سلم المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا الأربعاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962) الذي يتضمن مقترحات ترمي لإخراج العلاقة بين فرنساوالجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة. وأعلنت الرئاسة الفرنسية على الأثر أنها تعتزم القيام ب"خطوات رمزية" لمعالجة هذا الملف، لكنها لن تعبر عن "أي ندم أو اعتذارات". ومن أبرز التوصيات الواردة في التقرير تشكيل لجنة "ذاكرة وحقيقة" في فرنسا تكلف طرح "مبادرات مشتركة بين فرنساوالجزائر حول قضايا الذاكرة". كذلك أوصى التقرير بمواصلة إحياء ذكرى مختلف التواريخ الرمزية للنزاع (اتفاقات إيفيان في 19 مارس 1962، اليوم الوطني للحركيين الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي في الجزائر، وذكرى قمع تظاهرات الجزائريينبفرنسا في 17 أكتوبر 1961). ودعا الى نشر "دليل للمفقودين" الجزائريين والأوروبيين خلال النزاع، وتسهيل تنقل الحركيين وأبنائهم بين فرنساوالجزائر، وتشجيع العناية بالمقابر الأوروبية في الجزائر، وكذلك مقابر اليهود والجنود الجزائريين المسلمين الذين قضوا أثناء القتال إلى جانب فرنسا خلال حرب الجزائر. وكلّف إيمانويل ماكرون بنجامان ستورا، أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، في يوليو "بإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر" التي وضعت أوزارها العام 1962 وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات الملايين من الفرنسيين والجزائريين. وقال ستورا الثلاثاء لوكالة فرانس برس إنه يريد، قبل كل شيء، تعزيز "الرغبة في مد جسور وتداول وتفكيك الذاكرة". وبحسب المؤرخ الذي يتحدر من عائلة يهودية من قسنطينة، هناك سبعة ملايين شخص في فرنسا من الذين غادروا الجزائر بعد استقلالها أو الحركيين الذين قاتلوا من أجل فرنسا أو مهاجرين جزائريين، يحتفظون بعلاقة مؤلمة مع الجزائر. في الجزائر، ذكريات "حرب التحرير" مطبوعة بصور مجازر وممارسات تعذيب وتهجير سكان، وقد أدت الى خطاب معاد للفرنسيين يستغل في السياسة بعد ستين عاما على حصولها. وقالت الرئاسة الفرنسية الأربعاء إن رئيس الدولة "سيتحدث في الوقت المناسب" بشأن توصيات التقرير واللجنة التي ستكون مسؤولة عن دراستها. وأعلنت أنها لن تعبر عن "أي ندم أو اعتذارات"، لكن "ستكون هناك أقوال" و"أفعال" للرئيس في "الأشهر المقبلة". وأكد الإليزيه أن الأمر يتعلق ب"النظر إلى التاريخ وجهاً لوجه، بطريقة هادئة وسلمية" من أجل "بناء ذاكرة اندماج". وأشار قصر الإليزيه الى أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيشارك في ثلاثة احتفالات تذكارية في إطار الذكرى الستين لنهاية حرب الجزائر في 1962، هي: اليوم الوطني للحركيين في سبتمبر، وذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، وتوقيع اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962. في الجزائر، لم يصدر تعليق فوري على خروج التقرير المؤلف من مئتي صفحة، في غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي خضع لعملية جراحية في قدمه في ألمانيا. وأعلنت الرئاسة الجزائرية الأربعاء أنه سيعود الى البلاد "في الأيام المقبلة". ويبدي إيمانويل ماكرون، وهو أول رئيس فرنسي ولد بعد هذه الحرب، عزمه على حلحلة هذا الملف الشديد التعقيد، ومحاولة تهدئة العلاقات المتقلبة منذ عقود بين البلدين، والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ، منذ غزو الجزائر واحتلالها العام 1830 إلى حرب الاستقلال. وكلف تبون من جهته مدير الأرشيف الوطني ومستشاره الخاص عبد المجيد شيخي بالعمل على ملف الذاكرة، بالتنسيق مع بنجامان ستورا، في مقاربة مشتركة ومنسقة بين رئيسي الدولتين. وكتب ماكرون في رسالة تكليف ستورا "من المهم أن يُعرف تاريخ حرب الجزائر وينظر إليه بعقل متبصّر. فالأمر ضروري لراحة وصفاء نفس من أضرت بهم". ورأى أن الأمر يتعلق أيضا "بمنح شبابنا إمكانية الخروج من النزاعات المتعلقة بالذاكرة". ومن المسائل العالقة بين البلدين، الأرشيف الذي تطالب به الجزائر، ونص تقرير ستورا على نقل جزء منه الى الجزائر وتسريع مسار رفع السرية عن الوثائق التاريخية. وتنتظر الجزائر من باريس أن تقدم لها "كلّ" أرشيف الفترة الاستعمارية (1830-1962) المتعلق بها، وفق عبد المجيد شيخي، أحد المشاركين في حرب الاستقلال. وقال شيخي إن فرنسا "لطالما قدّمت ذرائع" لعدم تسليمه، "مثل عدم رفع السرية عن جزء من الأرشيف رغم أنه جُمع قبل عقود". وسبق أن أعادت فرنسا إلى الجزائر جزءًا من الأرشيف، لكنها احتفظت بالجزء المتعلق بالتاريخ الاستعماري والذي يقع، وفقًا لها، تحت سيادة الدولة الفرنسية.