تجذب هاتفك المحمول ومفاتيحك وتفتح باب المنزل لتلحق بموعد عملك.. على الدرج تتذكر انك نسيت الكمامة فتهرع صاعدا لترتديها وتنزل. وفى الشارع والمواصلات وفى مكان العمل تصدمك حقيقة أنك من القلة القليلة الملتزمة بالاجراءات الاحترازية رغم شراسة هجمة الموجة الثانية من وباء كوفيد 19.تشعر بالحنق والغضب تجاه الآخرين، ولا مانع من التنفيس عن هذا الغليان الداخلى من خلال وصف الشعب كله بالاستهتار والتبلد والجهل وان طول عمرنا كده وانه لا سبيل للاصلاح وان الزعيم سعد زغلول قد ادرك ذلك قبل قرن وقال مفيش فايدة وأخيرا قد تقتبس الجملة السينمائية الشهيرة أنه فى أوروبا والدول المتقدمة لا يحدث هذا أبدا. إليك المفاجأة ما يحدث هنا يحدث هناك ولكن ربما على نطاق أضيق حيث انه جزء من الطبيعة البشرية ويندرج تحت ما يصفه بعض علماء النفس بالارهاق السلوكي. ويعتمد هذا التوصيف على فكرة أن هناك حدودا لمقدرة الانسان على التحمل والالتزام بسلوك ما لفترة طويلة، بعدها يصاب بالملل ويبدأ فى التمرد. فخلال الموجة الأولى وفرض الإغلاق والحجر المنزلى كانت الغالبية أكثر ميلا للالتزام حيث انه منذ بدء الخليقة والبشر مهيأون للعمل من أجل المصلحة الجماعية خلال فترات الطوارئ. ولكن مع تنامى الشعور بالعزلة والوحدة والتوتر واليأس فى ظل استمرار الوباء انتشرت الاضطرابات النفسية والسلوكية. وفاض الكيل بالبعض وضجوا بالقيود المفروضة على ممارسة حياتهم بصورة طبيعية.. اعيتهم كثرة غسل اليد واستخدام الكحول والمطهرات وخنقتهم الكمامات فقرروا كسر القيود والتمرد على كوفيد. ولأن الوباء ليس شخصا, ولا وجه له كما يقولون، فقد قرروا توجيه تمردهم وغضبهم واتهاماتهم إلى كيانات موجودة بالفعل.فالحكومات مدانة بالتقصير والتعتيم، والقوى الخارجية متهمة بالتآمر سواء بتخليق الفيروس أو التخطيط للتخلص من كبار السن أو التحكم بالبشرية عن طريق شرائح تركب عبر اللقاح! والآخرون، بوجه عام، هم الجحيم كما وصفهم سارتر. فبالنسبة للملتزمين فإن الآخرين يهددون صحتهم بلامبالاتهم وفذلكتهم الفلسفية بأن المكتوب على الجبين ستراه العين وأنه لاهروب من القدر المحتوم واتركها على الله. وبالنسبة للمتمردين فان الملتزمين مبالغون ويريدون التحكم وفرض أسلوبهم المهووس. أما بالنسبة لأستاذة علم النفس البريطانية فاى شورت هناك ثلاثة نماذج من الملتزمين على الإجراءات الاحترازية. النموذج الأول يشمل الأشخاص الذين لا يفهمون طبيعة الوباء ولا القواعد المرتبطة به إما لأنهم يعيشون فى مناطق نائية أو لأنهم يرفضون متابعة الأخبار أو يتشككون فى كل شىء. النموذج الثانى يشمل هؤلاء الذين يقللون من أهمية تلك الاجراءات إما لأنهم من أنصار نظريات المؤامرة أو لأنهم ليست لديهم تجربة شخصية مع الوباء بمعنى أنهم لم يصابوا ولم يروا أحدا من أقاربهم أو أصدقائهم مصابا وبالتالى يميلون نحو التهوين لأن المخاطر ليست ماثلة أمام أعينهم. أما النموذج الثالث فيتعلق بالأشخاص المهووسين بالسيطرة ممن يرفضون الانصياع لأى طارئ خارجى يحاول أن يتحكم بمسار حياتهم ويبدل خططهم. قد نتفهم أن الكبت يخلق فى الانسان روح التمرد كما أكد فرويد. وندرك أن التمرد على الواقع يدفع نحو الابتكار والتغيير للأفضل. ولكن التمرد على إجراءات الوباء فيه تهديد للنفس وللآخرين وهو كما يقول جبران خليل جبران التمرد بغير حق كالربيع فى الصحراء القاحلة الجرداء.