بعد أيام من هجمات 11 سبتمبر، أطلق المفكر الأمريكى الشهير فريد زكريا، سؤاله الصادم، الذى ظل صداه يتردد لسنوات طويلة، فى العديد من دوائر السياسية والفكر حول العالم: لماذا يكرهوننا؟. كان السؤال صادما، ويعكس حجم الفاجعة، التى استيقظت عليها أمريكا، عندما استهدفت ثلاث طائرات سيطر عليها عناصر من تنظيم القاعدة، برجى مركز التجارة العالمى فى منهاتن، ومقر البنتاجون، مخلفة خسائر فادحة، لم تتوقف آثارها عند حد آلاف الضحايا الذين سقطوا جراء تلك العملية الإرهابية الدامية، ما بين قتيل وجريح ومفقود، وإنما امتدت أيضا لتطول هيبة الولاياتالمتحدةالامريكية، فى أوج مجدها كقطب أوحد يتحكم فى مصائر أمم وشعوب حول العالم. على مدار سنوات، ظل سؤال فريد زكريا، يشغل العديد من دوائر الفكر والسياسة فى العالم، فخرجت مئات من الأبحاث والدراسات، كانت كل مهمتها البحث فى الجذور الثقافية بل والعقائدية أيضا، لدى قطاعات واسعة من المسلمين، تلك التى يمكن اعتبارها السبب الرئيسي، وراء إقدام العديد من الشباب، على الانخراط فى عشرات من التنظيمات التكفيرية والارهابية، التى ظهرت فى العقود الأخيرة، وتنفيذ تلك الجريمة المروعة، وغيرها من الجرائم الإرهابية البشعة، فى العديد من بلدان العالم. على طريقة فريد زكريا، أليس من حقنا كصحفيين ومنتسبين لتلك المهنة، وقد أوشكت على الانقراض، على ما يبدو من أرقام التوزيع الصادمة، أن نطرح اليوم على أنفسنا أولا، ذلك السؤال، بعدما انصرفت قطاعات عريضة، عن قراءة الصحف فى السنوات الأخيرة، وما صاحب ذلك من تراجع لافت، فى حضورها وتوزيعها وتأثيرها فى المشهدين السياسى والاجتماعي، إلى معدلات غير مسبوقة فى تاريخها: لماذا لا يقرأوننا؟. قبل سنوات، أطلق الأستاذ طلال سلمان، رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية، صرخته التى سوف تتحول إلى مثل، عندما قال، إن اندثار الصحافة، هو إعلان صريح لموت السياسة فى عالمنا العربي، ولعلها الصرخة التى تصلح مفتتحا لحوار طويل، يتعين أن ينخرط فيه اليوم وليس غدا، كل المشتغلين بتلك المهنة، ليس فى مصر وحدها، وإنما فى كثير من بلداننا العربية، التى لا تزال بعض أنظمة الحكم فيها، تفرض العديد من القيود، على ممارسة العمل السياسي، فضلا عن التضييق الواضح على الحريات العامة، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى عزوف الناس، عن متابعة كل ما يتعلق بالشأن العام، وجميعها أمور أسهمت بدور كبير فيما تعانيه المهنة التى تتغذى على الجدل وصراع الأفكار، من انهيار كبير. كنت قد كتبت سابقا، أدعو كافة صناع المهنة والمهتمين بشئونها، إلى فتح الباب أمام نقاش موسع، برعاية نقابة الصحفيين، للبحث فى هذا الملف الخطير، وقد أصبح هذا النقاش حتميا، قبل أن تدخل تلك المهنة التى أفنت أجيال عدة أعمارهم فيها، الى أقبية التاريخ.