ما يجرى فى لبنان حاليا إستراتيجية إسرائيلية تنفذها الإدارة الأمريكية المبادرة الفرنسية حل مناسب لكنها جاءت فى التوقيت الخاطئ جانب كبير من الأزمة انعكاس لما يجرى فى سوريا اندلاع الحرب قائم لا يمنعه إلا خوف الكيان الإسرائيلى من النتائج يعيش لبنان حاليا مرحلة من أصعب المراحل فى تاريخه الحديث، تتآزر فيها مشاكله الداخلية مع ضغوط خارجية غير مسبوقة، فساد مستشر، طبقة سياسية عاجزة عن اقتراح الحلول، قوى مستقوية فى أغلبها بالخارج، وغياب مستهجن للمعارضة! أى للبدائل الطبيعية لأى تغيير أو إصلاح منشود، فالأزمة المستحكمة والمزمنة طحنت المعارضة الوطنية، فلا أحزاب ولا قوى فاعلة، يمكن أن تفتح ثغرة فى الجدار السميك. بهذا الوصف الدقيق للأزمة اللبنانية المستحكمة، بدأ المحلل السياسى اللبنانى والكاتب الصحفى يحيى حرب، حواره مع «الأهرام العربي»، حول أسباب وأبعاد الأزمة اللبنانية وكيفية الخروج منها. كيف تقرأ الإدارة الأمريكية الجديدة؟.. وهل لها دور فى حل الأزمة اللبنانية؟ الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة فى فترة رئاسة دونالد ترامب وفريقه، قامت على مبدأ رئيسى هو الحرب حيث أمكن، والفوضى حيث لا يمكن الحرب، إن سوريا واليمن وليبيا ساحة معركة تغذيها واشنطن، لاستقطاب أطراف الصراع الإقليمى والدولي، واستنزاف طاقتهم المالية والسياسية، وتوريطهم فى صراعات وعداءات لا أفق لنهايتها، ولا لحسم لنتائجها، وفيها يبقى الجميع بحاجة للدعم أو للغطاء الأمريكي، وتعد لبنان والعراق وغزة فى المجموعة الثانية، فالمصلحة الأمريكية تقتضى إبقاءها تحت الضغط، أو الضغوط القصوى، لتعطيل دورها فى اللعبة الإقليمية. إن أهداف السياسة الأمريكية فى المنطقة غير خافية، ولا تحتاج إلى الكثير لاكتشاف عناصرها، فقد بات واضحا إلى حد الاستغراب الانحياز الذى تبديه هذه السياسة للكيان الإسرائيلي، إنها مرحلة الاستفادة القصوى من إدارة تريد تغيير العالم والتفرد بقيادته.. هكذا رأى قادة الكيان، إلا أن مجرد وجود القوة عند أى طرف عربى، يعتبر تهديدا وجوديا للكيان الإسرائيلي. والمؤسف أن إدارة «ترامب – كوشنير» تبنت هذا الموقف وحولت لبنان إلى فوضى عارمة، ودولة على شفا الإفلاس والانهيار، وعينها على ترسيم الحدود الجنوبية، لاستقطاع جزء من الأراضى اللبنانية الإستراتيجية فى مزارع شبعا والحدود البحرية، حيث خزانات النفط والغاز فى منطقة التماس الحدودية، هذه السياسات دمرت لبنان، وتتسبب بالكثير من المآسى لشعبه. هل الأوضاع فى لبنان مرشحة للانفجار مرة أخرى؟ إن الحرب فى لبنان وعليه قائمة، فالإمبريالية الأمريكية حركت بوارجها وقاذفاتها الاقتصادية، بدلا من أساطيلها البحرية والجوية، أو إلى جانبها، والعجز اللبنانى الفاضح عن المواجهة سببه الفوضى التى تعم مكوناته، وتمنع بناء سياسة مواجهة موحدة. وعلى الرغم من أن اللبنانيين عانوا ويلات الحرب الأهلية قبل غيرهم من شعوب المنطقة، ودفعوا ثمنها غاليا، فإن المراهنة على عدم وقوعهم فى الخطيئة مرة أخرى لا تستند إلى دليل أو منطق، وإذا قيل سابقا إن الحرب لا تبدأ من فوهات المدافع بل من أفواه السياسيين، فإن كل عناصر الانفجار قائمة ولا تحتاج إلا إلى صاعق التفجير، وهذا الصاعق هو أمر العمليات الخارجي.. فالحرب تحتاج إلى ممول وإلى هدف إستراتيجي، وهما غير متوافرين فى إستراتيجيات القوى الإقليمية الفاعلة والسياسات الأمريكية. هناك بعض الثغرات التى تضعف الموقف اللبنانى، هى ذاتها عوامل تمنع الانفجار الأمنى الكبير!.. إذ تبرز الأسئلة الكبيرة فى حال اشتعال الحرب الأهلية: ما هو مصير ملايين السوريين والفلسطينيين الموجودين على الأرض اللبنانية؟ ما تقييمك لتحركات فرنسا تجاه الأزمة اللبنانية؟.. وكذلك تحركات إسرائيل؟ لا يعيش اللبنانيون عقدة الاستعمار الفرنسى، كما هى حال بعض الدول الأخرى التى كانت تستعمرها فرنسا، برغم أن لبنان خضع للانتداب الفرنسي، ومارس فيه الاحتلال والقتل والمجازر فى الكثير من الحالات، فالروابط الثقافية والاجتماعية أكثر تأثيرا وظهورا على السطح. ويكفى العلم بأن عددا غير قليل من النواب اللبنانيين يحملون الجنسية المزدوجة، والكثير من النخب فى الجامعات والإدارة والإعلام تربوا على الثقافة الفرنسية، فى جامعاتها أو الجامعات اللبنانية التى تدرس مناهجها، وأمام حالة الضعف والإنهاك التى أصابت مختلف القوى المحلية، لقيت المبادرة الفرنسية التى قادها الرئيس ماكرون الترحيب والقبول على نطاق واسع، لكن هذه المبادرة التى كان بإمكانها توفير هدنة فى المواجهة، ومخرج للأطراف لإعادة تثبيت قواعد الاستقرار والتسوية، جاءت فى التوقيت الخاطئ. ولعل ما أفشل المبادرة الفرنسية، هو السعار الأمريكى المستميت لتحقيق إنجاز يعزز أوراق ترامب الانتخابية، ويحقق مكاسب للكيان الإسرائيلى فى نهاية عهده، فماذا يعنى أن تضع وزيرا على لائحة الإرهاب، إذا كان مقربا من الوزير سليمان فرنجية أحد أقطاب الطائفة المارونية والمرشح الأقوى للرئاسة بعد سنتين؟ أو وزيرا مقربا من رئيس مجلس النواب، الرجل القوى إن لم يكن الأقوى فى الطبقة الحاكمة؟ لا شيء يبرر ذلك ولا معنى سياسيا لمثل هذه الخطوة إلا رفع منسوب التوتر وعرقلة الحلول، وإبقاء فتيل الأزمة مشتعلا. كما أن الرئيس ماكرون لم يأخذ الضوء الأخضر الأمريكى لمواصلة مبادرته، التى تعيد له الدور الفاعل على الساحة اللبنانية، آخر معاقله فى الشرق الأوسط، وساحة المواجهة الرئيسية له مع تركيا المتحفزة للدخول إلى لبنان، واستقطاب جزء كبير من قواه الشعبية فى غياب الدور الخليجي. هل تتوقع حربا جديدة بين إسرائيل ولبنان؟ فى لبنان ليس هناك إستراتيجية أمريكية اليوم، بل هى إستراتيجية إسرائيلية تنفذها الإدارة الأمريكية. والطرفان يتبادلان الأدوار فى المنطقة، فإذا كانت واشنطن تترك لتل أبيب مهمة قصف المواقع فى سوريا والعراق لإضعاف هذه الدول، فإنها تقوم بنفسها بخنق المقاومة فى لبنان، وإشعال الفوضى فى الشارع لفرض الشروط الإسرائيلية. وهذا جزء رئيسى من الحرب التى تشن على لبنان لتعذر المواجهة العسكرية المباشرة، إن استخدام القوة هو الأسهل عند قوى العدوان، ودبلوماسية الحروب وإخضاع القوى المعادية المتمردة هى اللغة التى تجيدها أمريكا والكيان الإسرائيلي، لكن موازين القوى الراهنة والشكوك التى يعلنها قادة جيش الاحتلال حيال قدرتهم على الحسم، والمخاطر التى تهدد العمق الإسرائيلى بعد انكشاف جبهته الداخلية، أسباب تجعل قرار الحرب صعبا على طلاب الحروب. لكن ذلك لا ينفى إمكانية حدوث الانفجار فى لحظة ما، إذ إن أغلب الحروب تتسبب بها الحسابات الخاطئة والمغامرات غير المحسوبة - وهذا ما نتخوف منه فى الحالة الإسرائيلية - عندما تصل الأزمة إلى حد الاختناق، دون وجود مخرج آخر. فالكيان الإسرائيلى يعانى أزمة عميقة، وخللا إستراتيجيا لا شك فيه، فهو كيان توسعى بطبيعته ولا يمكنه التعايش مع التهديد أو وجود قوة منافسة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلى يستهدف حتى احتمالات التهديد من الدول العربية، القريبة والبعيدة، بل هو الآن يخوض مواجهة عالمية ضد الخطر الإيراني، برغم المسافة التى تفصل بينهما، فكيف يمكنه الرضا بقوة فاعلة على مسافة كيلومترات قليلة من عمقه السكاني؟ إن احتمال الحرب قائم فى أى لحظة ولا يمنعه إلا خوف الكيان الإسرائيلى من النتائج واستمرار فاعلية الحرب البديلة. هل سينجح سعد الحريرى فى تشكيل الحكومة؟ دعنى أتساءل هنا.. لماذا لم يستطع الرئيس الحريرى تشكيل حكومة حتى الآن؟ فهو يتمتع بكل المواصفات المطلوبة مرحليا للقيام بالمهمة، الدعم الداخلى من القوى الرئيسية، والتغطية المذهبية، والغطاء الإقليمى والدولي، لكن هذا الدعم المتنوع المصادر ليس اصطفافا سياسيا تحالفيا بين هذه القوى، بل هو مجرد تقاطع مصالح آنية، لذا فهو ليس شيكا مفتوحا يمكن للحريرى تسييله ساعة ما يشاء، بل هو مشروط ومحفوف بالمخاطر. وفى اعتقادى أن العامل الحاسم فى ذلك عامل خارجي، ودور الحريرى شبيه بالدور الفرنسي، ينتظر الكشف عن وجهة السير الأمريكية، وأمريكا غير قادرة على الانتصار فى لبنان ولا تقبل الهزيمة، فنجاح الحريرى يعنى نجاح التسوية، حيث لا يزال الحسم مستحيلا، أو بالغ التكلفة.