أخيرًا هدأت العاصفة وخمدت النيران التي كادت تحرق كل من حولها.. أمريكا الديمقراطية كادت سمعتها على المحك والرئيس الأشقر كاد غروره أن يفتك بتلك الهالة التي رسمتها بلاده أمام العالم. ها هو ترامب يخرج على العالم في بيان مصور نشره على تويتر، بعد ضجة سيطرت على اهتمامات العالم ونالت قسطًا وفيرًا من أوقاتهم في متابعة تلك اللحظات التي لم تكن تخطر على بال بأن أمريكا السيدة والقائدة والرائدة عالميًا، أو هكذا يتم تصديرها، يحدث بها مثل هذا الضجيج الكبير. ترامب يتنصل من أنصاره ترامب الذي سعى لحشد أنصاره ودعاهم للتظاهر، في سبيله لرفض أية نتائج تشير لخسارته، في محاولة بائسة منه، ها هو يخرج عليهم اليوم متنصلا من كل ما فعلوه، بعد قيامهم باقتحام الكونجرس الأمريكي، قائلًا لهم بصوت جهور: إنكم لا تمثلون بلادنا بل وستدفعون الثمن". ترامب في رسالته المصورة لم يكتف بذلك وحسب، بل اتهم أولئك المتظاهرين الذين تسللوا إلى الكابيتول بأنهم "أفسدوا الديمقراطية الأمريكية وخرجوا على دولة القانون والنظام". لكن أكثر ما كان ينتظره المتابعون لترامب هو موقفه وردة فعله تجاه الاعتراف بنتيجة الانتخابات، فيما بدا الأخير مترنحًا، مكسورًا، حزينًا، جاء اعتراف ترامب بنتيجة الانتخابات مرغمًا لاسيما بعد حالة الهجوم التي تلقاها من أقرب المناصرين له، من بني جلدته حزبه الجمهوري والمطالبات بضرورة عزله. ولم يكن الاعتراف بفوز بايدن فقط بل وانتقال سلمي للسلطة، فيما دفع بتوقعات بهدوء الأوضاع في واشنطن طيلة ال13 يومًا المتبقية، وسط تكهنات قبيل رسالته المصورة بأن تلك الأيام كان يتوقع لها مزيدًا من اللهب. عاصفة الخميس بعد ساعات من الهجوم على الكونجرس الأمريكي، فُتحت في وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فُوهة بركان، لاسيما بعد مطالبات عدد من الساسة والنواب الأمريكيين بضرورة تقاعد هذا الرجل الذي تسبب في انتكاسة للديمقراطية، فيما اتهم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الخميس، ترامب بتحريضه على العنف الذي شهده مبنى الكونجرس أول أمس الأربعاء، واصفًا ما حدث بأنه أحد أحلك الأيام في تاريخ البلاد وهجوم على الديمقراطية. ووصف بايدن، الذي كان يتحدث في ولاية ديلاوير، مؤيدي ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونجرس بأنهم "إرهابيون محليون"، وقال: "لا أجرؤ على وصفهم بالمحتجين، إنهم غوغاء مثيرون للشغب، متمردون وإرهابيون محليون"، مضيفًا: "شاهدنا في الأعوام الأربعة الماضية رئيسًا جعل احتقاره لديمقراطيتنا ودستورنا وحكم القانون أمرًا واضحًا في كل شيء فعله". وحلت الفوضى بمبنى الكونجرس عندما اقتحم مؤيدون لترامب المبنى الذي يضم مجلسي الشيوخ والنواب بعدما ظل ترامب طوال أسابيع يوجه لأنصاره مزاعم زائفة بأن انتخابات الثالث من نوفمبر قد سرقت منه. وطالبت رئيسة مجلس النواب الأمريكي ، نانسي بيلوسي ، بإقصاء ترامب من السلطة، واصفة إياه ب"الشخصية الخطيرة"، وقالت إن ما فعله الرئيس ترامب هو محاولة لتقويض الانتخابات، وأن الديمقراطيين يضغطون من أجل مساءلة ترامب. قلق مرهون بالأيام وعبر السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، عن شعوره بالقلق إزاء الأيام ال 14 المقبلة، مؤكدًا أن إنجازات ترامب، تشوهت بما جرى أول أمس، وما طلبه من مايك بنس لم يكن دستوريًا، وبايدن فاز برئاسة الولاياتالمتحدة، والانتخابات الأمريكية كانت شرعية، رافضًا تفعيل التعديل ال 25 من الدستور وكل الخيارات مطروحة، وسنسعى لاستعادة مجلس الشيوخ في انتخابات 2022. وكان مجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون قد سأل ترامب في ديسمبر 2019 بشأن اتهامات بإساءة استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس بعدما ضغط الرئيس على أوكرانيا للتحقيق مع بايدن، لكن مجلس الشيوخ الذي كان يقوده الجمهوريون صوت في فبراير 2020 لصالح إبقائه في المنصب. وطالب مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) من المواطنين تقديم معلومات عمن شاركوا في الفوضى التي قتل فيها أربعة أفراد، وجاء العنف في اليوم نفسه الذي فاز فيه رفاق بايدن الديمقراطيون بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ بعد اقتناصهم مقعدي ولاية جورجيا في انتخابات الإعادة التي جرت يوم الثلاثاء. ورفض حلفاء قدامى لترامب مثل بنس وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل مناشدات الرئيس بالتدخل وصادقا بدلا من ذلك على فوز بايدن، فيما رفض الشيوخ والنواب اعتراضين على أعمال فرز الأصوات وصادقا على نتيجة التصويت النهائي للمجمع الانتخابي بفوز بايدن بواقع 306 أصوات مقابل 232 صوتًا لترامب. وقال بنس في معرض الإعلان عن إجمالي الأصوات إن هذا "سيُعتبر إعلانًا كافيًا عن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة ونائب الرئيس". ووبخ مكونيل، الذي ظل صامتًا لفترة طويلة، بينما كان ترامب يسعى لإلغاء نتائج الانتخابات، الجمهوريين الآخرين الذين أوقفوا التصديق. ووصف الاقتحام بأنه "تمرد فاشل"، وقال:"لقد حاولوا تعطيل ديمقراطيتنا... فشلوا". تغيير في المواقف وألانت صدمة الهجوم على ما يبدو من عزيمة بعض الجمهوريين الذين دعموا جهود ترامب لقلب خسارته في الانتخابات، فقد غير العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين قالوا إنهم سيقدمون اعتراضات على فرز أصوات المجمع الانتخابي رأيهم عندما عادوا إلى المجلس. وجرى التصويت على اعتراضين على عدد الأصوات في أريزونا وبنسلفانيا في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وقال السناتور لينزي جراهام، أحد أقوى حلفاء ترامب في الكونجرس، في قاعة مجلس الشيوخ "كل ما يمكنني قوله هو استبعدوني (من التصويت). هذا يكفي". وقال مسئولو الانتخابات من كلا الحزبين والمراقبون المستقلون إنه لم يكن هناك تزوير واسع النطاق في الانتخابات، وحصل بايدن على سبعة ملايين صوت أكثر من ترامب في التصويت الشعبي على مستوى البلاد.