات المستمرة لتغيير هوية القدس وحرمان أهلها العرب من حقوقهم، لم تكن لتمر مرور الكرام. وأكدت مصر رفضها التام واستنكارها لتلك الممارسات الإسرائيلية الغاشمة، وتعتبرها انتهاكًا للقانون الدولي، وأنها لم تكن لتقف صامتة، وطالبت إسرائيل بضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وأهمية العمل على تجنيب شعوب المنطقة المزيد من التصعيد، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين، وصيانة حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وأمان، ووقف أي ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى، أو تستهدف الهوية العربية لمدينة القدس ومقدساتها، أو تسعى لتهجير أهلها، كما دعت الدول العربية إلى مواصلة الاصطفاف والتكاتف لمواجهة أي نوايا أو مخططات لتغيير الوضع القائم في مدينة القدس. ولم يتوقف الدور المصري عند التحركات السياسية، وإنما راعى الجانب الإنساني، وصدرت توجيهات الرئيس السيسي بنقل الإصابات الحرجة من غزة للعلاج بالقاهرة، وكلفت وزارة الصحة أطباء بالعمل في مستشفيات شمال سيناء لاستقبال المصابين، كما أرسل الهلال الأحمر المصري مواد إغاثة ومستلزمات طبية إلى شمال سيناء من أجل المصابين الذين يتم نقلهم إلى هناك. وتحركت كل الهيئات المصرية، لدعم الشعب الفلسطيني، وأطلق الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حملة بكل لغات العالم لدعم القضية الفلسطينية، وطالب خطباءُ الجمعة بتوحيد الصف العربي لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية. هذه هي مصر التي يزايدون عليها، وهذا هو دورها التاريخي، وهذا هو موقفها الثابت الذي لا يتغير من القضية الفلسطينية.