تسببت الأوبئة التى حلت بالصعيد فى أزمنة مختلفة بمدن ومحافظات الصعيد، مثل الطاعون والكوليرا وغيرها فى تدمير القري والمدن سواء فى العصر المملوكى أو ما بعده، وكذلك الأوبئة فى العصر الحديث والتى أدت لفناء عائلات كبيرة العدد بأكملها كان يتواجد اسمها فى السجلات القديمة، مثل عائلة آل عبدالتواب التى كانت تعيش بقرية أبومناع بحري بدشنا شمال قنا، حيث حمل الوباء فى موجاته ومراحله العديد من صور الفناء. وقرية أبومناع بحري بقنا التى تفشى فيها الوباء قديما، هى قرية نموذجية فى عصرنا الحالى، ومن ضمن القري القديمة فى تاريخ مصر، حيث قاومت الحملة الفرنسية فى 17 فبراير من عام 1799م، منذ 223 سنة، وقال الجبرتى فى تاريخه "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار" أنها حاربت ببندقية واحدة فقط، وقد قام الفرنسيون بتدمير القرية وإحراقها. ويقول محمد رمزي فى "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945م"، إن أبو مناع بحري أصلها من توابع دشنا، وقد فصلت عن دشنا من الجهة المالية عام 1259هجرية، وقد وردت فى "تاج العروس" باسم شرقية أولاد مناع، مؤكدًا أن القري تحوي أسماء المناعات مثل أبومناع شرق وغرب وأبومناع قبلى. عاشت عائلة عبدالتواب فى قرية أبو مناع بحري فى عهد محمد على باشا، وتفرعت العائلة حتى صارت كبيرة ومن أهم العائلات فى القرية، حتى جاء وباء كوليرا موشا فى بدايات القرن العشرين، وهو الوباء الذي ارتبط بقرية موشا بأسيوط وعم الصعيد والوجه البحري، وقد تفشي وباء موشا فى عدد كبير من النجوع والقري في عموم الصعيد كله، مثلما تؤكد المذكرة النادرة للكوليرا عام 1948م. ولكن ماذا حدث لعائلة آل عبدالتواب؟، لا أحد يدري من عجائز القرية الذين استقوا معلومات طفيفة من أجدادهم، غير أن تعداد الوفيات والمواليد يُظهر أنهم كانوا يذهبون بعدد من أفرادهم للمقابر موتى جراء الوباء حتى انتهت العائلة كبيرة العدد للأبد وهجرت منازلهم التى عاشوا فيها أيضا. ويقول المؤرخ والباحث أحمد الجارد ل "بوابة الأهرام " إنه كان هناك دفاتر تسمى حصر تعدداد النفوس، بدأ ظهورها في نواحي الصعيد عام 1847، منذ عصر محمد على باشا، وكان يسجل بها أسماء الأسر وعددها ومهن أفرادها، ويسجل بها عدد المطلوبين للجهادية أيضًا، مضيفاً أنه حفل "تعداد النفوس"، الذي وضعه محمد علي باشا، بالكثير من القصص مثل الموتى والفارين والهاربين، وكذلك العائلات التي تم القضاء عليها من خلال أوبئة مثل الكوليرا وغيرها، حيث مثل تعداد النفوس صورة مصغرة عن المواطنين في المحافظات المصرية. ويؤكد الجارد، أن "التعداد كانت به أسماء النساء والأطفال، وكذلك كافة المهن التي امتهنها المصريون بسبب الضريبة التي كان يفرضها محمد علي باشا على المواطنين، ومنها ضريبة على النخل الذي كان يتم إحصاؤه أيضًا، وأدت الضريبة الواقعة على هجرة وهروب المواطنين لأماكن أخرى بعيدة عن موطنهم". وقد استمر العمد والمشايخ يقدمون التعداد للحكومة، وهو مانطلق عليه الوفيات والمواليد، والذي تتواجد منه نسخ متاحة للباحثين فى دار المحفوظات. وفى سنة 1813م أعاد محمد علي باشا مسح الأراضي الزراعية بمصر وتقدير الضرائب عليها، معتمدًا في ذلك على مشايخ القرى، وكان يمنحهم 5% من زمام القرية معفاة من الضرائب كامتياز لهم، نظير الخدمات التى يقدمونها للحكومة واستضافة موظفيها، وفى سنة 1895م صدر نظام العمد، وكانت القرية تقسم إلى أربع أو خمس مشايخ، ويزيد على حسب مساحتها وعدد القرى التابعة لها. ويوضح الجارد أن العائلات التى قضت عليها الأوبئة فى الصعيد كثيرة جدا، مثل القري، حيث لم تكن هناك مستشفيات وأدوية وإجراءات احترازية مثل عالمنا، مما يعنى أن عائلة آل عبد التواب المناعى لم تكن هى الوحيدة ، مؤكدا أنه فى الأغلب الأعم أن وباء كوليرا موشا هو الذي تسبب فى فناء العائلة. تاريخيا كانت الهند هى موطن الكوليرا، وقد قدمت الكوليرا لمصر 10 مرات فى التاريخ كما يذكر المؤرخون، وكان أول قدوم لها عام 1831م فى عهد محمد على باشا قادمة من مكةالمكرمة، أما وباء موشا 1902م، فهو الوباء التاسع. ويؤكد الدكتور سيف النصر أبوستيت فى مذكراته النادرة عن الكوليرا إن وباء موشا تفشي فى قرية موشا بأسيوط فى 25 مايو عام 1902م عقب وصول الحجاج إليها، وظل العمدة والأهالى يكتمون أمر الوفيات حتى تفشي فى عموم الصعيد، وانتقل لكافة قراه ومحافظاته، كما ظهرت الإصابات فى القاهرة بسبب امرأة قدمت لبولاق من موشا وتوفت ، حتى تفشي الوباء فى عابدين وبولاق، لتحول قرية موشا فى قصائد الشعراء كمظهر للموت وقد انتشر المرض بعدها فى الوجه البحري والقبلى ليبلغ عدد الوفيات بمايقارب 35 ألف ضحية، وقد أدى للتدمير خاصة حين عم كافة النجوع والقري، وأصاب عائلات بإكملها، لتكون عائلة عبدالتواب المناعى من ضمن تلك العائلات التى قضي عليها الوباء مع عائلات آخري فى نجوع وقرى أخرى بمحافظات الصعيد.