لا تخلو الأخبار الواردة من أمريكا اللاتينية دائما من غرائب، بعضها يقترب إلى حد التطابق، مع تلك المشاهد الملهمة، التى صاغها الأديب الكولمبى الأشهر جابرييل جارسيا ماركيز، فى أيقونته الخالدة: مائة عام من العزلة، التى حصلت على جائزة نوبل فى الآداب مطلع الثمانينيات، ولا تزال تطبع وتوزع حتى اليوم، وكأنها كتبت بالأمس، فى العديد من بلدان العالم. وربما لو أمهل القدر ماركيز، فكتب قصة جديدة، تضاف إلى رصيده الأدبى الحافل بالروايات الملهمة، لاستلهم تلك المشاهد العجيبة، التى تناقلتها الصحف على مدى الأعوام الأخيرة، وإن ظل أغربها ما أقدم عليه قبل عامين، سكان إحدى القرى التابعة لولاية تشياباس المكسيكية، عندما قرروا الانتقام من عمدة البلدية، فقاموا بإخراجه بالقوة من مكتبه، وربطه بشاحنة من قدميه، وسحله أمام المارة، لأنه كذب عليهم فى أثناء حملته الانتخابية، ووعدهم بإصلاح الطريق الرئيسى للقرية، لكنه لم يف بوعده!. نجحت الشرطة المكسيكية فى إنقاذ العمدة من موت محقق، واعتقلت عددا من المزارعين على خلفية الواقعة، لكنها لم تنجح حتى اليوم، فى تبرئة ساحتها من تلك الفضيحة التى جرت قبل نحو خمس سنوات، عندما أعلنت نتيجة الانتخابات على منصب العمدة، فى احدى المدن التابعة لولاية ميتشواكان، ليفاجأ الأهالى بأن الفائز بهذا المنصب، هو المرشح الذى سبق وأعلن مقتله قبل التصويت بنحو ثلاثة أسابيع.! وتقول الصحف المكسيكية إن الشرطة كانت بريئة تماما من أى اتهامات بالتزوير، فقد صوت الناس بالفعل للمرشح القتيل، ليحصل على 73% من جملة أصوات الناخبين، متفوقا على جميع المرشحين، بعدما قرر أهالى المدينة منحه أصواتهم، كنوع من الاحتجاج، على القانون الذى يحظر شطب اسم أى مرشح، من المسجلين رسميا من أوراق الاقتراع، حتى لو صدمته حافلة، أو أردته مافيا المخدرات التى تعمل فى المكسيك بكل اريحية، وتتمتع بنفوذ كبير قتيلا. وقبل سنوات، أجبر سكان إحدى البلديات فى جنوبالمكسيك، عمدة مدينتهم على ارتداء ملابس نسائية، قبل أن يطوفوا به الشوارع، فيما يشبه الجرسة الشعبية، لأنه فشل فى تحقيق ما وعد به من إصلاح كبير لمشاكل المياه، وباقى المرافق الحيوية فى المدينة فى أثناء حملته الانتخابية، وتقول الرواية إن سكان المدينة أجبروا العمدة على ارتداء تنورة سوداء، وبلوزة بيضاء مطرزة بالأزهار، وطافوا به الشوارع، قبل أن تتمكن الشرطة من تحريره بعد أربعة أيام، ظل خلالها رهن الاحتجاز فى قبضة الأهالى الغاضبين. ومنذ فترة طويلة، والناس فى مصر يترقبون بفارغ الصبر، الانتهاء من قانون المحليات, وأغلب الظن أنه سيكون على رأس أولويات البرلمان الجديد, الذى يجب ألا ينزعج من مثل تلك الأخبار، فمصر ليست المكسيك بالطبع، لكن الدور الذى تلعبه المجالس المحلية فى الرقابة والتنمية، لا يمكن إغفاله، أو الاستمرار فى تجاهله كل هذه السنوات.