شهدت الفترة الماضية ظهور عدد من مغنى فن الراب الذين قدموا عبر قنواتهم الخاصة على يوتيوب وبعض منصات التواصل الاجتماعى أغانى تحمل ألفاظا غير لائقة، فى محاولة لتقليد الغرب فى هذا اللون الموسيقي، الذى يخاطب مجموعة من الأطفال والمراهقين وتنشئتهم على مصطلحات لا تبنى أجيالا، لتجد هذه النوعية متابعين لها من المراهقين والشباب، نظرا لإيقاعها السريع والمختلف بما يتناسب مع طاقتهم الانفعالية. وما أن خرج متابعو الفن من معركة المهرجانات مع نقابة الموسيقيين، ووقوف النقابة أمام هذه النوعية من الأغانى التى تقدم كلمات مبتذلة، وإصرارها على عدم اتجاه أحد للغناء إلا إذا كان عضوا، حتى ظهرت معركة أخرى بين مطربى الراب، ليقدموا «ديسات» جمع «ديس» وهو مصطلح مأخوذ من الكلمة الإنجليزية «disrespecting» أى الهجاء وعدم الاحترام، ليقوم كل مغنى بهجاء مطرب آخر بشكل قاسي، فى أغنية، لتحتوى هذه «الديسات» على كلمات وإيحاءات خارجة، تطرح للجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعى المختلفة، وكأنها مباراة فى عدم الاحترام ويتلقاها الجمهور. وسطع مؤخرا أكثر من اسم لمغني الراب منهم ويجز، مروان بابلو، أبو يوسف، مروان موسي، عفرتو، وغيرهم، والذين يحققون ملايين المشاهدات فى ساعات قليلة، وأصبح لهم حفلاتهم، وباتوا وجوها إعلانية لمنتجات مشهورة، وكانت هذه الأسماء ضمن المعركة لكن منهم من ذكروا كأسماء مثل ويجز وبابلو، ومنهم من تورط بعمل «ديسات» يهاجم فيها الطرف الآخر وهم مروان موسى ضد أبو يوسف، وشاركهما عفرتو بتراك ضد أبو يوسف، ليستمع الملايين من الجماهير لهذه الأعمال وما بها من كلمات غير لائقة، مما يطرح سؤالا حول هذا النوع من الفن وتعلق الشباب به وما يقدمه لهم من أعمال لا تتناسب وقيم المجتمع المصرى. وحاولت «الأهرام المسائي» من خلال هذه السطور الوقوف على سبب هذا التدهور الذى وصل له الفن من خلال رأى المتخصصين، وأيضا موقف نقابة المهن الموسيقية والرقابة على المصنفات الفنية. تقول الفنانة نادية مصطفى عضو مجلس نقابة المهن الموسيقية إن النقابة بها شعبة للراب مشترك فيها ما يقرب من6 مطربين فقط، وأن أى عضو بالنقابة عليه أن يتبع ضوابط وقوانين النقابة، وأن يكون حريصا عليها لأنه ينتمى لكيان منظم، وبالطبع غير مقبول وجود مثل هذه الألفاظ الخارجة أو الإيحاءات فى كلمات الأغنية، كما أن النقابة ضد أى إساءة من عضو لآخر. وأضافت أن النقابة ستتابع مثل هذه الأغاني، وبالتأكيد سيتم التحقيق فى أى تجاوز ستجده. وأضاف د.عاطف إمام عضو مجلس نقابة الموسيقيين أن للنقابة شعبة للراب وهناك عدد من مطربى الراب ملتزمون بالانضمام للنقابة لأنه من يريد الغناء عليه أولا أن يكون نقابيا أو لديه تصريح من النقابة، خاصة أن الشعبة موجودة منذ فترة طويلة. وأوضح أنه عندما يحدث تجاوز فى كلمات الأغانى أو أن تتضمن ألفاظا غير لائقة، ففى هذه الحالة يجب اللجوء للرقابة على المصنفات الفنية للفصل فى مثل هذا الأمر، لكن النقابة معنية بالعضوية أو إذا كان المطرب معه تصريح أم لا، لكن موضوع الكلمات بالتحديد فهو دور الرقابة على المصنفات الفنية، وهى التى تتخذ معهم الإجراءات، فلو تقدم أحد للنقابة بشكوى تخص الموسيقى سنتدخل، أما إذا كانت تتعلق بكلمات بذيئة أو مسيئة فنحولها للجهة المختصة. وتعليقا على ذلك قال د.خالد عبد الجليل رئيس الرقابة على المصنفات الفنية إن الرقابة تقف ضد أى ألفاظ مسيئة فى أى عمل، ولكن هذه الأغانى لم تعرض من الأساس على الرقابة لكى نجيزها أو نرفضها، مشيرا إلى أن مثل هؤلاء المغنين ينشرون فى الفضاء الإلكترونى دون اللجوء للرقابة أو الحصول على إجازة بالكلمات. وأضاف أن الإجراء الذى تقوم به الرقابة على المصنفات الفنية فى مثل هذه الحالة هو أن تقوم بتحرير محضر، ثم تحول بعد ذلك إلى قضية، ويحكم على المغنى فى هذه الحالة بدفع غرامة، موضحا أنه إذا كانت هناك رغبة مجتمعية فى السيطرة على هذا النوع ينبغى أن تكون هناك قوانين رادعة وعقوبات فورية وليس محضرا ثم محاكمة، خاصة أن الأغنية بعد أول ساعتين من طرحها تصبح متاحة للجميع بعد أن يقوموا بتحميلها. وأوضحت الناقدة د.ياسمين فراج أستاذ النقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، أن فى التراث المصرى وصف إسمه «الهتيكا» وكانت موجودة فى الحارات الشعبية وهو أن تجد امرأتين «يردحان» لبعضهما ثم يقوم بمعايرة كل منهما للأخرى لفضحها، ثم يصل الأمر إلى خلع الملابس والاشتباك بالأيدي، وهو أمر كان موجودا بالحارات والأزقة قبل دخول المرأة عصر الثقافة والتعليم، وانتقل هذا الشكل الفج إلى حالة الفن، بسبب أن نموذج الفن الراقى تم ضربه بفعل فاعل، ومن أكثر من اتجاه، فأصبح الفن له معايير أخرى. وأضافت أن الفن موجود فى مصر منذ عصر قدماء المصريين، ومن خلّد الحضارة هى الفنون، وعندما فتحوا مقبرة توت عنخ أمون وجدوا بها آلات موسيقية، مؤكدة أن الشعب المصرى محب للفن، وبالتالى عندما يُضرب الفن الجيد يظهر على السطح هذا النوع من الأعمال، مشيرة إلى أن هذا الأمر نتاج سنوات وعقود سابقة بدأت منذ عام 1967، وواصل فى الهبوط حتى 25 يناير لنصبح فى حالة من غياب الفن الجيد باستثناءات نادرة، لكن القاعدة العامة هبوط الفن بشكل ملحوظ، وأصبح هناك جيل متصدر لم يحلموا أن يكونوا نجوما، وهذا ينطبق على التمثيل، وما يسمى بالمهرجانات، والراب الموجود أصلا فى مصر منذ أكثر من 20 عاما. وأوضحت د.ياسمين فراج أن فن الراب ظهر فى أمريكا من أصحاب البشرة السمراء قبل الاعتراف بهم كمواطنين وليسوا عبيدا، مع عدد من الفنون الأخرى الخاصة بهم، ومن خلال فن الراب كانوا ينتقدون لدرجة سب هذا الاضطهاد، والنظام والمجتمع الأمريكى الأبيض، لذلك كان هذا له أسبابه، لكن فى مصر ليست لدينا هذه العنصرية والاضطهاد لنأخذ من الغرب أسوأ ما فيه، ولا نأخذ الايجابى منه من دقة وعمل، والراب هنا شخصنة وسب كل واحد منهما للأخر. وقالت إنه عندما يتم تنحية النخبة الثقافية والفنية، تصعد قاعدة الهرم بكل أفاتها على القمة، فنجد فى الأغانى ألفاظا خارجة تصل لدرجة الانحطاط الأخلاقي، وتساعد وسائل التواصل الاجتماعى فى انتشار هذه الأنواع فهى عنصر خطير. وأشارت إلى أنه بسبب كل ما سبق وصلنا إلى أن الفن أصبحت كلماته تشبه «الهتيكا» التى كانت موجودة فى القرن ال 18 وأوائل ال19 فى الحارات، وللتغلب على ذلك لابد من أن يكون هناك ثقافة حقيقية، مؤكدة أنه من الضرورى أن يكون المجتمع رقيبا على فنه ولا نتحدث هنا عن الرقابة كجهاز، لكن على المجتمع الذى إذا تثقف بشكل جيد وقُدم له فن جيد سيتحسن الذوق العام وبذلك سيرفض بالضرورة كل فن منحط، فيكون الرقيب المتلقى نفسه.