لم يخطئ جاك دورسى عندما قال إن «تويتر هو العالم»، فوسيلة التواصل الاجتماعى التى أسسها عام 2006 يتابعها 340 مليون شخص، وكانت تصنف على أنها منصة النخبة من الساسة والمثقفين، إلا أنها وقعت فى فخ دونالد ترامب. ولم تكن أحداث عنف وفوضى الكونجرس سوى نهاية علاقة مثيرة للجدل بين الرئيس الجمهورى الذى يستعد لمغادرة البيت الأبيض وبين السوشيال ميديا، فقرار حظره من منصات مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«إنستجرام» و«يوتيوب»، أشعل مجددا النقاش العام حول قوة «سيليكون فالى»، حيث تقبع كبرى شركات التكنولوجيا فى ولاية كاليفورنيا، فى صناعة وتحريك الأحداث السياسية فى الولاياتالمتحدة، وبين الانتقاد والإشادة بقرار الحظر ووضع قيود على حسابات ترامب المختلفة، ظهرت العشرات من علامات الاستفهام عن حجم قوة هذه الوسائل وقدرتها على فرض رقابة على مستخدميها، وهل تنتهك حرية التعبير، المكون الأساسى للديمقراطية، بمثل هذه القرارات، ولم يكن ترامب الوحيد، فقد أعقبه حظر تغريدة للمرشد الإيرانى على خامنئي، كما أغلق فيسبوك حسابين لمسئولين أوغنديين. وبدأ مبررو القرار بالحديث عن «حدود حرية التعبير»، فترامب حرض على العنف والتمرد وانتهك القيم الأمريكية، وكان لابد من وقفه بأى طريقة وبأى ثمن، وطوال فترة رئاسته، نشر الملياردير الجمهورى أكثر من 34 ألف تغريدة، ما بين التحريض وإطلاق الاتهامات والانتقادات والشتائم واستهداف شخصيات بعينها، ولم يجرؤ أى من هذه الوسائل على حذف تعليقاته أو تغريداته، حتى أنها لم تطلق آلية «تدقيق الحقائق» التى استخدمها الإعلام الأمريكى لفحص الأكاذيب فى تصريحات الرئيس الأمريكى منذ دخوله السباق الانتخابى فى 2016، إلا أن خسارة ترامب وإعلان فوز جو بايدن جعل السوشيال ميديا تلجأ إلى تطبيق إحدى القواعد النفعية لمكيافيلى «من يرغب فى النجاح المستمر يجب أن يغير سلوكه بما يتماشى مع الزمن». ويرى بعض الخبراء أن خطوة الحظر جاءت متأخرة، وبعد صمت طويل من وادى السليكون على ممارسات قطب العقارات السابق، كما أثار التحرك الجماعى للمواقع التى تحتكر السيطرة والنفوذ على العقل الجمعى لمليارات البشر بل وتشكل وعيهم، الجدل حول ما إذا كان الرؤساء التنفيذيون لهذه الشركات، والذين يعتبرون أباطرة الثراء فى العالم مؤهلين للعمل كقاض وهيئة محلفين فى القضايا الشائكة. وقاد «تويتر» التحرك ضد ترامب بعد تغريدة دعا فيها أنصاره إلى التحرك إلى واشنطن يوم 6 يناير لوقف ما وصفه بسرقة الأصوات، واعترف جاك دورسي- 44 عاما - بأن حظر ترامب يشكل سابقة خطيرة إلا أنه كان القرار الصائب، ووصف الحظر بأنه فشل فى تعزيز محادثة صحية، ووقت للتفكير فى عمليات تويتر والبيئة التى يعمل بها. وجاء تحرك شركة فيسبوك متأخرا، إلا أن بيانها كان أكثر وضوحا: «على مدى السنوات القليلة الماضية، سمحنا للرئيس ترامب باستخدام منصتنا بما يتماشى مع قواعدنا، وفى بعض الأحيان كان يتم إزالة المحتوى أو نضع تصنيفا ما على تعليقاته عندما تنتهك سياساتنا، لكن السياق الحالى يختلف اختلافا جوهريا، حيث يتضمن استخدام منصتنا للتحريض على تمرد عنيف ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا»، حسبما قال مارك زوكربيرج المدير التنفيذى لفيسبوك. وفى ظل هذه الملاحقة من وسائل التواصل الشهيرة لترامب وأنصاره، لجأ الأخيرون إلى منصات أخرى مثل «بارلر» التى نصبت نفسها كمدافعة عن «حرية التعبير»، إلا أن جوجل وآبل تدخلا لحذف التطبيق المثير للجدل بحجة «حماية أمن المستخدمين». وحول انتهاك هذه الشركات لحرية التعبير، جاء الرد القانونى بأنه من حقها أن تتخذ قرار الحظر فقد أوضحت خدمة الأبحاث فى الكونجرس فى تقرير للمشرعين ومساعديهم، أن حماية حرية التعبير المنصوص عليها فى التعديل الأول من الدستور الأمريكى تنطبق بشكل عام فقط على الحالات التى يتضرر فيها شخص من الحكومة، ولا تنطبق على مؤسسات القطاع الخاص. فهذه الشركات تفرض معاييرها وسياساتها الخاصة على مستخدميها وفقا لرؤيتها الخاصة. وتوالت الانتقادات لقرار الحظر حتى من قبل كبار منتقدى ترامب، فرغم أن السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما قد دعت مواقع التواصل إلى وقف السلوك الوحشى لترامب، إلا أنها أشارت إلى أن الحظر «مدفوع سياسيا». وأصدرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رغم أنها علاقتها بترامب لم تكن جيدة، بيانا وصفت فيه الحظر بالإشكالية حيث إن «حرية التعبير حق أساسى له أولوية، وأن أى قيود يجب أن يكون لها إطار قانونى وليس قرار من قبل إدارة السوشيال ميديا». واتهم السيناتور الديمقراطى مارك وانر، الرئيس القادم للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، كلا من فيسبوك وتويتر وجوجل بالتواطؤ مع ترامب فى الاعتداء على الديمقراطية الأمريكية، وأن حظرهم تعليقات الرئيس الجمهورى جاء متأخرا. وفى المحصلة، فإن إغلاق ميكروفون ترامب العملاق، يظهر أين تقبع القوة، حسب وصف صحيفة «نيويورك تايمز».