يقفز من فراشه مسرعا كأن عقربا لدغه، يتجه إلي الكمبيوتر الخاص به والذي كان شاهدا علي محاولاته الفاشلة طوال سنوات مضت، يُمني ستيفان توماس نفسه بأنه سيتذكر الكلمة الصحيحة هذه المرة، يحدث نفسه قائلا: 7 محاولات فاشلة لا تعني شيئا، مازالت الفرصة قائمة، وبسرعة كتابية لم يعهدها من قبل، يفرغ الكلمات التي تذكرها للتو، ليأتيه الرد الصادم من الجهة الأخري «كلمة المرور غير صحيحة، أعد المحاولة مرة أخري»، يقطب حاجبيه بينما يتذكر أنه لم يتبق له سوي 3 محاولات فقط وبعدها يقفل الباب نهائيا علي «كنزه الكبير»، يتملكه اليأس والإحباط فيعود ثانية إلي فراشه للاختباء!. هل تبدو متشوقا لمعرفة قصة ستيفان توماس؟ ببساطة هو مُبرمج ألماني يعيش في ولاية كاليفورنيا الأمريكية كان قد مُنح قبل عشر سنوات، 7002 عملة من عملات «بيتكوين» الرقمية كمكافأة له علي إنتاج فيديو يوضح طريقة عمل العملات الرقمية، وقتها كانت قيمة بيتكوين تتراوح ما بين دولارين و6 دولارات فقط، فاكتنزها توماس في «محفظته الرقمية» ونسيها. وبعد سنوات، قفزت «بيتكوين» قفزة هائلة وأصبحت قيمة العملة الواحدة منها 34 ألف دولارا وبعملية حسابية بسيطة، تقدر ثروة توماس الآن ب238 مليون دولار، غير أن توماس فقد كلمة المرور الخاصة به إلي المفتاح الصلب، وهو محرك أقراص ثابت مشفر يحتوي علي مفاتيح محفظته الرقمية، ومنذ ذلك الحين، أدخل المبرمج البائس ثمانية أشكال مختلفة من كلمات المرور المستخدمة بشكل شائع، في محاولة للوصول إلي الكلمة الصحيحة، لكن لسوء الحظ، فإن فرصه آخذة في النفاد، حيث يسمح ذلك المفتاح للمستخدمين ب10 محاولات فقط قبل أن يستولي علي محتوياته ويقوم بتشفيرها إلي الأبد! لا تستطيع بيتكوين أيضا المساعدة نظرا لأنها لا تخزن كلمات المرور، ولكنها تمنح الأفراد الذين يشترونها مفتاحا خاصا لمحفظتهم الرقمية، ومن خلاله فقط، يمكن الوصول إليها. وبينما وضع توماس القصة برمتها وراء ظهره «حفاظا علي صحته العقلية» كما قال لصحيفة «التايمز» البريطانية، لكن الأمر بالنسبة لمتابعي تويتر، حيث تم تداول قصته، كان مرعبا حقا، فقد غرد أحدهم قائلا «لقد أفزعتني القصة وأنا حتي ليس لدي حصة في هذه الأموال»، بينما حاول البعض تقديم المساعدة حيث كتب أحد خبراء الإنترنت قائلا «عليك الذهاب إلي المحترفين لشراء 20 مفتاحا صلبا وقضاء ستة أشهر في البحث، سأحقق ذلك مقابل 10% من ثروتك». قوبلت قصة توماس أيضا باقتراحات فكاهية مثل محاولته تجربة أرقام مثل 1234 في خانة كلمة المرور، بينما مازح آخر قائلا «هل نقر علي الرابط ثم أدخل اسم حيوانه الأليف الأول؟» إذا كنت تشعر بالشفقة علي توماس البائس، فما رأيك لو أخبرتك بقصة المهندس البريطاني جيمس هاولز؟ وهو الرجل الذي وضع عن طريق الخطأ، قرصا صلبا يحتوي علي 7500 وحدة من البيتكوين، في سلة المهملات فى أثناء تنظيف منزله في عام 2013، مما يعني أنه يحتكم اليوم علي 280 مليون دولار، لكنه لا يستطيع التصرف فيها فعليا. لا يزال هاولز واثقا من قدرته علي استرداد هذا القرص الصلب علي الرغم من أنه قد يكون تالفا أو صدئا، لكن هذه ليست مشكلة هاولز الوحيدة، إذ عليه إقناع المجلس المحلي للمدينة بالسماح له بالتنقيب في مكب النفايات الخاص بالأجهزة المفقودة، وهو أمر رفضه المسئولون بشدة، مؤكدين أن التنقيب بحد ذاته سيكون له تأثير بيئي كبير علي المنطقة المحيطة، كما أن تكلفة حفر المكب وتخزين ومعالجة النفايات، يمكن أن تصل إلي ملايين الجنيهات، دون أي ضمان بالعثور علي ذلك القرص الصلب أو أنه لا يزال يعمل من الأساس!، كما أن مكب النفايات ليس مفتوحا للجمهور العادي، وإذا حاول هاولز القيام بعملية البحث بنفسه، سيحاكم بارتكابه تهمة التعدي علي ممتلكات الغير والتي تعتبر جريمة جنائية! هاولز استخدم كل الطرق الممكنة لاسترضاء المجلس المحلي، حتي إنه عرض التبرع بنسبة 25% من المبلغ - بقيمة حوالي 70.8 مليون دولار - إلي صندوق الإغاثة الخاص بكورونا لمدينته، كما وعد بتمويل مشروع الحفر، لكن توسلاته كلها ذهبت سدي. كوميديا سوداء، هكذا تبدو محنة العديد من الأشخاص المحرومين من ثروات البيتكوين الخاصة بهم نتيجة فقدان المفاتيح أو نسيانها، لقد أُجبروا، بلا حول ولا قوة،علي المشاهدة، بينما ينخفض السعر ويرتفع بشكل حاد، وهم غير قادرين علي جني ثرواتهم الرقمية، فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن 20% من قيمة عملات البيتكوين، عالقة في مثل هذه المحافظ المشفرة بسبب كلمات المرور التي نسيها أصحابها، وهذه النسبة قد تصل إلي 130 مليار دولار من أموال العالم الحقيقي، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للعديد من البلدان، وحتي يتم اكتشاف حل بديل، تم إغلاق هذه الأموال بشكل أساسي بعيدا عن متناول البشر. إن هذه المآزق، تمثل تذكيرا صارخا بالأسس التكنولوجية غير المألوفة للبيتكوين، فرغم مميزات العملة الرقمية من القدرة علي إرسال واستقبال الأموال من أي مكان في العالم دون قيد أو شرط، بجانب إخفاء المعلومات الشخصية للعملاء، لكن عيوبها تظل أكثر خطورة، وتتمثل في سرعة تقلب قيمتها، والتمويل المحتمل للأنشطة غير القانونية، نظرا لأنها عملة لامركزية ولم يتم تحديد هوية مالكها أو مخترعها إلي الآن، وأخيرا عدم توفيرها خدمة استعادة كلمة المرور مثل باقي البنوك أوالمحافظ الرقمية التقليدية