مهما تكالبت على أمتنا العربية من محن وآلام ومصائب فإن على جيلنا الذى عاش سنوات الحلم المشروع فى صنع الوحدة أن يدلى بشهادته وأن يؤكد بكل صدق ودون أدنى مبالغة أننا أمة عريقة لم ولن تنسى ماضيها ولن تخلو من شرفاء أوفياء يواصلون التغنى بفخر هذا الماضى مهما كانت محدودية النتائج التى تحققت على طريق الحلم المشروع حتى لا يموت الحلم أو يختفى الأمل فى أن تعود سنوات العز والمجد القومى كما عشناها فى الماضى بل وربما أكثر مما أوقد مشاعرنا فى الماضي. لقد مرت قبل أيام ذكرى قيام أول وحدة عربية فى التاريخ الحديث بإعلان قيام الوحدة الاندماجية الكاملة بين مصر وسوريا فى 22 فبراير عام 1958 أى قبل 63 عاما مضت وسط حماس شعبى جارف فى مختلف أرجاء الأمة العربية لا أظن أننى رأيت حماسا مثله طوال حياتى ولازالت مشاهد الفرحة الممزوجة بالأمل التى غطت شوارع القاهرة فى هذا اليوم أكبر من أن تصفها أية كلمات! كانت مسيرتنا الطلابية من المدرسة السعيدية بالجيزة إلى ميدان عابدين بالقاهرة أشبه بطابور زحف عسكرى يشق طريقه بثبات مزاحما عشرات الطوابير التى انطلقت من كليات جامعة القاهرة المجاورة لمدرستنا وقوافل النقابات العمالية وممثلى الجمعيات التعاونية والزراعية وأطياف متنوعة من كل فئات الشعب والجميع فى حالة من النشوة الغامرة يرددون «وطن عربى واحد.. جيش عربى واحد.. علم عربى واحد». كانت الهتافات تخرج من أعماق القلوب والصدور بروح الثقة فى أن الوحدة سوف تكون قوة لكل العرب فى مواجهة أعداء العرب.. ومن الظلم للحقيقة أن يزعم أحد من الذين يدعون الحكمة بأثر رجعى أن هذه الجماهير التى خرجت تأييدا للوحدة ليس فى مصر وسوريا فقط وإنما فى مختلف عواصم العالم العربى كانت جماهير مسلوبة الإرادة مخدرة الإحساس بتأثير الكاريزما الهائلة لجمال عبد الناصر بعد معركة السويس عام 1956. والذى يطل على المشهد العربى هذه الأيام ويدقق فى تداعيات عواصف الفوضى على مدى السنوات العشر الأخيرة تحت رايات الربيع العربى المزعوم لابد أن يدرك حجم الجرم الذى ارتكب فى حق الأمة العربية ليس بواقعة الانفصال عام 1961 فقط وما تلاها من هزائم ونكسات بلغت ذروتها فى هزيمة يونيو 1967 وإنما فى شيوع ثقافة التجزئة والتشكيك فى أهمية الوحدة العربية بل والتشكيك فى جدوى التكامل والتنسيق العربى والانجرار وراء معادلات إقليمية جديدة لا تمت من قريب أو بعيد للمصالح العربية العليا التى تجسدت فى أعمق معانيها ظهر يوم 6 أكتوبر عام 1973 بوحدة الجيشين المصرى والسورى من خلال الاتفاق على ساعة صفر واحدة.. إنها أيام لها تاريخ! خير الكلام: نحن جميعًا نجدف في قارب واحد!