"الإمارات تتجه لإعادة النظر في نظام الكفيل".. جاء هذا التصريح على لسان أحد السفراء في إطار حوار أجريته معه في أبوظبي منذ نحو 12 عامًا، ولم يكد ينشر هذا الخبر بالأهرام، الذي يتحدث عن نظام "الكفيل" بشكل غير مباشر، وأن هناك "اتجاهًا" فقط، دون تنفيذ، إلا وانطلقت عاصفة من النفي والاستدراك ومحاولات التصحيح للخبر، كل هذا فقط لأنه تلامس مع مقدسات خليجية لا تقبل النقاش أو التناول والتداول أو حتى الحوار.. في الماضي كانت منطقة الخليج هي الوجهة الرئيسية المفضلة للعامل المصري خلال نصف القرن الماضي بسبب حالة الحراك الاقتصادي التي شهدتها المنطقة، أما اليوم، وبعد أن تبدلت الأحوال، فإن عدة دول خليجية بادرت إلى إلغاء هذا النمط من التعامل مع العمال الوافدين إليها، بعد نحو 7 عقود عانى منها غالبية العمال المصريون الكثير من حالات الظلم والسخرة والتحرش بالكرامة وإهدار للحقوق وحرية العمل والتنقل.. "الكفيل" هو رجل الأعمال الخليجي صاحب العمل، و"المكفول" هو العامل الباحث عن فرصة عمل لتطوير حياته، وما يحدث هو أن الكفيل عندما يستقدم عاملا للعمل لديه، فإنه يحتفظ بجواز سفره طوال فترة تواجد هذا العامل في دولة الكفيل، ولا يحق له المطالبة بجواز سفره، أو حتى مناقشته.. ليظل مصيره معلقًا في عمله، وأيضًا في مسكنه، ولا يستطيع ممارسة أي خطوة في حياته، إلا بموافقة صاحب العمل "الكفيل".. إلغاء "الكفيل" معناه ضبط العلاقة بين العامل وصاحب العمل، من بينها حرية السفر خارج الدولة، وكل ما عليه هو إخطار صاحب العمل، أو المغادرة نهائيًا دون موافقة صاحب العمل، وحرية التنقل بين الأعمال المختلفة.. نظريًا.. لدينا 3 وزارات تعنى بالعامل المصري بالخارج؛ هي وزارات الخارجية، والقوى العاملة، والهجرة وشئون المصريين في الخارج.. وعمليًا مازالت هناك فجوة بين العامل والكثير من بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج.. ومن المهم أن هذه الفجوة لابد وان تضيق نظرًا لأن المواطن "العامل" المصري بالخارج له كل الحق في الرعاية والعناية بأحواله، وقد بلغ عدد هؤلاء "العاملين في الخارج"، في نهاية 2020، نحو 15 مليون مصري، نصفهم في منطقة الخليج العربي.. مؤخرا، وفي عام 2018 كان للنيابة العامة السعودية، موقف نبيل في هذا الاتجاه، حيث قالت إن احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل يعد من جرائم الاتجار بالأشخاص، ويعاقب مرتكبها بالسجن 15 سنة وغرامة مليون ريال، ما يقارب "266 ألف دولار".. وكذلك فعلت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية في 2013، بعد أن طالبت بإلغاء مفهوم الكفالة لفظًا وممارسة، وأن هذا النظام يتنافى مع تشريعات العمل والإقامة، واحتجاز الكفيل جواز سفر المكفول هو مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء، وأن هذا القرار الصادر عام 2000، لم ينفذ حتى اليوم.. كما طالبت منظمات حقوق الإنسان في أوروبا، بإلغاء "الكفيل"، ولم نسمع أن جامعة الدول العربية "المعنية"، سعت في هذا الاتجاه.. كثيرًا ما نسمع تصريحات لمسئولين خليجيين عن إلغاء أحكام الكفالة وإحلالها بقواعد جديدة تتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان ومع توجهات منظمة العمل الدولية.. ونتساءل: أين كانت حقوق الإنسان هذه وتوجهات منظمة العمل الدولية منذ أكثر من نصف قرن؟! بداية تصحيح مسار العمالة في الخليج بدأته البحرين، التي قررت إلغاء نظام الكفيل الخاص بالعمالة الوافدة، وأصدرت بدلا منه "نظام العمل المرن"، وسمحت للعمال الأجانب بحرية الانتقال وفقًا لذلك في أغسطس 2010، إلا أنها أعلنت موعد إلغاء نظام الكفيل في أبريل 2017، ونصت قانونًا على أن "يكون للعامل الأجنبي حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر، من دون موافقة صاحب العمل، دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل. ثم بدأت كل من دولتي الإماراتوالكويت؛ ففي الإمارات زادت المطالب من العمالة الوافدة هناك إلى إلغاء نظام الكفيل، هناك مناقشات رسمية حول تعديل الحد الأدنى للأجور وإلغاء تأشيرات الخروج لجمع الوافدين بالإمارات، كما أعلنت أنها وافقت رسميًا على القانون الجديد الذي أطلقت عليه اسم قانون "الحد الأدنى للأجور"، إضافة إلى إلغاء تأشيرات الخروج للعاملين هناك. وفي الكويت، التي تهتم بإحداث توازن سكاني مع تنامي عدد العمالة الوافدة، اهتمت الدولة بالحد من تجارة الإقامات والحد من مخالفات الإقامة، ومعالجة التشوهات في سوق العمل. أما قطر، وبعد ضغوط تلقتها من هيئات حقوق الإنسان ومنظمات دولية، بعد تقارير عن سوء معاملة يتعرض لها العمال في تجهيز منشآت استضافة كأس العالم 2022، فإن مركز الاتصال الحكومي القطري قال: "يسمح للعامل بتغيير جهة عمله بحرية من دون طلب شهادة عدم ممانعة صاحب العمل". وإذا كان إلغاء "الكفيل" لا يشمل العاملين في المنازل، وعددهم نحو 4 ملايين شخص منهم النساء التي يعملن في المنازل، والرجال مثل السائق الخاص أو البستاني ومن على شاكلتهم، إلا أن هذا بداية الغيث الذي يخرج ثمرًا يحفظ كرامة العامل ويصون حقوقه التي أهدرت على مدى يزيد على نصف قرن، ليصبح العام الحالي 2021 عام "نهاية الكفيل".. [email protected]